يوم الأرض في ظل انتفاضة القدس ودعوات الترحيل الإسرائيلية
هيثم أبو الغزلان
“إذا أتى أحدهم حاملا سكيناً، فقتله فريضة”، فتوى واضحة أعلنها الحاخام اسحاق يوسف، الحاخام الشرقي الأكبر لإسرائيل، وقام جندي إسرائيلي بتطبيقها بحذافيرها أمام عدسات مصور من منظمة “بتسليم” الإسرائيلية، وذلك بأن أعدم الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف، بـ “تل الرميدة” في الخليل بالضفة الغربية، لتضاف هذه الجريمة إلى مئات الجرائم الدموية التي ينفذها جنود الاحتلال بحقد وكراهية وعنصرية فاشية ضد شعبنا الفلسطيني.
أما على صعيد الأرض، فإن الاستيطان المستمر والتهويد يُضاعفان من إمكانية خسارتها لصالح الاستيطان المستمر. وقد أعربت خلال الأيام المنصرمة عدد من الجمعيات المعنية ومنها منظمة العفو الدولية، عن خشيتها من تكرار مأساة يوم الأرض في النقب، وتحديدًا ضد السكان البدو في عتير- أم الحيران، جراء خطر التهجير القسري وهدم المنازل الذي قد يستهدف القرية وسكانها قريبا. في وقت، أكدت فيه لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن عمليات الإخلاء القسري التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي تشكل انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان.
وفي ظل هذا المشهد تستمر انتفاضة القدس، مُقدمة نموذجاً من البطولة والفداء دفاعاً عن القدس والأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، والأرض التي تُنتهب استيطاناً وتهويدا.. ليتعانق ذلك مع ذكرى يوم الأرض التي تصادف في الثلاثين من آذار من كل عام، ليؤكد شعبنا من جديد استمرار نضاله وكفاحه ومقاومته، لكل المحاولات الإسرائيلية لسلخه عن الأرض، وأن يوم الأرض الذي روى فيه الشهداء بدمهم في العام 1976 أرض فلسطين، ما زال يتجدد كل يوم بدماء الأبناء مُنعشين بذلك ذاكرة لن تنسى، ووطناً يُسيّج بالدماء..
بدأ الكيان الإسرائيلي منذ العام 1948 بسرقة الأراضي العربية عبر إصدار القوانين المتعددة الأسماء والأشكال لتكون سرقتها “مبررة وشرعية” (!!)، فمن قانون الأراضي البور إلى المناطق المغلقة، إلى قانون أملاك الغائبين إلى مناطق الأمن، إلى استملاك الأراضي. إلى إرغام العرب على رهن أراضيهم، حتى تمكنت من تجريد العرب من حوالى مليون دونم من أخصب وأطيب أراضيهم. ولم يتوقف الكيان عن استصدار “قوانينه”، وممارسة سياساته، التي تتماشى ونظريته القائلة: “ما أصبح في يدنا هو لنا، وما يزال في يد العرب هو المطلوب”.
وصادرت السلطات الإسرائيلية خلال الأعوام ما بين 1948-1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى التي استولت عليها عام 48 (وهي القرى التي تسمى اليوم مثلث الأرض).
وصادرت السلطات الإسرائيلية آلاف الدونمات من الأراضي العربية ذات الملكية الخاصة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذي أغلبية سكانية تحت غطاء مرسوم جديد صدر رسمياً في منتصف السبعينات، أطلق عليه اسم مشروع “تطوير الجليل” والذي كان في جوهره الأساسي هو “تهويد الجليل” وبذلك كان السبب المباشر لأحداث يوم الأرض. فقد صادرت السلطات الإسرائيلية 21 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها في منطقة الجليل في فلسطين التي احتلت عام 48، وتم تخصيصها للمستوطنات الإسرائيلية في سياق مخطط التهويد.
وقد شكّلت عملية تهويد الجليل ـ وما تزال ـ هدفاً من أهداف الحركة الصهيونية وهاجسها، فقد حدد بن غوريون هذا الهدف بقوله: “الاستيطان نفسه هو الذي يُقرر إذا كان علينا أن نُدافع عن الجليل أم لا”.
وأقام الكيان الاسرائيلي بعد العام 1948 في الجليل العديد من المستوطنات، وبرر الاسرائيليون عملية الاستيلاء على الأراضي، بأنها أراضٍ للغائبين، ولكن الاستيلاء لم يقتصر على أراضي الغائبين، وإنما وضع يده على “أملاك” حكومة الانتداب البريطاني، التي تقدر بحوالى 2-3 مليون دونم، ولم يكتفِ بتلك الأراضي، وإنما امتدت يده إلى أراضي الفلسطينيين…
وسبق إعلان الاضراب الفلسطيني قرارات إسرائيلية، منها: قرار بإغلاق منطقة المل (منطقة رقم 9) ومنع السكان العرب من دخول المنطقة في تاريخ (13-2-1976).
وصدور وثيقة متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية (وثيقة كيننغ) في (1-3-1976)، كاقتراح لتهويد الجليل واتخاذ إجراءات سياسية إزاء معاملة الاقلية العربية في إسرائيل.
وعلى أثر هذا المخطط العنصري قررت لجنة الدفاع عن الأراضي بتاريخ (1/2/1976) عقد اجتماع لها في الناصرة بالاشتراك مع اللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية وفيه تم إعلان الإضراب العام الشامل في 30 آذار (مارس) احتجاجاً على سياسة المصادرة وكالعادة كان الرد الإسرائيلي عسكرياً دموياً إذ اجتاحت قواته مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى الفلسطينية والبلدات العربية وأخذت باطلاق النار عشوائياً فسقط الشهيد خير ياسين من قرية عرابة، وبعد انتشار الخبر صبيحة اليوم التالي، أي في 30 آذار انطلقت الجماهير في تظاهرات عارمة فسقط خمسة شهداء آخرين، هم: الشهيد خضر خلايلة (سخنين)، الشهيدة خديجة شواهنة (سخنين)، الشهيد رجا أبو ربا (سخنين)، الشهيد محسن طه (كفر كنا)، الشهيد رأفت الزهيري (من عين شمس واستشهد في الطيبة)، إضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين.
وجاءت انتفاضة الثلاثين من آذار لتُشكل احتجاجاً على سياسة المصادرة وتهويد الأرض وتأكيداً على تشبث الشعب الفلسطيني بهويته وحقه في الدفاع عن وجوده رغم عمليات القتل والإرهاب والتنكيل التي كانت – وما زالت – تُمارسها السلطات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني بهدف إبعاده عن أرضه ووطنه فقد أصبح يوم الأرض مناسبة وطنية فلسطينية وعربية.
ولا زالت معركة شعبنا في الحفاظ على الأرض مستمرة ولم تنته في 30 آذار 1976، بل هي مستمرة حتى يومنا هذا ونستطيع القول والتأكيد إن كل الأيام الفلسطينية هي بمثابة يوم للأرض؛ ففي كل يوم تقوم حكومة الاحتلال العنصرية بمصادرة الأرض وبناء المستوطنات وهدم البيوت وطرد السكان، وفي المقابل يواجهها شعبنا بصلابة وإرادة لا تلين.
لقد شكّل يوم الأرض نقطة تحول في مسيرة ونضالات وتضحيات ومقاومة شعبنا، من حيث الصمود والدفاع والتصدي لمخططات الاحتلال المستهدفة نهب أرض الآباء والأجداد والاستيلاء عليها واقتلاع شعبنا. واليوم هذا الخطر الاستيطاني يستمر بوتائر مرتفعة مصحوباً بحملة استيطان شرسة في كل الأرض الفلسطينية، وخاصة في مدينة القدس المحتلة التي أصبحت في خطر داهم أكثر من أي وقت مضى.. وهذا يستوجب من الجميع العمل من أجل الحفاظ والدفاع عن هذه الأرض الفلسطينية ومقدساتها في مواجهة المشروع الصهيوني الاستيطاني..