وفد إسرائيلي في الرياض علانية: التطبيع لا ينتظر توقيعاً!
موقع الخنادق-
مريم السبلاني:
بالصوت والصورة ودون ترك أي مجال للالتباس أو التأويل، حضر وفد إسرائيلي إلى السعودية. ليس الأمر غريباً أو مستهجناً. سبق هذا الوفد وفود استخباراتية ودبلوماسية إسرائيلية منذ سنوات مضت، إلا انه الوفد العلني الأول الذي يُستقبل أمام عدسات الكاميرات مباشرة على الهواء. كل ذلك، يقع ضمن إطار واحد: التطبيع الجديّ بين المملكة وكيان الاحتلال الذي لا ينقصه سوى بعض الاتفاقيات والتنسيق والاعلان الأخير. ولو أن هناك مَن يرغب بتصوير ولي العهد السعودي على أنه “المناضل العربي” الذي لم يطبّع إلى الآن، إلا أن الحقيقة قد دمغت أمس في اجتماع اليونسكو، والتي تشي بأن الاختلاف على الثمن لا أكثر، والوقت كفيلٌ بحل المعضلات.
وصل وفد إسرائيلي إلى الرياض يوم الأحد لحضور مؤتمر دولي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) حول مواقع التراث العالمي الذي يعقد في المملكة. ويضم الوفد الذي يرأسه رئيس سلطة الآثار الإسرائيلية إيلي إسكوسيدو، نائب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية للمنظمات الدولية وممثل إسرائيل لدى مؤسسات الأمم المتحدة في باريس.
وكانت السعودية قد وعدت بالسماح بدخول الوفد الإسرائيلي كأحد شروط استضافة الدورة الـ45 للجنة التراث العالمي.
تنبع الموافقة السعودية على استضافة مسؤولين إسرائيليين علناً في المؤتمر في المقام الأول من رغبة الرياض في الامتثال لمتطلبات اليونسكو، وبحسب صحيفة هآرتس العبرية، ان ذلك يشير أيضاً إلى إحراز تقدم في المحادثات نحو صفقة أمريكية سعودية إسرائيلية، والتي قادتها إدارة بايدن في الأشهر الأخيرة.
على ضوء الخذلان المتراكم الذي تعرض له محمد بن سلمان من الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001، إلى الآن في حرب اليمن مروراً بما يتعلق بسوريا وإيران وغيرها، أرادت الرياض كسب مزيد من الاهتمام الدولي والأميركي على وجه التحديد، بقيامها بمناورات عدة كالالتزام بخفض انتاج النفط. لكن بن سلمان يدرك أيضاً، أن التهور بتخريب العلاقة مع الولايات المتحدة، أو عدم تعزيز العلاقات مع إسرائيل، لن ينتج إلا خسائر لا تستطيع الرياض تحمل عبئها، في ظل الانغماس الأميركي الغربي في الدولة العميقة السعودية.
لم ترقَ مخرجات المؤتمر إلى الحد الذي تلقى فيه اهتماماً يطغى على حضور الوفد بعينه. فيما كان من اللافت أن قرار اللجنة بإدراج الموقع الأثري، تل السلطان، الواقع في مدينة أريحا الفلسطينية في الضفة الغربية، في “دولة فلسطين” (التي اعترفت بها كدولة عضو في منظمتها منذ عام 2011) لم يلقَ اعتراضاً إسرائيلياً هذه المرة، على الرغم من تحفظ الكيان دائماً على ادراج أي موقع أثري خارج الأراضي المحتلة.
خلال شهر تموز/يوليو عام 2022، بدأ الاعلام الإسرائيلي بالحديث عن ان العلاقات السرية بين المملكة وإسرائيل خرجت إلى دائرة الضوء، ذلك قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البلدين الشرق أوسطيين. حينها كانت مجموعة من حوالي 50 من كبار رجال الأعمال اليهود البارزين يتجولون بين المدينة المنورة والرياض، بقيادة رائد أعمال إسرائيلي.
نقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيلي عن المسؤول عن الرحلة حينها، آفي جوريش قوله “إن التطبيع الإسرائيلي-السعودي هو مسألة متى، وليس إذا”. لم يقل جوريش جديداً، بل ان ما تداوله مع أصدقائه في الداخل المحتل كان يصب في الإطار عينه، خاصة أولئك الذين ينظرون إلى مشاريع رؤية 2030 كفرصة جيدة لزيادة أموالها تماماً كالرئيس التنفيذي “آيش غلوبال”، الحاخام ستيفن بورغ.
لا يزال الملك سلمان بن عبد العزيز ملتزماً بـ “مبادرة السلام العربية لعام 2002″، والتي تتضمن إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها “القدس الشرقية”، إضافة لحل قضية اللاجئين استناداً إلى القرارات الدولية. مبدئياً، يحتفظ بن سلمان بنهج أبيه الذي تنازل عن الدفاع عن “فلسطين كاملة موحدة”، لكن الشروط التي وضعتها المملكة أضف إلى ذلك مساعي السلطة في رام الله، يقدّم ما يحدث على أنه صفقة قد تشمل مختلف البنود حتى تلك التي تنطوي تحت المبادرة، مع بعض تحفظات لدى المملكة لناحية كيفية إخراجها إلى الضوء وأمام العالمين العربي والإسلامي، ليس لعدم اقتناعها بهذا التنازل، بل لأجل الاحتفاظ بما جنته من وجود أقدس الأماكن لدى المسلمين على أراضيها.