هكذا ينظر «حزب الله» إلى الحوار.. والحراك
صحيفة السفير اللبنانية ـ
عماد مرمل:
وحدها الطاولة ستجمع المتحاورين في 9 أيلول، أما بعد ذلك فان كل شيء يفرقهم، من النيات الى الحسابات.
ليس جديدا ان يخوض رؤساء «الدول اللبنانية» المتناحرة حوارا من هذا النوع، لكن الفارق هذه المرة ان هامش المناورة لديهم تقلص كثيرا، بعدما اتسعت مساحة الرقابة الشعبية، وأصبح ظهر الطبقة السياسية.. الى الشارع.
ولئن كان نجاح التجربة الجديدة غير مضمون، بالنظر الى التعقيدات الداخلية والخارجية، فان الاكيد الوحيد هو ان كلفة الفشل ستكون باهظة، وسيدفعها المتحاورون «نقدا» من «جيوبهم» السياسية وشعبيتهم المتآكلة.
بهذا المعنى، أصبح المتحاورون معنيين بأن يراعوا أولا حساسية المزاج الشعبي ويقيموا وزنا لنبض الشارع، بعدما كانت خياراتهم في السابق تنتظم على إيقاع النبض الاقليمي – الدولي حصرا، ربطا بالتحالفات العابرة للحدود.
لقد بات الحراك المدني ضيفا غير معلن على طاولة الحوار، بل لعله سيكون الاقوى حضورا برغم غيابه، مستفيدا من زخم انتفاضتي 22 و29 آب اللتين أعادتا الاعتبار الى دور «الرأي العام» ومفهوم المحاسبة، في أعقاب سنوات من التهميش والاستباحة، تحت غطاء دخان القنابل الدخانية، المصنوعة من أوهام طائفية ومذهبية.
لكن، وبرغم ان الحوار ينعقد في زاوية ضيقة لا تحتمل ترف التجارب، فان صعوبات جمة وتحديات كبرى تعترض طريقه نحو انتاج تسوية «لبنانية الهوية»، في ظل تباين الاولويات وتفاوت المعايير وتضارب المصالح وتعارض الاهداف بين أطراف الانقسام الداخلي و «ظلالهم» الخارجية، من الاستحقاق الرئاسي وصولا الى قانون الانتخاب.
لن يكون سهلا على بيروت ان «ترث» دمشق والقاهرة والطائف والدوحة، حيث صُنعت تسويات واتفاقيات شهيرة على مدى عقود من النزاعات..
ولن يكون سهلا على بيروت ان تستعيد المبادرة من عواصم القرار التي اعتادت على «تنظيم السير» في لبنان..
ولكن، أين يقف «حزب الله» من الحوار المتجدد، وهل يُقبل عليه مقتنعا بجدواه وبإمكانية نجاحه، ام يشارك فيه من باب «المجاملة السياسية»؟
يؤكد العارفون بتوجهات الحزب انه سيتعاطى مع طاولة الحوار بجدية تامة، وسيحرص على ان تخرج بنتائج ملموسة، بحيث لا تكون مجرد محطة عابرة لتقطيع الوقت، «لان الوضع اللبناني لم يعد يحتمل الاستنزاف، وبات يحتاج الى رافعة تنتشله من القعر الذي وصل اليه، والحوار يمكن ان يكون هذه الرافعة، شرط ألا ينزلق البعض الى الزواريب».
ويشير المطلعون على مناخات الحزب الى انه يعتقد ان هناك إمكانية لتحقيق اختراق في ملف رئاسة الجمهورية، إذا شعر الجميع بـ «السخن» وتصرفوا على هذا الاساس، وبالتالي فهو يعتبر ان فرصة «اللبننة»، ولو بالحد الادنى، ليست معدومة، على قاعدة ان اللبنانيين يجب ان يكونوا معنيين قبل الاقليم بمعالجة أزماتهم، إلا إذا كان هناك من سيتمسك بتغليب الالتزامات الاقليمية على المصلحة الوطنية.
ووفق العارفين، لا يتوقف الحزب كثيرا عند كيفية ترتيب أولويات الحوار، مفترضا ان البحث سواء بدأ من هذا البند او ذاك، سيقود تلقائيا الى البنود الاخرى، لان النقاط التي يتضمنها جدول الاعمال هي كلٌ لا يتجزأ، وتشكل في مجموعها جسما واحدا، «وعليه ليس مهما من أين تكون البداية، بل كيف ستكون النهاية».
ولا يجد الحزب اي تضارب بين حواره مع تيار «المستقبل» الذي يتناول بشكل اساسي مسائل تتعلق بهما وبساحتيهما، وبين طاولة الحوار الاوسع الذي سيركز على ملفات أشمل، علما ان هذه الطاولة ستسمح بان يجلس العماد ميشال عون وجها لوجه مع تيار «المستقبل»، وهذا ما كان ينادي به الحزب منذ فترة، ناصحا «المستقبل» بمحاورة الجنرال.
وتبعا للمطلعين على النقاش الذي خاضته قيادة الحزب حول الموقف الواجب اتخاذه من الحراك المدني، فقد خلصت الى ضرورة التعاطي بإيجابية مع هذا الحراك وطبيعته الاصلية، منطلقة من كونه يلامس الحاجات الملحة والتطلعات المشروعة للمواطنين، وكون الاكثرية المنخرطة فيه تعبر بعفوية عن وجع ومعاناة متراكمين، بمعزل عن ان قلة قد تحاول توظيفه في هذا الاتجاه او ذاك.
وعلى هذه القاعدة، يرى الحزب ان الذين يشعرون بان التزاماتهم مغايرة لطروحات الحراك هم من يجدون فيه ضغطا عليهم، أما من كان يتقاطع مع مطالب هذا الحراك فسيكون متحفزا لملاقاتها والدفع نحو تحقيقها.