واقعية الثقة السورية بالنصر
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
بعيدا عن المبالغات الخطابية والإنشائية تنظر القيادة السورية بواقعية شديدة إلى التحولات التي كان لها الدور الرئيسي في صياغتها على صعيد العالم والمنطقة من خلال صمودها ومقاومتها للعدوان الاستعماري وهي تخوض مجابهة معقدة ومتشابكة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية ناهيك عن المعارك المستمرة التي يخوضها الجيش العربي السوري .
أولا تشكل صلابة التوازنات الدولية والإقليمية الجديدة التي بلورها اختبار القوة الاستراتيجي بعد قرار الإدارة الأميركية بالعدوان ركيزة حاسمة في حساب توازن القوى وتؤكد القيادة السورية وبدون أية مبالغات على ان المبادرة الروسية حول الكيماوي هدفت إلى التعامل مع اولوية منع العدوان ولم تتوصل بعد إلى صياغة تفاهمات شاملة تتضمن التزامات اميركية بوقف دعم الإرهاب في سوريا وما يفترض ان يستتبع ذلك من إلزام للحكومات الغربية والإقليمية المتورطة في الحرب على سوريا بتدابير وإجراءات حازمة وهذا الهدف المدرج هجوميا على أجندة التحرك الروسي لم يتحقق حتى الساعة ولم تتبلغ الدولة الوطنية السورية منذ موافقتها على حضور جنيف 2 أي جديد بهذا الشأن بينما تتمادى علامات التصدع والارتباك في واجهات العدوان وادواته الميدانية لأنها مع حكومات السعودية وقطر وتركيا أقامت حساباتها على انتظار “ضربة اوباما ” لإخراج العدوان من مأزقه الخطير وقد أغرقتها المبادرة الروسية وما تلاها من تحولات في خيبة مريرة ومنها تركيا الدولة المحورية في العدوان التي تبدو منصرفة إلى الحد من التداعيات الداخلية الخطيرة الناتجة عن التورط في سوريا وعن احتضان عصابات التكفير وفلول القاعدة على أراضيها بينما تتابع الحكومة السعودية بحالة هستيرية مؤشرات التحول في مواقف بعض الحكومات الغربية والخليجية أيضا مع شيوع معلومات متلاحقة عن اتصالات سرية مفتوحة مع الحكومة السورية لتحضير الاستدارات السياسية في المواقف وقد تكون تلك التغييرات وشيكة الإعلان.
ثانيا تنظر القيادة السورية بثقة عالية لشركائها الدوليين والإقليميين وقد ادى اختبار القوة لتوثيق التحالفات السورية خصوصا مع روسيا والصين ومع إيران والمقاومة وهي بالتالي تتعامل مع التحديات مستندة لدعم هؤلاء الشركاء الذي يشمل جميع مستويات دعم الصمود السوري استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا وهذا من اهم مصادر الثقة بالقدرة على تحقيق الانتصار فالتحالف الذي ترتكز إليه القيادة السورية يحصد ثمار صمود سوريا في المنطقة والعالم ويؤسس لتوازنات جديدة تكسب الدولة الوطنية السورية مزيدا من الحصانة والقوة في مجابهة التهديد العدواني أيا كان مصدره بينما حلف العدوان يعاني من صدوع كثيرة ومن تناقضات وتباينات واضحة منذ ردع القرار الأميركي وكلما ترسخت هذه المعادلات الجديدة وتبلورت فهي تتيح شروطا أفضل لتحقيق انتصار سياسي وميداني للدولة الوطنية السورية التي تعمل على قيادة الصراع بمنطق التراكم المستمر لعناصر القوة السياسية والعسكرية في مقاومة الإرهاب التكفيري والفوضى ومما لاشك فيه تزداد حصانة الدولة الوطنية السياسية والأخلاقية مع انتصار الرواية السورية عن حقيقة الأحداث الجارية عبر بدايات التسليم العالمي السياسي والإعلامي بأن عصابات الإرهاب والتكفير تهيمن على التمرد المسلح الذي غذاه حلف العدوان ودعمه بالمال والسلاح بقيادة الولايات المتحدة منذ البداية ومع الاعتراف بالحجم المتضخم لخليط الإرهابيين الأجانب الذين حشدوا إلى سوريا وما يمثله من تهديد لأمن المنطقة والعالم وهذه المسألة كانت محور حملة إعلامية عالمية ناجحة قادها الرئيس بشار الأسد شخصيا في الفترة الأخيرة وانعسكت داخل الولايات المتحدة وأوروبا برفض غالبية الرأي العام للعدوان على سوريا حسب الاستطلاعات التي أجرتها مؤسسات دولية كبرى وموثوقة آخرها استطلاع إيبسوس – رويترز.
ثالثا تنظر القيادة السورية بثقة إلى فرص تقدم عمليات الجيش العربي السوري انطلاقا من صلابة هذه المؤسسة الوطنية وتماسكها الذي برهنت عليه التطورات واستنادا إلى ركيزة حاسمة هي تلاشي الحاضن الشعبي للتمرد والإرهاب وهذا ما يمثل خلاصة واقعية للتحول الذي طرأ على مواقف وخيارات السكان في المناطق السورية التي احتضنت التمرد المسلح في بداياته وتكثر الوقائع والمعلومات في جعبة المسؤولين السوريين عن حالة الانفضاض الشعبي من حول عصابات الإرهاب والتمرد وعن ظواهركثيرة من عودة العسكريين الفارين واستشهاد بعضهم في صفوف الجيش العربي السوري خلال المعارك الأخيرة وعن إلقاء آلاف السوريين للسلاح تحت ضغط عائلاتهم وقراهم كما سجلت الدايلي تلغراف في تحقيقها الشهير حول تفكك الحاضنة الشعبية للمسلحين وتتزايد التقارير الإعلامية والميدانية عن تحول مواز في مواقف النازحين الذين يعتصر معظمهم الندم على ترك بلادهم وهذا ما تفسره عودة 93 ألف نازح من لبنان و100 ألف نازح من الأردن خلال الشهرين الماضيين بينما تقدم الدولة الوطنية السورية كل ما يلزم لإيواء النازحين داخل البلاد وتصرف لهم إعانات مالية وعينية بانتظام وقد أنفقت المليارات على هذه العملية التي تحظى بأولوية كبيرة لدى الدولة التي استطاعت بصورة تثير الإعجاب والاحترام تأمين استمرار دفع رواتب موظفيها ووصول المواد التموينية المدعومة إلى الناس في جميع انحاء سوريا وانتظام العمل في القطاع العام ومؤسساته الإنتاجية التي تمثل القاعدة الاقتصادية الصلبة للصمود ناهيك عن انتظام الدراسة والامتحانات الرسمية لأكثر من اربعة ملايين طالب في جميع المراحل الدراسية رغم كل ما يجري وإن كان من عنوان للمزاج الشعبي السوري فهو العودة إلى الدولة .
رابعا بكل واقعية تتطلع القيادة السورية لمستقبل الصراع وللزمن الضروري الذي يتطلبه النجاح في استعادة الجيش للسيطرة على المناطق السورية التي تتواجد فيها عصابات التكفير الإرهابية ويرفض المسؤولون السوريون تحديد المواعيد فظروف القتال وخصائص الميدان هي التي تتحكم بالآجال المتوجبة لتحقيق الإنجازات المنشودة وهذا الأمر في عهدة القيادة العسكرية وهو يتحقق من خلال البناء على الموقف الشعبي الداعم للجيش العربي السوري في استثمار متشعب لفرص تفكيك العصابات وتحقيق التغييرات الميدانية بتضافر جهود الجيش والشعب سواء من خلال حملة إخراج المتورطين السوريين من صفوف العصابات او عبر تشكل المزيد من وحدات القتال الشعبية المشاركة في المعارك من خلال قوات الدفاع الوطني أو بفتح أبواب التواصل من العسكريين الفارين في صفوف ما سمي بالجيش الحر.
تبرز اهمية المعادلات الجديدة واحتمالات نجاح المسعى الروسي الإيراني لإلزام الدول المتورطة في العدوان بتدابير تجفيف موارد الدعم المالي والعسكري بما سيمثله ذلك من انعكاس حاسم على توازن القوى وحيث سوف يسرع ذلك زمنيا في فرص تقدم الجيش وانتصار الدولة الوطنية وقد برهن على هذه الحقيقة ما ولده اضطرار حكومة ادروغان لإغلاق بعض المعابر الحدودية وصولا إلى بناء الجدران بعد تعاظم الارتدادات على الأمن التركي حيث علا بعد ذلك صراخ الجماعات الإرهابية في ريف حلب من نقص السلاح والذخائر.
تتكامل في مشهد الصمود السوري عناصر القدرة السياسية العالية للقيادة والقوة القتالية للجيش ومستوى تطور الوعي الشعبي لتقيم توازن الثقة الواقعية بتحقيق النصر والنهوض بسوريا بينما باشرت الدولة الوطنية إعداد الخطط الهندسية والبرامج الاقتصادية والإعمارية لتكون سوريا المنتصرة أجمل مما كانت كما وعد الرئيس بشار الأسد.