وزير.. في "غير زمانه"
صدّق أو لا تصدق. هذا الخبر وارد في الصحف اللبنانية عن واقعة سجّلتها الأحداث المحلية: وزير الدفاع يعقوب الصراف تنازل عن حصته في مجموعة شركات “جودة لبنان” والتي كانت طرفاً في مناقصة تلزيم منشآت المعاينة الميكانيكية عندما أصبح وزيراً منعاً لتضارب الصلاحيات وأبلغ محاميي المجموعة بذلك.
وبينما هناك من سجّل استدارة بلغت 180 درجة في انقلابه السياسي كي يعود الى “الجنة الحكومية” ليتنعّم بمغانم السلطة وأرزاقها المهدورة، هناك من دخل الحكومة من هو زاهد من أي منفعة خاصة.
نعم، ثمة وزير “نظيف” لم يجلس على كرسي السلطة المخملية طمعاً بالمال “السايب”، الذي علّم غيره “الحرام”، ولا جشعاً بموقع يكتنز بمفاتيح الصفقات والتلزيمات والمشاريع السهلة…
ثمة وزير لا يشبه كثراً من حوله. بمقدوره أن يضيء بارقة أمل في أذهان اللبنانيين وأن يرسم بروفيل استثنائي للممسكين بمقدرات الدولة. يمكن الإطمئنان الى أحد الجالسين على كنز التلزيمات الكبيرة، فيه ما يكفي من المناعة تجاه المال العام ومفاتيحه الشرعية. ولن يكون بطبيعة الحال موضع اختبار. تاريخه يحميه.
قد تكون هذه القاعدة هي المعمول بها في كل دول العالم المتقدمة، تلك التي تعتبر العمل السياسي مهمة لخدمة المواطنين، الذين هم “أساس الملك”، فيكون من الطبيعي أن يدخل الوزير جنة الحكومة بعد أن يترك مصالحه الخاصة خارج أبواب السلطة، ويكون من الطبيعي أيضاً أن يحاكم من يقبض عليه في جريمة الاستفادة من موقعه الوزاري او النيابي لتحصيل منفعة خاصة.
ولكن في لبنان، القاعدة مختلفة كلياً. السلطة هي تلك البقرة الحلوب التي تتناتش الطبقة السياسية على الإطباق على مقدراتها لتحويلها الى “مطبعة مال” تدرّ الملايين لا بل المليارات على القابضين على رقبتها. هي عناوين لصفقات مموهة أحياناً، ووقحة أحياناً أخرى بتوزيعها ومحاصصتها… وفي كل الحالات هي منجم ذهب يسيّل في جيوب بعض القوى السياسية.
والأنكى من ذلك أنّ اللبنانيين مدركون لهذا الواقع ويتعايشون معه كأنه جزء من ثقافتهم العامة. اذا يؤكد مسح أجرته منظمة الشفافية الدولية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العام الماضي أنّ لبنان يحتلّ المركز الأول بين الدول التي شملها المسح، إذ إن 92 في المئة يعتقدون بأن الفساد في لبنان قد ازداد السنة الماضية.
يشير التقرير الى أن واحداً من كل ثلاثة مواطنين دفع رشوة للحصول على خدمات أساسية، وواحداً من بين ثلاثة مواطنين من الذين تعاملوا مع المحاكم دفع رشوة أيضاً، وواحداً من كل أربعة أشخاص دفع رشوة في التعامل مع عناصر الشرطة. رغم ذلك، فإن واحداً من بين 5 أشخاص اضطروا إلى دفع هذه الرشوة بلّغ عن حالة الفساد هذه، علماً بأن 2 من أصل 5 من المبلّغين عن حالات الفساد يتعرضان لردود فعل انتقامية، و30 في المئة من المشمولين بالدراسة يقولون إن الناس لا يبلغون عن الفساد نتيجة خوفهم من هذه الردود الانتقامية.
هذه الأرقام لم تكشف شيئاً غير معلوم، وقد لا تحرك ساكناً طالما أنّ معظم اللبنانيين ارتضوا هذا الواقع المأزوم وصاروا جزءاً منه لا بل شركاء فيه، بمجرد دخولهم منظومة الفساد من باب الرشوة وتعميمها من أدنى الهرم الى اعلاه. ومع ذلك، الحلم بالتغيير مشروع وضروري.
لبنان 24