واشنطن للرياض: هدئوا مِن روعكم!
موقع العهد الإخباري ـ
حمززة الخنسا:
صبّ جون كيري، بعضاً من الماء البارد على النيران المشتعلة في نفوس أركان العائلة الحاكمة في السعودية. حاول وزير الخارجية الأميركية أثناء زياته الأخيرة الى الرياض،
طمأنة الملك والأمراء الغارقين في التوتّر منذ تسليمهم بأن الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية أصبح أمراً واقعاً. أتت محاولات كيري على شكل تصريحات، بالغ فيها بإظهار الودّ والشقّ المشرق من العلاقة الاستراتيجية بين مملكة آل سعود وبلاد العمّ سام.
كان السعوديون بحاجة ماسّة الى لفتة أميركية تعيد إليهم الثقة المستقاة من كونهم يدّ أميركا الطولى في المنطقة. فعل ذلك جون كيري عندما أعلن أن “علاقات الرياض وواشنطن في أقوى حالاتها”، وقال على مسامع نظيره السعودي عادل الجبير إن “علاقة الصداقة بين السعودية والولايات المتحدة لم تتأثر بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، بل إن التعاون والصداقة تعمقا أكثر في المجالات كافة”. راعى كيري الحساسية السعودية المفرطة جرّاء ما تتعرّض له في اليمن، فقال إن بلاده تقف مع السعودية “أمام التهديد الذي يشكِّله تمرد الحوثيين في اليمن.. نواجه التمدد الحوثي في اليمن وتهديد القاعدة”. أما فيما يتعلّق بسوريا، فقد عَمد رئيس الدبلوماسية الأميركية الى إسماع السعوديين ما يُطرب آذانهم: الرئيس السوري بشّار “الأسد هو المغناطيس الذي جلب الإرهاب إلى سوريا”.
هذا ما قاله الضيف الأميركي أمام الكاميرات في الرياض. في الصالونات المغلقة، يُدرك السعوديون أن كلام كيري يتطلب أفعالًا ليصبح قابلاً للصرف. يدركون أن الطمأنينة لن تجد طريقها الى قصورهم، طالما أن أكبر الشركات الأميركية والأوروبية تتسابق للوصول أولاً الى طهران، فيما يعمل الإيرانيون بجدّ على تعزيز خطوطهم الأمامية من اليمن الى سوريا مروراً بالعراق.
وراء الكواليس، لم يكن ممثل الإدارة الأميركية بذلك الودّ الظاهر عبر الشاشات. تقول المعلومات إن كيري أخذ على السعوديين تصرّفاتهم التي تنم عن الكثير من التوتر والإرباك. نصح كيري مَن التقاهم في السعودية (الملك ونجله وولي عهده) بعدم الذهاب بعيداً في المواجهة مع إيران. وفقاً للمعلومات المتوفّرة، فإن السعوديين تلقوا نصيحة أميركية بالتواصل مع الإيرانيين وإعادة وصل العلاقات وفتح السفارات، على أن يكون “إخراج” النزول عن الشجرة بالطريقة التي تحفظ ماء وجه السعودية.
لم تقتصر “النصائح” الأميركية على علاقة السعودية مع إيران. تقول المعلومات إن الأميركيين أبلغوا السعوديين عبر كيري، بضرورة المساعدة على إرساء أجواء التهدئة السياسية في المنطقة. ترجمة التهدئة السياسية التي طلبها كيري من الرياض، جاءت سريعة. ففي اليوم التالي لزيارة السعودية، أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أن مفاوضات جنيف 3 حول سوريا ستنطلق الجمعة 29 كانون الثاني الجاري، وستستمر لـ6 أشهر. الأبرز مِن دعوة دي ميستورا، كان رضوخ السعودية لأمر واقع جديد يتمثل بوجود وفد معارضة ثانٍ يضم عددا من المعارضين البارزين الذين لا يسبحون في الفلك السعودي. وفد جديد، قد يتفرّع منه وفد جديد أو أكثر، كسَرَ احتكار وفد الرياض لتمثيل المعارضة السورية، رغم تهديد السعودية بسحب وفدها إن وُجد شريك له في مواجهة وفد الدولة السورية سياسياً في العاصمة السويسرية. ورغم الاستنجاد السعودي بفرنسا التي أعلنت أمس أن وفد الرياض هو الذي يجب أن يقود المفاوضات!… أن يقود ممكن، أما أن يحتكر، فلا.
في أصل نصيحة واشنطن للرياض بالتهدئة السياسية، يكمن هاجس الميدان. الأميركيون يعون حقيقة تفوّق معسكر إيران وحلفائها في الميدان السوري واليمني، وبالتالي لا يمكن ضمان نتائج أية معارك سياسية قائمة على قاعدة الخسارة في الميدان. مثلاً: هل كان سمير جعجع ليخرج عن الطوع السعودي في لبنان فيما لو كان الحلف العسكري الذي تقوده السعودية من اليمن الى سوريا يحقق الانتصار تلو الآخر؟ في المقابل، لم تُشِر المعلومات الى أن النصيحة الأميركية بالتهدئة شملت الشق العسكري من الأمر. وعليه، من المتوقع أن “تُنفّس” السعودية غضبها في الميدان، خصوصاً في اليمن حيث تنام على هزيمة وتصحو على أخرى.
على أية حال، ودّع السعوديون ضيفهم الأميركي الذي حلّ ثقيلاً. وبعكس الاحتفالات الإعلامية التي تقودها العربية وأخواتها من وسائل الإعلام المموّلة من النفط، زاد القلق في نفوس الملك والأمراء. ما يبرّر تزايد القلق السعودي، ليس فقط الشعور بأن قطار المعارك العسكرية والسياسية في المنطقة قد بدأ يفوت السعوديين.
ما يبرّر قلق السعودية هو أمر أكثر عمقاً. فللمرة الأولى منذ تأسيس المملكة العائلية السعودية، يجلس مستشارو القصور الملكية والأميرية لساعات طويلة وهم يتابعون الصحف ومحطّات التلفزة الأميركية والأوروبية. لا يصدّق آل السعود تقارير مستشاريهم، التي تنبّه من أن صحافيين وإعلاميين وكتّاب غربيين وأميركيين على وجه الخصوص، يتناولون في صحفهم وعلى شاشاتهم ومواقعهم الإلكترونية، فساد العائلة السعودية الحاكمة وتجاوزات أعضائها الأخلاقية والإنسانية. ويُدهشون لمشاهدتهم جلسة علنية عبر الإعلام، يخصّصها مجلس الشيوخ الأميركي لسماع رأي المسؤوليين الأميركيين حول خطر الفكر الوهّابي على العالم.