هل تُمهدّ مُناورة «جنيفر كوبرا» لحرب حاسمة ضدّ حزب الله وحركتي «حماس» «والجهاد»؟
يعتبر الكثير من المحللين العسكريين الاميركيين والاسرائيليين ان المناورات الاخيرة في ظل سياسة التقشف العسكري المتبعة هذه الايام في كل من اسرائيل واميركا وعصر النفقات العسكرية، تحمل اكثر من معنى ورسالة في اكثر من اتجاه اقليمي ودولي وحتى داخلي في ظل التراجع غير المسبوق لمؤيدي الرئيس باراك اوباما في استطلاعات الراي نتيجة سياساته الخارجية التي انعكست سلبا على صورة واشنطن المعنوية بالنسبة لشعوب المنطقة، وبعد نجاح اللوبي الاسرائيلي في خلق «نقزة» ما لدى الاميركيين تجاه اي اتفاق نووي مع ايران ارتباطا باضراره المعنوية لاسرائيل، رغم استبعاد المراقبين اندلاع حرب وشيكة في الشرق الاوسط بسبب الترسانة النووية الايرانية او الثورة السورية الا أن الاوضاع غير الطبيعية التي تجعل الاسرائيليين يشعرون بأنهم تحت رحمة صواريخ حزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الاسلامي في قطاع غزة، قد تفاجئ الجميع بمحاولة متفجرة تقوم بها القيادة الاسرائيلية ضد لبنان وقطاع غزة لايصال الرسائل الى اللاعبين الاقيليميين عبر وكلائهم.
ففي الوقت الذي تتصارع فيه دول الطوق الثلاث مصر وسوريا ولبنان، مع استحقاقاتها الرئاسية، تعمد اسرائيل الى تمتين اوضاعها العسكرية بحسب تقارير اسرائيلية وتثبيت قدميها على ارضية صلبة لمرحلة طويلة قد تتجاوز العقود التي تتطلبها اعادة نهوض الدول العربية جراء الأوضاع الأمنية المتردية فيها ، مع تعاظم الاسئلة في اسرائيل بمقدار تعاظم المخاطر،هكذا تثبت التجارب التاريخية،باستثناء حربي العبور عام 1973 وحرب تموز 2006،مع التقديرات الخاطئة للقيادة في الاولى، و«الغباء» الكامل في الثانية، وان جمتعهما نفس حالة الغرور، فكانت الهزيمة اولا ومن ثم الوهن ثانيا.لكن يبدو اليوم ان الامور تغيرت وفقا للسيناريوهات المطروحة والتي يتقدمها «الاشعال»، المتوازي لجبهتي جنوب لبنان والجولان، في اطار الاستراتيجية الجديدة لمحور الممانعة، حيث ينخرط الكل في الدفاع والهجوم من اجل الضعيف،ما يطرح عشرات الاسئلة حول مدى جاهزية «الجبهة الداخلية» في هكذا وضع، مضافاً إليها التشكيك الدائم بقدرة سلاح الجو في الحفاظ على معادلة «التفوق» التي قد تسقطها مفاجئة نوعية غير محسوبة، ما يجعل من اي حرب جديدة ان تكون الأخطر في تاريخ «إسرائيل».
ولان العالم مليء بالفرص الكبيرة وكذلك بالتهديدات الاكبر والاعقد، باعتراف الجميع، كانت الحاجة الدائمة لتطوير القدرة الدفاعية المضادة للهجمات الصاروخية، المعدة عماد الحروب الحديثة،ما يفرض التعاون بين الدول والجيوش القائم على التدريب المشترك لمواجهة هذه المخاطر،التي من احداها معضلة اعتراض اسرائيل للقذائف والصواريخ التي قد تأتي من إيران، سوريا، لبنان، وقطاع غزة.
من هنا كانت فكرة مناورات «جنيفر كوبرا» التقليدية، المشتركة بين الاميركيين والاسرائيليين، بحسب التقارير التي تقام مرة كل عامين منذ 2001، بهدف اختبار قدرة العمل المشترك للجيشَين في حال وقوع هجوم صاروخي،ما يتيح إمكانية تحسين قدرة الجاهزية والتنسيق بين الحلفاء،حيث يولي سلاح الجو ومنظومة الدفاع الجوية أهمية كبرى للعمل المشترك.
القوات الأميركية المشاركة في المناورات ستتدرب على إطلاق صواريخ Thaad وصواريخ SM-3 الأميركية الصنع، ومنظومة «الباتريوت» الأكثر تطورا والمعروفة باسم P-A-C3 ومنظومات الرصد والتعقب الرادارية Aegis. من جهته، يتدرب الجيش الإسرائيلي على تفعيل منظومات الدفاع الاعتراضية «كالسهم 3» والقبة الحديدية وأجزاء من منظومة «الصولجان السحري» المكلفة باعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، والتي ستدخل الخدمة الفعلية خلال عامين، ويعكف على تطويرها حالياً الجانبان الأميركي والإسرائيلي، كذلك تدريبات عملية لتمكين المنظومات الدفاعية الصاروخية الأميركية والإسرائيلية من العمل بصورة مشتركة، لا سيما الرادار الأميركي «اكس باند، اف بي اكس تي» الموجود في النقب والذي سيمكن صواريخ «آرو» من اعتراض صواريخ تحاكي «شهاب 3 » وغيرها . كما ستشارك في العمليات المفترضة 17 سفينة اميركية منتشرة في المتوسط وحوالى 6000 حندي اميركي.
وتحاكي المناورة الحالية اندلاع حرب شاملة تضيف التقارير الاسرائيلية والاميركية وتعرض اسرائيل لقصف بآلاف الصواريخ متنوعة المدى تطلق عليها بالتوازي وبالتزامن من غزة ولبنان وسوريا وإيران على مدى أسابيع. كما تعالج المناورات سيناريوهات مركبة ومتغيرة ترسل في أحدها وحدات الجيش الأميركي المتواجدة في أوروبا لإسرائيل عشرات بطاريات «الباتريوت» المختصة في اعتراض الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى وسفن «هاغيز» المزودة بمنظومات دفاع واعتراض متطورة لحماية الجبهة الداخلية الاسرائيلية.
والى جانب هدفها الاستراتيجي، المتمثل في الوقاية من الصواريخ واختبار فاعلية الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ، سيتدرب الجنود المشاركون على العثور على أماكن سقوط الصواريخ واستدعاء قوات الى المكان وإجراء تقييم للوضع.
فبحسب تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، فان حوالى 170 ألف صاروخ من أنواع مختلفة تشكل تهديداً جديا للدولة الاسرائيلية ،منذ مطلع العام الجاري،نتيجة تعاظم التهديدات الصاروخية للمنظمات العدوة ،من حزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الاسلامي في غزة،وتعاظم تسليحها وقدرة كوادرها البشرية على الاستخدام الفاعل والدقيق لهذه الاسلحة في اصابات اهدافها بخاصة طرازات زلزال وفجر5 وM300 والتي تشكل تهديدا خطيرا على الجبهة الداخلية، ناهيك عن خطر ترسانة الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى السورية،وتلك البالستية الايرانية، يضاف اليها المنظومة السعودية التي كشف عنها حديثا.
ووفقا لامر العمليات التدريبي ،تعتمد خطة القوات العدوة على محاولة شل الحركة وبث الرعب في صفوف الإسرائيليين وهز المعنويات، ما يسمح لها بالوصول إلى وقف إطلاق النار بسرعة والحيلولة دون الرد الاسرائيلي المتدحرج انطلاقا من مبدأ «ما تطلقه من صواريخ في البداية لن يكون بحوزتك لاحقا». ففي حدث كهذا ستشكل الجبهة الداخلية خطا ثانيا في كل حرب وعلى جميع الصعد ،مع تركيز العدو جهوده على ضربها.
غير ان اللافت ،على هامش هذه المناورات، ما سجلته التقارير عن نقل الجيش الاسرائيلي لمئات الآليات المدرعة من دبابات الميركافا وناقلات الجند،من قواعدها في منطقتي الجنوب والوسط ، ونشرها في المنطقة الشمالية المحاذية للحدود اللبنانية السورية الممتدة من الناقورة وصولا الى مرتفعات الجولان،في ظل التحذيرات المتلاحقة من تداعيات انهيار الاوضاع على الجانب السوري من الحدود في ظل رصد الاستخبارات الاسرائيلية حراكا لوجستيا لمقاتلي «حزب الله» في القنيطرة، اتخذ شكلا اكثر علانية بعد تبني الامين العام لحزب الله عمليتي التفجير التي استهدفتا القوات الاسرائيلية قرب الشريط الفاصل عند تخوم الجولان،ومع توحيد حزب الله للجبهتين السورية واللبنانية في حال اندلاع اي مواجهة.
القراءة الموضوعية لتوقيت هذه المناورة المتزامنة مع مناورة «الاسد المتأهب» في الاردن، تحمل الكثير من الدلالات والأبعاد المختلفة، سواء الأمنية أم الاستراتيجية أو حتى السياسية، إذ إنها لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن مجمل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها تأتي في ظل تطورات مهمة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، والظروف الحرجة التي تمر بها عملية السلام، والكلام عن بوادر نظام دولي جديد ،حيث يرى الاسرائيليون في هذا السياق ، الغاء إدارة الرئيس أوباما لمشروع نصب شبكة صواريخ في بولندا وجمهورية التشيك، كنز لتل ابيب ، لأن البديل هو استخدام الصواريخ المتنقلة في البحر الأبيض المتوسط، وهذا من شأنه أن يوفّر لها حماية غير محسوبة.
صحيفة الديار اللبنانية – ميشال نصر