وداعاً حلب؟
نصري الصايغ – صحيفة السفير
حلب مرة أخرى. لن تكون الأخيرة. من يربح؟ لا أحد. من يخسر؟ العداد لم يعد يتسع للخسارات. عادة، لا يحتسب الأحياء. هم الأكثرية دائماً، إلا هذه المرة. فلا تحسبن الأحياء يرزقون… كل هذا خارج حساب الحرب. الحرب تدور في رحى أخرى، بينما السياسة تقتل من دون أن تلوث يديها.
النظام يصر: لا حل من دون الأسد. الحل معه. من دونه الحرب باقية. أعداء النظام في الداخل والخارج: لا حل مع الأسد. معه تستمر الحرب في دورانها. هذا كان رهان البدايات. سقف الإلغاء كان متبادلاً وعقيماً. والثمن هو الإقامة في الجحيم. وفي هذه الأثناء لم تعد حلب ترتب جنازاتها. حلب ما عادت مدينة. صارت قاعاً بلا قاع. جدير الوقوف على الأطلال يا امرأ القيس. أما بعد:
الحل السياسي سراب. رهانات السنة السادسة للحرب هي المزيد من الانتحار. السعودية تصر على الحسم العسكري. لا حلول إلا بإسقاط رأس النظام. غير صحيح في قاموسها السياسي، أن الحل العسكري غيرُ مجدٍ. لا حل إلا بالحسم العسكري. الحل السياسي مستحيل لأنه يحفظ مكاناً للأسد ومكانة دائمة لإيران. لا تصل سوريا الى السلام إلا بسحق النظام. وهذا أمر ميسور إذا اتفق أعداء النظام على ضرورة الحسم العسكري، وإلا فالبديل هو حروب استنزاف وتورط بالتقسيط. المسألة اليوغوسلافية حُسمت بالقوة. يغيب عن السعودية أن العالم يومذاك كان أحاديا والروس في الكوما.
النظام يصرّ على الصمود. لا خيارات أخرى. التنازل في لحظة التعادل الميداني، انتحار سياسي. وفي المقابل يعرف النظام حجم قوته وحدود دعم حلفائه. لقد اختبرها، فهل يعتبر؟ يعرف النظام أنه انتكس مراراً، ولولا المدد الحاسم إيرانياً وروسياً و… لكان في خبر كان.
استعادة وحدة التراب السوري تحتاج الى جيوش براً وبحراً وجواً، وهذا أمر غير ميسور وليس لدى القادة العسكريين عقيدة شمشون. روسيا ليست في هذا الحسبان. إيران وحدها كحليف حميم للنظام ليست في هذه القدرة. دفعت كثيراً ولم تحقق غير هدف أساسي: ممنوع سقوط الأسد. سقط الكثير ونجا النظام. وهو بحاجة إلى حماية عسكرية بعديد وعدة لم يعد ممكناً توفيرهما للحسم. تعرف السعودية ذلك وتدفع إيران إلى المزيد من الانزلاق. الظرف ملائم لاستنزاف ايران في المستنقع السوري. منطق المملكة، أمام إيران خياران: الخروج من سوريا أو الغرق فيها… أضغاث أوهام.
لا تقاتل السعودية بغيرها من أجل حل سوري. منع الحل هو الهدف. كل حل راهناً من المفترض أن يكون واقعياً. سيرسم خطوط محاصصة لجميع القوى المرشحة لتكون جزءاً من النظام الذي يرجح أن يكون توافقياً. حصة النظام راجحة وحصة إيران مضمونة وحصة تركيا متوفرة، وحصة أميركا وروسيا، ضامِنَتَي الحل، وازنة، وهناك ما يرضي إسرائيل طبعاً. لا يُعقل أن تتولى أميركا التوقيع على حل سياسي لا يلحظ ورقة تفاهم مع إسرائيل.
في محصلة هذا الحساب، ما حصة السعودية؟
المملكة تنظر الى سوريا من المنصة الإيرانية. إيران أولاً وما تبقى ملحق بهذا الملف. حيث تكون إيران، المملكة بالمرصاد بالسياسة، بالإعلام، بالمال، وبالسلاح كذلك. هي في اليمن لقطع الأذرع الإيرانية فيه. على الحوثيين أن يستقلوا عن إيران كي تتوفر التسوية. مشكلة السعودية في اليمن إيرانية. مشكلتها في العراق إيرانية. مشكلتها في لبنان إيرانية. ومشكلتها في سوريا إيرانية. وخلافها مع أميركا بسبب النووي الإيراني وتقربها من إسرائيل بسبب العداء لإيران… فكيف يكون حل في سوريا؟ بل كيف تتخلى المملكة عن الحل العسكري؟
ليس من مصلحة النظام أن يراهن على حل سرابي. الخلاف الروسي – الأميركي يفتح الباب على رهانات أفضل. إذا تقدم في حلب تراجعت المطالبة برحيل الأسد أو بتحديد دوره في المرحلة الانتقالية. أما اذا كان المتوقع الحسم في حلب، فذلك يعني أن الجنون قد بلغ حد «علي وعلى أعدائي».
حلب ليست الطريق إلى الحل وليست الطريق إلى الحسم. لدى الأطراف كلها أرصدة قابلة للإنفاق. لن تستقيل روسيا من القتال ولكنها لا تريد أن تذهب بعيداً وطويلاً. حصاد العامين من القصف زهيد. الحل السياسي يناسبها. الحروف الأولى لم تكتب بعد. أميركا مستقيلة من الحرب والحل. أوباما لا يرغب بتسليم السلطة كما تسلمها من سلفه بوش الإبن. تركيا ماضية في حربها ضد الأكراد. السعودية تشعل الحرائق.
لذلك كله نرفع أيدينا في وداع حلب.