هونغ كونغ: تصعيد في المواقف قد يوصل إلى الصدام
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
عدة مؤشرات بدأت بالظهور، معبّرة عن تصاعد الضيق الرسمي والشعبي في هونغ كونغ من الاضطرابات التي تشهدها المدينة ذات الوضع الخاص، ما يوحي بوجود توجه للعمل على الحد من التحركات التي تنظمها حركة “احتلال الوسط”، والتي شلّت الحياة العادية على أكثر من صعيد.
في البداية لا بد من رصد الموقف الصيني الرسمي، وهو موقف متشدد بلا شك، يرفض أهم مطلب يقدمه المحتجون في شوارع هونغ كونغ، وهو إجراء “انتخابات ديموقراطية بشكل كامل”، أي انتخابات على النمط الغربي من أجل اختيار رئيس السلطة التنفيذية للمدينة في الانتخابات المقرر إجراؤها عام 2017، وكذلك المطلب المستجد الهادف إلى دفع رئيس السلطة التنفيذية الحالي ليونغ تشون- ينغ إلى الاستقالة.
ليونغ تشون- ينغ أكد أنه باق في منصبه، محذرا الطلاب الذين يتظاهرون للمطالبة باستقالته من أن حركتهم المعارضة خرجت عن نطاق السيطرة.
وحذر ليونغ الأحد، في مقابلة مع محطة محلية، من عدم وجود أي فرصة لأن يغير زعماء الصين القرار الذي اتخذوه في آب/ أغسطس والذي عدّه المتظاهرون أنه يحد من الديمقراطية في هونع كونغ.
والقرار الذي يقصده الزعيم المحلي هو “تصفية المرشحين” إلى رئاسة السلطة التنفيذية من قبل السلطة المركزية في بكين، قبل انتخابهم بشكل ديموقراطي من قبل مواطني هونغ كونغ، بما يضمن دخول “المرشحين الوطنيين” فقط في المنافسة.
وفي خطوة تصعيدية أخرى اتجهت سلطات هونغ كونغ إلى البحث عن اليد الخارجية التي تلعب بالوضع في داخل المنطقة المستقلة ذاتياً، حيث أجازت لجنة تابعة للمجلس التشريعي لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة اقتراحاً حول إجراء تحقيق فيما يتعلق بالجهة التي تقف وراء حركة “احتلال الوسط”.
والاقتراح الذي ستتم مناقشته في الجمعية العامة في التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، لا يزال يحتاج إلى موافقة من قبل اللجان الأخرى التابعة للمجلس التشريعي في هونغ كونغ. وقال الكثيرون من أعضاء اللجنة إن قدرة التنظيم والتعبئة لحركة “احتلال الوسط” تفوق الخيال، وهم يعتقدون أن المجلس التشريعي لديه مسؤولية إنشاء لجنة خاصة لتحديد هوية الجهة التي تنظم وتوفر الأموال للمحتجين.
تداعيات الأزمة
ويبدو أن الاتهام الموجه إلى دول خارجية بأنها تدعم حركة التظاهر في شوارع هونغ كونغ، والذي دفع إلى البحث رسمياً عن الجهات المموّلة لحركة التظاهر، يجعل من الأزمة أكثر حماوة، لأنه يضع “الصين ـ المركز” في مواجهة دول كبرى كالولايات المتحدة التي تسخّر وسائل إعلامها لتضخيم كل حركة وسكنة تشهدها شوارع المدينة الصينية، ويُدخل أزمة هونغ كونغ في سياق القضايا العديدة التي تؤزم العلاقات الإشكالية التي تجعل بكين وواشنطن في حالة تواصل اقتصادية لا انفكاك لها من جهة، وفي حالة صدام سياسي واستراتيجي يستدعي إلى الخيال صورة الحروب الباردة التي شهدها العالم خلال العقود الماضية، من جهة أخرى.
في ظل هذا الغطاء السياسي الحازم انطلقت السلطات المحلية في هونغ كونغ في خطوات إزالة العقبات التي وضعها المتظاهرون الذين يطالبون بتغيير نظام اختيار الحاكم في العديد من شوارع هونغ كونغ، وفي حين تمت هذه العملية بسلاسة وفي ظل مراقبة المتظاهرين في بعض المناطق، فإنها شهدت صدامات بين رجال الشرطة والمتظاهرين في أكثر من شارع من شوارع المدينة.
الصدامات لم تقتصر على تلك التي دارت بين المتظاهرين والشرطة، وإنما تعدّتها إلى صدامات أخرى بين متظاهري التغيير، ومتظاهرين مؤيدين للحكومة وللوضع السياسي الحالي. وقد عبّر هؤلاء المتظاهرون عن رفضهم لسياسة إقفال المدينة التي يعتمدها “دعاة الديموقراطية الكاملة” كما يصطلح الإعلام الغربي على تسميتهم.
هذا التوتر المتصاعد على أكثر من جبهة في المدينة الصينية التي تتميز بنظامها الاقتصادي الحر، وبتاريخها الخاضع للاستعمار البريطاني حتى العام 1997، يدل على وصول الأمور إلى درجة من التعقيد قد تقود إلى تفجير واسع، في حال تمت تغذية هذا الوضع من قوى خارجية، بما يدفع القوى الموجودة في الشارع إلى التصلب والإصرار على المطالب العالية السقف، في حين تشدد السلطات المحلية، مدعومة من المركز الصيني، على تشديد قبضتها السياسية والأمنية.
وبين هذا وذاك، يبقى أن الأكثر ترجيحاً هو تراجع حركة الاحتجاج، أو اقتصارها على البقاء تحت سقف منخفض التوتر، كي لا تصبح شوارع هونغ كونغ ساحة حسم حقيقي، تضع فيه الصين كل ثقلها، حفاظاً على شعارها الذي لا تتخلى عنه بأي حال من الأحوال، في توصيفها للعلاقة القائمة بين بكين وهونغ كونغ، وهي “البلد الواحد بنظامين”.