هل يقبل المسيحيون ترشيح “حبيب الشرتوني”؟
حبيب الشرتوني لبناني ماروني منذ أكثر من عشر سنوات، مقاوم من المقاومة الوطنية اللبنانية، اعترف باغتيال بشير الجميّل بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، بدوافع سياسية وفق عقيدته الحزبية والوطنية التي تعتبر الجميّل مذنباً بالمعطى الوطني، لتحالفه مع ما يخالف الدستور اللبناني الذي يعتبر “إسرائيل” عدواً للبنان.
سمير جعجع لبناني ماروني منذ أكثر من عشر سنوات، “مقاوم” من القوات اللبنانية، أُدين بتهمة قتل الرئيس رشيد كرامي؛ رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، وفق عقيدته الحزبية التي تعتبر الرئيس كرامي عدواً له، وعقبة أمام مشاريعه التقسيمية، وقد حاز جعجع على عفو عام من المجلس النيابي تحت شعار “طي صفحة الحرب الأهلية والمصالحة الوطنية”، ما أفسح له المجال للترشح لرئاسة الجمهورية.
يسأل البعض: لماذا لم يتمّ العفو عن حبيب الشرتوني بالشعار نفسه الذي أُطلق للعفو عن سمير جعجع؟ هل لأن حزبه وحلفاءه لم يطرحوا المقايضة والشمولية، واقتصرت المقايضة على العفو عن متّهمي أحداث الضنية ومجدل عنجر، وبقي الشرتوني يتيماً؟ مع أن ما قام به هو فعل سياسي انخرط فيه كل اللبنانيين بين العاميْن 1975 و1990؛ تاريخ توقيع اتفاق الطائف.
وإذا كان مسموحاً لغيره الترشح للرئاسة، ألا يحق له الترشح أيضاً؟ وإذا كان ذلك يستفز عائلة الجميّل وأنصارهم ومؤيّديهم، ألا يستفز ترشيح جعجع عائلة كرامي وأنصارهم ومؤيديهم وعوائل كل الذين اتُّهم جعجع بقتلهم، ودانته المحكمة وأثبت العفو العام الجُرم وألغى العقوبات المترتبة؟ وكأن الفعل لم يكن أصلاً بالقانون، لكنه عند الله سبحانه وعند الناس ما زال قائماً، لأن أولياء الدم لم يتنازلوا ولم يسامحوا الفاعل.
إذا وافق “المستقبل” بزعامة الحريري على ترشيح جعجع، وانتخبه مع علمه بأفعاله، فكيف سيبرر متابعة الادعاء ضد المتهمين بقتل والده الرئيس رفيق الحريري؟ فمن يقبل بدعم المُدان بقتل رئيس الحكومة الأسبق كرامي يكون قد شرّع باب القتل للآخرين من منظور سياسي.
مَن سيمنع العميل أنطوان لحد من الترشح للرئاسة وهو الذي بقي يقبض رواتبه مع جنوده حتى العام 1990، والبعض يقول حتى العام 1996؛ حين ألغاها وزير الدفاع محسن دلول؟
صحيح أن الحروب الأهلية تنتهي بتسويات ومصالحات، وبالتسامح والعفو، لكن شرط أن يتراجع المذنبون عن أخطائهم ويتعظوا ويتّعهدوا بعدم العودة لذنوبهم وتحالفاتهم التي تبشّر بحرب أهلية جديدة، وتهدّد وطنهم وأهلهم، وتخالف الدستور، مع أن الحرب القديمة لم تنتهِ بعد، فالمهجّرون ما زالوا خارج قراهم، والمفقودون لم يعودوا، والشهداء لم ينصَفوا بعد، والاقتصاد لم يتعافَ بعد.. فمن يضمن ألا ينتفض أصحاب الحقوق المسلوبة للثأر ممّن ظلمهم؟
رئاسة الجمهورية رمز وطني يمثل الوطن ورأس القيم الوطنية، فهل يمكن الاستهتار بها؟ وهل يمكن حماية العدالة والسلم من قبَل المُدان من القضاء، والعابث بالأمن في كل الاتجاهات؟
ماذا سنقول للأسرى والشهداء والمفقودين والأيتام والأرامل والأحياء إذا رأوا أنطوان لحد في قصر بعبدا؟
هل ستنتخبون من يدعو لنزع سلاح الدفاع عن لبنان، ويبرّئ العدو “الإسرائيلي” من الاعتداءات، ويرفع شعار “فليحكم التكفيريون”، ونفى احتلال معلولا وكنائسها؟
ماذا سنقول لشيخ الشهداء راغب حرب والسيد عباس الموسوي ومحمد سعد وسناء محيدلي وسهى بشارة ولولا عبود: هل أنتم إرهابيون أم مقاومون؟ وهل سيلغي الرئيس الجديد عيد المقاومة والتحرير ويعيد اتفاق 17 أيار؟ هل ستُطلقون الجواسيس المسجونين مادامت العمالة وجهة نظر ونهجاً سياسياً، وبما أنهم موزعون طائفياً وفق “الـ6 و6 مكرر”، فليترشحوا للرئاسات الثلاث والحكومة والمجلس النيابي، مادام العهد القادم برنامجه نزع سلاح المقاومة والتحالف مع العدو “الإسرائيلي”.
الاستراتيجية الدفاعية تبدأ بحماية ظهر المقاومة في الداخل، وألا تُطعن من الظهر، وإلغاء ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة أولى علامات العهد الجديد، وترشّح السيد جعجع علامة ثانية، ومطاردة المقاوم الشرتوني علامة ثالثة، فهل سنصل إلى الدليل الثابت لهزيمة المقاومة بانتخاب رئيس وُلد من ثقافة التحالف مع “إسرائيل”؟ ولماذا لا تبادر قوى المقاومة لطلب العفو عن المقاوم الشرتوني، مادام البعض يطالب بالعفو عن العملاء الفارّين إلى “إسرائيل”؟
هل تقبل قوى المقاومة بالعدالة العرجاء والعين الواحدة وترضى بعدالة “قراقوش” الذي حكم على أحد جنوده الذي أجهض زوجة أحد الفلاحين بأن يغتصبها ويعيدها لزوجها حاملاً كما كانت!
لا تقتلوا الشهداء ثانية، ولا ترجموا النساء اللواتي اغتصبهنّ المجرم.. قاوموا لكي تبقى العدالة وثقافة المقاومة.
د. نسيب حطيط – الثبات