هل تتحول “داعش” إلى “داعشت” !؟
تثبت الأحداث أن الاشتباك بين داعش و”الجيش الحر” هو انعكاس لاشتباك ضمني بين جهازي استخبارات تركيين، وراءهما تياران سياسيان متنافسان ومتناقضان.
هل تتحول “داعش” إلى “داعشت” !؟
وكالة أنباء آسيا ـ
سومر سلطان:
كان من المثير للسخرية رؤية رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان”، ووزير خارجيته “أحمد داوود أوغلو”، يهاجمان على حين غرة الإسلاميين المتطرفين، الذين نعتهم “أردوغان” بأنهم يدعون الإسلام وأنهم ليسوا مسلمين، فيما كان إعلامه قبل فترة قصيرة فحسب يصفهم بأنهم مجاهدون ومقاومون، ويتغنى “بمآثرهم” في مواجهة “طغمة الأسد”، على حد تعبيره.
وبالتوازي مع الحملة الإعلامية المفاجئة، التي خرجت بها وسائل الإعلام الأردوغانية ضد السلفية الإسلامية، والتي أتت بشكل متزامن مع الاشتباكات التي خاضها تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) مع تنظيم “لواء عاصفة الشمال”، التابع لميليشيا “الجيش الحر”، واستيلاء داعش على معاقل “لواء الشمال” في اعزاز شمال سورية… بالتوازي مع هذه الحملة خرجت حملة أخرى من تيار سياسي آخر، هو الطريقة النورانية التي يتزعمها رجل الدين “فتح الله غولن” الذي يقود أحد أقوى التيارات المنضوية تحت راية “العدالة والتنمية”، وهذه الحملة الأخيرة استهدفت، وياللغرابة، “أردوغان” شخصياً ورئيس جهاز الاستخبارات القومية “هاكان فيدان” لجهة أدائهما في السياسة اتجاه سورية، ليس لجهة دعم جرائم الحرب التي قامت بها قوى حليفة لتركيا، بل لجهة التقصير في دعم المجموعات المسلحة المعارضة للإدارة السورية.
يمكن القول بدرجة مقبولة من الصحة أنه وفق تقاسم السلطات يحوز “أردوغان” على جهاز الاستخبارات القومية، فيما تحوز جماعة “غولن” على جهاز الأمن. وليست مصادفة أبداً المعارك التي يشنها الجهازان ضد بعضهما البعض، والملفات القضائية التي يفتحها بشكل منتظم كل منهما بحق قياديين من الجهاز الآخر.
ومن أكثر المعارك إثارة هو محاولة جهاز الأمن إدانة رئيس جهاز الاستخبارات “فيدان” وإحالته للمحاكمة بتهم التقصير في محاربة التنظيمات الكردية المتمردة، فقام “أردوغان” بتغيير قانون أصول المحاكمات، بحيث منع محاكمة “فيدان” إلا بإذن خاص منه. وقام من ثم بعزل ونقل عشرات الضباط وصف الضباط من جهاز الأمن.
وفتحت وسائل الإعلام التابعة لـ”غولن” النار على “فيدان” بتهمة التقصير في الحرب في سورية، وخاصة لناحية حماية موظفيه الذين تورطوا في عملية بيع الضابط السوري الفار “حسين هرموش” إلى رجال الأمن السوري.
واتهمت وسائل الإعلام هذه “فيدان” بحماية الموظفين المتورطين في هذا الاختراق، بل وتعيين اثنين منهم في مناصب أمنية حساسة، مطالبة بمحاسبته، ومتساءلة هل أن حماته لا يعلمون بالتجاوزات التي يقوم بها، في إشارة إلى “أردوغان”.
وأردفت وسائل الإعلام التابعة لـ”غولن” حملتها بإطلاق النيران الكثيفة على جمعية خيرية إسلامية موالية لـ”أردوغان”، هي جهازالمساعدات الإنسانية “IHH”، التي لها يد طولى في دعم التنظيمات الإسلامية المتطرفة في سورية، وخاصة تنظيم جبهة “النصرة”. وللتذكير فإنها الجمعية التي أرسلت سفينة “ماوي مرمرة” الشهيرة التي هاجمتها القوات الإسرائيلية أثناء توجهها إلى غزة.
ولجمعية IHH دور هام في تجنيد المقاتلين في القفقاس ودول الاتحاد السوفيتي السابق. وهي قامت بجهود كثيرة للوصول إلى أبعد التجمعات الوهابية في دول مثل “أذربيجان” و”كازاخستان” و”الشيشان”، وتجنيد المتطوعين فيها، وإيصالهم إلى سورية.
وعندما هاجمت وسائل الإعلام الموالية لـ”غولن” هذه الجمعية فإنها توقفت مطولاً عند دعمها لتنظيم “جبهة النصرة”، المعروف بأنه أكبر تجمع للمقاتلين الأجانب في سورية.
وكان موقع “Intelligence Online” الاستخباراتي الفرنسي قد اتهم جماعة “غولن” بتأسيس تنظيم سلفي في سورية، يقاتل في المناطق الشمالية منها ضد كتائب “الحماية الشعبية” “YPG” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، مطلقاً على هذه الميليشيا الغامضة اسم “كتيبة الطالبان”.
يذكر أن خلافات حادة تعصف بين التيارين الأردوغاني والغولني في مسألة القضية الكردية؛ فبينما التزمت الأولى بالعملية التفاوضية بعدما خبرت متانة عود حزب العمال الكردستاني، فإن الثانية هاجمتها وانتقدت العملية التفاوضية برمتها. وكذلك فإن “العمال الكردستاني” هاجم جماعة “غولن”، كاشفاً على لسان القيادي “مراد قره يلان”، وجود وثائق مدينة للجماعة بيده، مهدداً بكشفها.
وأمام هذا الهجوم حاول كتاب أردوغانيون إثبات الفوارق بين تنظيمي “داعش” و”النصرة”، وكأنما يبررون دعم “النصرة” فيما يهاجمون “داعش”.
وبالتوازي مع ذلك كله كان تنظيم “داعش” يتقدم في عموم المنطقة الشمالية داخلاً في اشتباك دموي واسع مع “لواء عاصفة الشمال”، الذي يمكن القول أنه من بين التنظيمات المسلحة أحد أكثرها انكشافاً لناحية علاقته بالاستخبارات القومية التركية. وتمددت “داعش” في أغلب المناطق الشمالية، الحساسة كثيراً بالنسبة لجماعة “غولن” نظراً للأعداد الغفيرة من المواطنين الأكراد فيها. ودخلت كذلك في اشتباكات مع قوات الحماية الشعبية الكردية، معتبرة أن اتفاق وقف إطلاق النار لميليشيا “الحر” و”النصرة”، مع “الاتحاد الديمقراطي” لا يعنيها.
وزادت الأمور وضوحاً عندما أصدرت “داعش” البيان الشهير الذي هددت فيه بهجمات انتحارية في “اسطنبول” و”أنقرة” إذا لم يتم فتح بابي “باب الهوا” و”اعزاز” الحدوديين بين سورية وتركيا. ورغم أن تكذيباً للبيان صدر بعد فترة فإن تأخر هذا التكذيب ليومين كاملين، وقيام حكومة “أردوغان” بفتح البابين المذكورين بصمت وهدوء، يجعل التكذيب موضع شك، ويبدو إذن أن الرسالة وصلت آنذاك فعلاً لمن يهمه الأمر.
لا يمكن توقع أن يتمكن تنظيم من العمل بهذا الشكل الفعال في شمال سورية دون أن يتلقى الدعم من طرف ما في تركيا. فمن الصعب، لا بل من شبه المستحيل، تأمين نقل شحنات الأسلحة من الموانئ التركية إلى مدن الداخل؛ “عنتاب” و”أورفه” و”هاتاي”، ونقل المتطوعين من المطارات إلى المناطق الحدودية تمهيداً لإدخالهم إلى الأراضي السورية، وتأمين الخدمات اللوجستية والعناية الصحية لهم انطلاقاً من الأراضي التركية دون حماية من جهة نافذة قادرة على إغلاق كل الأعين عنها.
ويظهر إذن أن “داعش” تمكنت من التغلغل وتحقيق كل ما سبق بالرغم من خلافها المعلن مع الخط السياسي لـ”أردوغان” ووكلائه المحليين في سورية، ولم تتمكن استخبارات “أردوغان” من التصدي لها في أراضيها نفسها. وهذا ما يؤكد أن وراء “داعش” في تركيا جهة سرية عظيمة النفوذ والخطورة، ومن المؤكد لكل من يعرف ألف باء السياسة المعاصرة في تركيا أن الجهة الأكثر احتمالاً وانسجاماً مع هذا الطرح هو جهاز الأمن التابع لجماعة “غولن”.
مع استمرار التجاذب بين التيارين السياسيين في تركيا، واستمرار أسباب الصراعات البينية في سورية، يظهر أن قاعدة الانطلاق التركية لـ”داعش” ستبقى قيد العمل، وليس بعيداً أن تتحول “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إلى “الدولة الإسلامية في العراق والشام وتركيا”.