هل يفسد موقف# أردوغان من #الأسد زيارته لـ #روسيا؟
استبق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارته إلى روسيا بتصريحات مثيرة للالتباس بشأن الأزمة السورية ومصير الرئيس السوري بشار الأسد.
وإذا كانت موسكو تتفادى الإدلاء بأي تصريحات خلافية، وبالذات في ما يتعلق بمسارات وتطورات الأزمة السورية، وتركز على إعادة ترميم العلاقات مع أنقرة بعد الفتور “الساخن” الذي أصابها، فقد فضَّل الرئيس التركي إرسال رسائل مبكرة لا إلى موسكو فقط، بل وإلى حلفائه في دول الخليج، وأعدائه في واشنطن وبروكسل.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استبق زيارته إلى موسكو بتصريحات مهمة من باريس، حيث دعا إلى رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة، متهماً إياه بقتل مئات الآلاف من السوريين. وقال أردوغان، في مقابلة مع صحيفة “لو موند” الفرنسية، إن “بشار الأسد هو المسؤول عن مقتل 600 ألف مواطن سوري لذلك يجب ألّا يتم دعمه لكن وللأسف البعض ما زال يقف بجانبه ويدعمه”. وأضاف “إذا كنا فعلا نؤمن بالديمقراطية يجب علينا ألّا ندعم بشار الأسد بل أن نجد حلولا أخرى. البعض يقول بأن رحيل الأسد سيترك الساحة خاليةً لداعش، وهذا غير صحيح بتاتا”.
لا يزال الرئيس التركي في بؤرة اهتمام الغرب وفي مرمى نيرانه. ومع ذلك فهو لا يفسد العلاقات حتى النهاية لا مع واشنطن ولا مع بروكسل. أما عودة العلاقات مع روسيا، ومجيئه إلى سانت بطرسبورج للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، فهو يحتمل أكثر من تأويل. فالمراقبون يرون أن أردوغان لا يزال يواصل مناوراته بعد أن أصبح في مصيدة حقيقية داخليا وخارجيا، بصرف النظر عن استعراضه شعبيته في الشوارع والميادين، وبصرف النظر أيضا عن لغته المزدوجة إزاء أوروبا والولايات المتحدة.
الرئيس التركي انتقد ردود أفعال الدول الغربية تجاه محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها، معتبراً أن الأوروبيين والأمريكيين لم يتضامنوا مع أنقرة بالصورة المطلوبة. واعتبر أن “الغرب يتناقض مع المبادئ التي يدافع عنها.. يجب على العالم الغربي أن يتضامن مع تركيا التي تدافع عن مبادئها الديمقراطية ولكن للأسف لقد تخلي عن الشعب التركي.. أقول للدول الغربية ألّا تقلق تجاه عدد الأشخاص الذي يتم توقيفهم أو فصلهم في تركيا فهذا شأننا الخاص”..
إن روسيا تستقبل أردوغان على أرضية برغماتية جديدة، وتركز على التعاون في مجالات مثل الاقتصاد والطاقة والأمن، والتنسيق الجوي بشأن عدم وقوع أحداث في المجال الجوي في سوريا وحولها. ولكن أردوغان مصمم على إرسال رسائل متنوعة إلى الحلفاء والخصوم والأصدقاء. ما يثير بعض المخاوف من إمكانية تعطيل ترميم العلاقات مع روسيا، أو في أحسن الأحوال فرملتها وإثارة البرودة في أوصالها. لقد اعتبر الرئيس التركي في وقت سابق أن مشاركة روسيا مهمة جدا في حل الأزمة السورية ولا يمكن تسويتها بدون جهود موسكو، وأن زيارته إلى روسيا ستكون تاريخية، وبداية جديدة للعلاقات بين البلدين. وهو ما فسره المراقبون بطرق مختلفة، نظرا لأن تصرحات أردوغات تحتمل أكثر من تفسير. فالبعض لا يزال يرى أن الرئيس التركي يحمِّل روسيا جزءا كبيرا من ما يجري في سوريا، وبالتالي يدعوها للتعاون.
لا أحد يعرف على ماذا، وعلى مَن، يعوِّل أردوغان في محنته هذه، وهو الذي يعرف جيدا أن الغرب عموما، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، قد قرر مصيره، وأن المسألة مسألة وقت لا أكثر. ومع ذلك فلا توجد أي مؤشرات على إمكانية تغيير أردوغان موقفه من الأزمة السورية.
من الواضح أن التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة وتبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية بين أنقرة وموسكو سيجد مساحة واسعة وإيجابية في لقاء الرئيسين الروسي والتركي في سانت بطرسبورج. ولكن تنفيذ مثل هذه الأمور يرتبط أيضا بجملة من الأوراق والإجراءات السياسية والعسكرية، والتنسيق في مجالات أخرى بحاجة إلى مواقف مرنة وبرغماتية، بعيدا عن التصلب والعصبية وخلط الأوراق، وامتلاك الحقيقة، وإعطاء انطباع للعالم بأن ديمقراطيتي هي الأفضل، وديمقراطيتكم ليست ديمقراطية.
إن رسالة أردوغان بشأن مصير الأسد قبيل لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحتمل أكثر من وجه وأكثر من معنى. وفي أحسن الأحوال قد تكون مناورة من جانب الرئيس التركي تفاديا لخسائر غير محسوبة قد تضر بمستقبله السياسي، وتلعب دورا معجِّلا في إنهائه.