هل يمكن للمحور الروسي ـ الصيني ان ينجح في تفليس اميركا؟
المحور الروسي ـ الصيني والحرب الباردة في المحيط الهادئ والقطب الشمالي
هل يمكن للمحور الروسي ـ الصيني ان ينجح في تفليس اميركا؟ هذا السؤال يبرز اكثر فأكثر على الساحة العالمية، نظرا للازمة المالية المتذبذبة والطويلة في اميركا، ونظرا لان روسيا والصين قد تعلمتا من نتائج الحرب الباردة سابقا، كيف نجحت اميركا في التغلب على الاتحاد السوفياتي السابق، عن طريق تفليسه، خصوصا في سباق التسلح.
ويتفق عضو مجلس الدولة الصيني يان جيتشي، وسكرتير مجلس الامن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، ان عام 2013 كان عاما “مثمراً” للعلاقات الصينية ـ الروسية. ومقابل ذلك، فإن علاقات البلدين بالغرب قد اصبحت اكثر توترا في سنة 2013 المنصرمة، وتشير كل الدلائل الى ان الوضعية في سنة 2014 ستتجه فقط نحو المزيد من السوء.
وفي السنوات الاخيرة يجري الحديث كثيرا في الصحافة الغربية بالاخص، عن ان الحربين الشديدتين في افغانستان والعراق قد قصقصتا اجنحة الولايات المتحدة الاميركية وأعطتا فرصة اكبر لتقدم الصين. ففي هذا الوقت نما الاقتصاد الصيني بشكل مرموق، كما ان الوضع المستقر من وجهة نظر الامن القومي للصين، رسّخ دورها كزعيم آسيوي. وفي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة الاميركية تحاول الخروج من هاتين الحربين، اللتين لم يكن من الممكن الفوز فيهما، وتنفق على ذلك مليارات الدولارات، كانت الصين تجني ثمار “النهضة السلمية”، وتطور اقتصادها، وتحل خلافاتها الاقليمية المزمنة مع جيرانها، وتوطد علاقاتها مع البلدان الاضعف في المنطقة، وتعزل تايوان بوصفها مصدرا محتملا للنزاع المسلح.
وبالتالي، حينما بدأت الصين عرض عضلاتها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، لم توقفها السياسة الاميركية لـ”التحول نحو آسيا” و”اقامة التوازن”. وكان من الواضح ان تشديد اهتمام واشنطن من جديد بالمنطقة لا يعني ـ على الاقل في المدى المتوسط ـ الاستعداد لانفاق ما يكفي من الاموال والموارد، من اجل موازنة نفوذ الصين بشكل جدي. والخبراء الصينيون وغالبية الخبراء الاميركيون في الشؤون العسكرية يعتبرون ان تغيير النهج الاميركي هو اقرب لان يكون تمنيات طيبة وافكارا اكاديمية، اكثر مما هو استراتيجية فعلية ـ وبالاخص استراتيجية سيتم في اقرب وقت وضعها موضع التطبيق. ولهذا فإن بكين لا تحمل على محمل الجد التهديدات بتغيير الوضع القائم (الستاتيكو) في المنطقة ـ وتبدى ذلك في اعلانها في 23 تشرين الثاني الماضي عن توسيع مداها للدفاع الجوي في بحر الصين الشرقي. وفي هذا الصدد من المنطقي جدا الافتراض، انه اذا كانت الولايات المتحدة الاميركية قد بدأت فعلا توجيه سياستها في الوجهة الاسيوية، فربما ادى ذلك الى ردع الصين، التي من الواضح انها لا تسعى الان الى الحرب، عن طريق مثل هذه الخطوات.
ولكن بالاضافة الى ذلك فإن روسيا والصين يمكنهما العمل معا ـ حتى لو كانت واشنطن جادة في التوجه نحو اسيا ـ لجعلها تبعثر قواها عبثا، وتعمل بدون فعالية. ولهذه الغاية هما تحتاجان فقط الى توسيع دائرة المشكلات، التي ينبغي للولايات المتحدة الاميركية حلها في الاطار الامني، ما سيرهق اكثر واكثر الميزانية المحدودة للقوات المسلحة الاميركية. ومنذ بضع سنوات فإن الباحث بوبو لو (Bobo Lo) من مؤسسة Chatham House وصف التعاون بين روسيا والصين بأنه “المحور المريح”. وقد مضت خمس سنوات منذ ان نشر بوبو لو كتابه بهذا العنوان. وخلال هذه المدة اصبحت العلاقات بين البلدين مريحة اكثر لكليهما.
وتشير الدلائل الى ان موسكو وبكين قد سوّيتا ـ على الاقل مؤقتا ـ خلافاتهما الاقليمية، وهما الان تتعاونان على المستوى الاستراتيجي بهدف اجبار الولايات المتحدة الاميركية على الخروج نهائيا من اسيا. والان يعار اهتمام كبير للاستراتيجيا الصينية لمنع الوصول الى مناطق محددة، ومن المكونات الرئيسية لهذه الاستراتيجيا الصاروخ الباليستي المضاد للسفن من طراز DF-21D، وكذلك مناطق المدى الجوي الجديد التي حددتها الصين كمدى دفاعي لها. وبالاضافة الى ذلك تسعى موسكو الى منع الولايات المتحدة الاميركية من الوصول الى المحيط الروسي، وهو قليلا ما يجري الحديث عنه. ونذكر هنا انه بعد اسبوعين من اعلان بكين منطقة المدى الجوي الجديد، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتمع مع ابرز القادة العسكريين الروس واكد لهم انه ينبغي لروسيا ان تعزز حضورها في القطب المتجمد الشمالي الغني بالموارد. وفي الشهر نفسه، وقبل نحو اسبوع من مفاجأة الصين للعالم بالاعلان عن مداها الدفاعي الجوي الجديد، اعلن الاسطول الحربي الروسي ان القطب المتجمد الشمالي سيمثل اولوية بالنسبة له في السنة 2014.
وكتبت مجلة The Diplomat الانكليزية خلال الشهر الماضي ان روسيا توجه الان الى هذا الاقليم وحدات الدفاع الجوي والوحدات المضادة للسفن، وكذلك فرق الحرب الالكترونية، وتقوم بانشاء منظومة كاملة من رادارات الانذار المبكر، في اقليم فوركوتا في اقصى الشمال.
ان الحضور الروسي المتزايد في القطب المتجمد الشمالي، الذي تحول الى اقليم استراتيجي هام، سيؤدي بالتأكيد الى رد فعل مواز من قبل اميركا (التي اعطت اشارات واضحة الى انها هي ايضا تخطط لتوسيع حضورها في الشمال). ولكن مثل هذا “الشروع في اقامة التوازن في القطب الشمالي” سوف يزيد اعباء ميزانية الدفاع الاميركية ويسحب الموارد من استراتيجيا “التوجه نحو اسيا”.
كما انه في 16 كانون الاول الماضي، اكد القادة العسكريون الروس انهم قد نشروا في منطقة كاليننغراد المعزولة على بحر البلطيق، على الحدود مع الدول الاعضاء في حلف الناتو بولونيا، استونيا، ليتوانيا ولاتفيا، الصواريخ التكتيكية “اسكندر ـ M” ذات المدى 400 كلم، والقادرة على حمل الرؤوس النووية. وقد علم، طبقا لمعلومات الاقمار الاصطناعية، انه يوجد في كاليننغراد 10 صواريخ “اسكندر”. ومع ان الرئيس بوتين نفى في 19 كانون الاول وجود الصواريخ في كاليننغراد، فإن روسيا اعطت اشارات يفهم منها بوضوح انها ستعزز نشاطها في منطقتها الدفاعية الغربية، التي تشمل بالاضافة الى كاليننغراد، قسما مرموقا من الاراضي الاوروبية لروسيا.
وفي هذه الاثناء فإن خبراء كثيرين يصرحون بشكوكهم بأن واشنطن يمكن ان ترفع بشكل جدي ميزانيتها الدفاعية دون ان تفلس. وهناك احتمال ضئيل جدا ان تستطيع اميركا ان تواجه مساعي الصين في شرقي اسيا وجنوب شرقي اسيا، حيث توجد اشاعات ان الصين تخطط لاعلان منطقة دفاع جوي ثانية، وفي الوقت ذاته ان تواجه تزايد الوجود الروسي في القطب الشمالي وعلى حدود بلدان البلطيق. فإما ان تعمل اميركا لتركيز جهودها في احد الاتجاهات، واما ان تعمل في الوقت ذاته في كل الاتجاهات ـ ولكن بامكانيات غير كافية بشكل واضح. واذا رأت واشنطن انه من الضروري اتباع الخيار الثاني، فإن روسيا والصين اما ستواجهان خصما ضعيفا غير قادر على تركيز قواه، واما ستجبران اميركا على تحمل تكاليف باهظة وتنهكانها. وربما سيساعد اميركا اذا قررت اليابان ودول حلف الناتو ان ترفع بشكل جدي ميزانياتها الحربية. ولكن هذا هو احتمال ضئيل جدا. وبالاضافة الى ذلك، هناك شكوك في ان اليابانيين سيوافقون على تعديل دستورهم، وهو شرط ضروري لتقاسم عبء النفقات العسكرية مع اميركا.
وهناك سؤال يطرح بحدة: هل تملك اميركا الحق بالحضور في مناطق تعتبرها روسيا والصين ضمن اطار مناطق نفوذهما؟ ومع ذلك فإن قدرة اميركا متزايدة الضعف على حل مشكلات مرتبطة بـ”نهضة” الصين، هي موضع شك. والان فهي تصطدم بتحديات طويلة المدى من قبل المحور الروسي ـ الصيني. ولكي تستطيع اميركا مواجهة هذه التحديات عليها القيام بسلسلة من “التحولات”. وانه سيكون من الصعب الجزم فيما اذا كان الاقتصاد الروسي يتحمل تكاليف مستوى شديد من التسلح، لاجبار اميركا على تبديل استراتيجيتها. ولكن نظرا لطبيعة نظامها السياسي واقتصادها العام، فإن روسيا هي اقل تأثرا من واشنطن بنمو معارضة النفقات الدفاعية.
لقد تعلمت روسيا والصين من دروس الحرب الباردة، وادركتا كيف ان اميركا نجحت في النهاية في الانتصار على الاتحاد السوفياتي عن طريق تفليسه. وبعد مرور عقدين من الزمن، يبدو ان موسكو وبكين قررتا الرد على اميركا بالوسيلة ذاتها.
موقع العهد الإخباري – صوفيا ـ جورج حداد