وثائق الارشيف الوطني البريطاني عن عام 1983 (1)… هجوم دولي كبير بعد تدمير مقر للمارينز والفرنسيين في بيروت… تاتشر تقترح تصفية قيادات مسؤولة في «حزب الله»
صحيفة القبس الكويتية:
أفرج الارشيف الوطني البريطاني عن وثائق ومراسلات بين رئيسة الحكومة مارغريت تاتشر وعدد من زعماء العالم في عام 1983 الذي شهدد تجديد فترة انتخاب تاتشر رئيسة للحكومة، بعد انتخابات عامة تلت الانتصار البريطاني في جزر فوكلاند واستعادتها من الارجنتين.
وشهدت السنة صراعا بين قادة الاتحاد السوفيتي اثر وفاة الزعيم ليونيد بريجنيف قبل شهور، وتولي يوري اندروبوف المنصب في 12 نوفمبر 1982 مما اثر في محادثات التسلح بين الشرق والغرب.
وعربياً شهد العام، وتتمة للغزو الاسرائيلي للبنان منتصف 1982 ارسال قوات دولية بقيادة الولايات المتحدة الى لبنان، والهجوم الانتحاري الذي شنه شخصان مرتبطان بحزب الله على ثكنة المارينز، واخرى للقوات الفرنسية في بيروت في 23 اكتوبر 1983 مما اودى بحياة 241 أميركياً و58 فرنسياً وستة مدنيين و والانتحاريين اللذين قادا شاحنتين محملتين بأطنان من المتفجرات.
وتحدث الرئيس الاميركي بعدها واصفاً الهجوم بأنه «عمل حقير»، وتعهد بالحفاظ على «قوة عسكرية» في لبنان. وقال وزير الدفاع كاسبار واينبرغر، انه لن يكون هناك أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان. وفي 24 أكتوبر زار الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران موقع الانفجار الفرنسي. في زيارة غير رسمية، وبقي لبضع ساعات فقط، وقال «اننا سنبقى»، وزار نائب رئيس الولايات المتحدة جورج بوش الأب موقع تفجير قوات المارينز في 26 أكتوبر، وقال ان الولايات المتحدة «لن يهددها الإرهابيون».
ورداً على الهجمات، بدأت فرنسا غارة جوية في سهل البقاع ضد مواقع قالت انها لـ«لحرس الثوري الإسلامي» (الايراني). وجمع الرئيس ريغان فريقه للأمن القومي والتخطيط لاستهداف ثكنة الشيخ عبد الله في بعلبك، الذي يضم الحرس الثوري الإيراني وهؤلاء يعتقد انهم دربوا مقاتلي حزب الله.
ووفق الوثائق طلبت تاتشر من ريغان عدم شن هجوم كبير على لبنان للانتقام مما جرى، وقالت في رسالة تحذير لريغان «ان هؤلاء الناس متزمتون يؤمنون ان الشهادة تقودهم الى الجنة». وقارنت الحادث بما جرى في ايرلندا الشمالية، حيث قتل متزمتون اكثر من الف جندي بريطاني من دون اي وازع.
وحضت تاتشر ريغان وغيره، اثناء التعامل مع احداث مشابهة بـ«ملاحقة المسؤولين مباشرة عن الحادث وتصفيتهم، بدلاً من اللجوء الى عمليات انتقامية واسعة قد تثير الغرائز وتؤدي الى زيادة اعداد الانتحاريين». وكانت تاتشر تشير الى قيادات فتية في حزب الله نسقوا للعمليتين الانتحاريتين.
وستنشر القبس على حلقات بعض ما ورد في الوثائق البريطانية عن احداث لبنان في 1983 اعتباراً من اول اغسطس 2013. يُشار الى ان نشر الوثائق البريطانية يتزامن من اتخاذ الاتحاد الاوروبي منتصف يوليو قرارا باعتبار الجناح العسكري لحزب الله منظمة ارهابية، مما يفتح المجال أمام ملاحقة قادته وعناصره وتصفيتهم وفق القانون (…) وفي اي مكان وجدوا من دون ان تضطر الحكومات الاوروبية الى المساءلة امام البرلمانات.
وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اتهم في خطاب أخير قبل نحو عشرة ايام بريطانيا بانها وراء القرار الأوروبي ضد الجناح العسكري للحزب.
وفي الوثائق ايضاً رسائل عن تردد تاتشر في ارسال قوات الى لبنان بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، لكنها ارسلت وحدة صغيرة من قبرص الى بيروت على رغم الحاح الاميركيين والفرنسيين للمشاركة.
وتضم الوثائق ايضاً رسالة من وزير الخارجية في حينه فرنسيس بيم قال فيها «ان الاسرائيليين مذنبون بالسماح لحلفائهم في الميليشيات اللبنانيية غير المنضبطة باقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا».
فوز حزب المحافظين
وفي نظرة عامة الى الوثائق تبين ان تاتشر عدلت حكومتها بعد الانتخابات العامة في يونيو 1983 التي جعلت حزب المحافظين يفوز بغالبية 144 مقعداً في مجلس العموم، على الرغم من أن البطالة بلغت حدود 3.2 ملايين شخص. وكلفت سير جفري هاو بمنصب وزير الخارجية ونايجل لوسون بمنصب وزير الخزانة وتولى مايكل هيزيلتاين منصب وزير الدفاع. وبدأت تاتشر قبيل الانتخابات العامة حملة خفض الضرائب على شرائح عليا من ذوي الدخل، وقيل في حينها «انها وزعت رشى انتخابية بنحو ملياري استرليني». ومع وصول المحافظين في ولاية ثانية رفض مجلس العموم اعادة العمل بحكم الاعدام الذي كانت المعارضة تطالب به.
وفي العام نفسه وبعد الانتخابات تولى نيل كينوك زعامة حزب العمال المعارض خلفاً لليساري مايكل فوت. وبدأ كينوك تحديث الحزب في وجه معارضة شديدة من اليساريين، وجمع في مكتبه الاستشاري بعض الشباب المثقفين من خريجي جامعات النخبة، أمثال جون سميث وطوني بلير الذي تسلم الزعامة خلفاً لسميث، وابقى الحزب في الحكم على مدى 13 عاماً.
صواريخ أميركية داخل بريطانيا
ومما جرى في بريطانيا من احداث مهمة في تلك السنة وصول صواريخ كروز الاميركية النووية العابرة للقارات الى الاراضي البريطانية، مما اثار الناس ضد الحكومة، وسارت تظاهرة قدر عدد المشاركين فيها بحوالي مليون شخص ضد التسلح النووي.
وتتحدث الوثائق عما اذا كان من يتحكم في هذه الصواريخ الحكومة الاميركية ام الحكومة البريطانية، وما هي قواعد الاشتباك في قواعد بريطانية تحتوي هذه الصواريخ، ووسائل الامن المعتمدة فيها، كي لا تتعرض للتخريب، او تقع في ايدي اطراف ارهابية.
وبين وثائق الارشيف مشكلة مع الولايات المتحدة، بسبب الغزو الأميركي لغرانادا (عضو في الكومنولث) في اكتوبر، مما اثار تساؤلات ضد تاتشر في مجلس العموم واتهامها بالتغاضي عنه.
وفي نوفمبر 1983 جرى اقتحام مخزن في مطار هيثرو، وتمت سرقة 6800 قضيب ذهب، بقيمة 26 مليون استرليني، قيل ان بعضها ملك لشركة استثمار عربية يملكها بعض حكام الخليج.
وفي ديسمبر 1983 فجر الجيش الجمهوري الايرلندي قنبلة موقوتة أمام محال هارودز في لندن، مما ادى الى مقتل ستة، بينهم ثلاثة رجال شرطة وثلاثة مدنيين، واصابة 91 بعضهم من المتسوقين العرب.
ولم تنس الوثائق الاشارة الى اعلان استقلال دولة شمال قبرص وموقف بريطانيا المعارض من الاعلان في 15 نوفمبر 1983، والانعكاسات على الوجود العسكري البريطاني في قبرص والشرق الاوسط.
الجامعة العربية «إرهابية»!
وتضم الوثائق ملفات عن اقتراح زيارة وفد من الجامعة العربية، يضم ممثلين عن منظمة التحرير الى لندن، وكتبت تاتشر مذكرة الى وزير الخارجية تحدثت فيها عن رفض استقبال اي ممثل عن «منظمة ارهابية»، مثلما ترفض استقبال اي ممثل عن الجيش الجمهوري الايرلندي. وقالت في رسالة كتبت في نوفمبر 1982 «ارجو ابلاغ اصدقائنا العرب والجامعة انني لن استقبل اي ممثل من هذه المنظمات الارهابية في 10 داوننغ ستريت»، لكن الزيارة تمت في مارس 1983!
أزمة السفارة الإيرانية
ومن بين أهم الوثائق عن احتلال السفارة الايرانية في لندن، وكيف أمرت تاتشر القوات الخاصة (اس اي اس) باقتحامها وتحرير ما يصل الى 20 ديبلوماسياً ايرانياً كانوا داخلها وقت احتلالها في 30 ابريل 1980 على يد اعضاء في جبهة تحرير الاحواز التي كان يمولها صدام حسين.
و انتهت عملية احتلال السفارة بمقتل عباس لواساني الملحق الصحافي علي يد المحتلين، وإلقاء جسده الى خارج المبنى بعد 6 ايام من الاحتلال، بعد قتله في الداخل.
وقتلت القوات الخاصة خلال عملية الاقتحام التي دامت 17 دقيقة فقط، خمسة من المحتلين الستة، واعتقلت السادس الذي كان اصيب خلال العملية.
وادت العملية الى تسليط الضوء على القوات الخاصة البريطانية وبراعتها، وزادت من شعبية تاتشر التي كانت ترفض دائماً تقديم تنازلات الى ارهابيين اجانب ارتكبوا عمليات خطف واحتجاز رهائن بريطانيين.
وخلال العملية احترق مبنى السفارة، واستغرقت عمليات ترميمه ثلاث سنوات، لتعود البعثة الايرانية الى استخدامه مجدداً في ابريل 1983.
وبين الوثائق ايضاً ملفات عن «الأمن البريطاني» في دول مختلفة، بينها العراق وايران واثيوبيا واليونان وقبرص ومصر واليابان وغيرها مثل الكويت، حيث يمكن يتعرض الرعايا البريطانيون للأخطار، وحيث يعمل مستشارون امنيون بريطانيون تحت غطاءات مختلفة.