هكذا ينظر الاسرائيليون الى شخصية السيّد
محمود زيات – صحيفة الديار
في الساعات الاولى للعدوان الاسرائيلي على لبنان، في تموز العام 2006، صرخ مستوطن اسرائيلي في كريات شمونة القريبة من الحدود مع لبنان، بابنه المتسمّر امام شاشة التلفاز “.. ماذا قلت؟.. نصرالله دعانا للنزول الى الملاجىء… هذا يعني انه علينا ان ننزل، اذا قال نصرالله ادخلوا الى الملاجىء، حينها بالتأكيد سندخل”.
وقال جنرالات الحرب في الكيان الاسرائيلي: ان قيادة الاركان وقعت في “فخ نصرالله”، بعد ان اجرت تعديلات جوهرية على خطط عسكرية تتعلق بمواجهات مع “حزب الله”، بمجرد انها سمعت بضع كلمات اطلقها نصرالله عبر شاشة.
وباعتراف كبار جنرالات الحرب الاسرائيليين، فان “حزب الله” كان يقوده خلال الحرب، قائد يحظى بالصدقية والاحترام، ونصرالله، وقبل ان يُقدِم “حزب الله” على تنفيذ عملية اسر الجنديين الاسرائيليين، وهي العملية التي سبقت العدوان ببضع ساعات قليلة، هيَّأ كل الظروف والعناصر التي من شأنها ان تصنع انتصارا على اي حرب اسرائيلية تأتي في الشكل، كرد على عملية الاسر، ومهما بلغت تعقيدات العملية، وبقي ظل هذا القائد حاضرا في الميدان، يرسم مناوراته التكتيكية والاستراتيجية، بالتوازي مع حرب نفسية شكلت ضغطا كبيرا على الجمهور الاسرائيلي. ولعل الدليل الواضح على التأثيرات المباشرة للحرب النفسية التي شنها السيد نصرالله على الاسرائيليين، ما قاله ايلي يشاي الذي شغل منصب نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية: ان “حزب الله” أدار معارك نفسية ناجحة برغم انعدام المقارنة بين قدراته وقدراتنا، وإسرائيل فشلت في أدائها الإعلامي خلال الحرب وأبقت المنصة للعدو، فلم يمر يوم من دون أن “يثبّط” نصر الله معنوياتنا ويتلاعب بأعصاب الاسرائيليين، قائلاً “اسرائيل تُهزم … اسرائيل تُهزم”. كان عزاء القادة السياسيين والعسكريين الذي يخفف من ثقل ما حملته نتائج العدوان المخيبة للامال، القول : “لا يوجد دولة في العالم … انتصرت على تنظيم يقوم على حرب العصابات”.
يُجمع محللون صهاينة على ان السيد حسن نصرالله هو قائد استثنائي “يجدر بنا ان نصغي اليه جيدا، لان هناك تطابقا كبيرا جدا بين ما يقوله وما يفعله، ويذكّر المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت احرونوت” الصهيونية أليكس فيشمان بأن اسرائيل تميل في العادة الى الاستخفاف بالقادة العرب، لكن في الشرق الأوسط أيضا، هناك قادة استثنائيون، ويقول “عندما يُهدّد (السيد) نصر الله، فيجدر بنا الاصغاء اليه جديا، فهو الرجل الذي أوفى بكل ما التزم وهدد به. اما المحلل العسكري في القناة العاشرة الصهيونية تسيفيكا يحزكالي الذي واكب يوميات العدوان الاسرائيلي على لبنان في العام 2006، من دون ان يُخفي دهشته بقدرات “حزب الله”، فيقول : “انا اثق بكلام نصرالله عن قدرة “حزب الله” في ردع اسرائيل، علينا ان نأخذ تهديد نصرالله بفتح جبهة الجولان بجدية، لانه في حال نزل مقاتلو “حزب الله” الى الحدود، فانهم يُعتبرون الاكثر كفاءة للقتال ضد اسرائيل”.
ويقول قائد ما يسمى “الذراع البرية” في الجيش الاسرائيلي غابي تسور، ان (السيد) حسن نصرالله نجح في تحويل “حزب الله” الى منظمة تعتبر من اقوى المنظمات في العالم، لناحية القدرات العسكرية وتنامي بنيته وقدراته القتالية وتعزيز ترسانته الصاروخية، واشكال المواجهة التي يطمح للوصول اليها في المعركة المقبلة.نصرالله شخص واسع المعرفة، ليس فقط في الامور الاسلامية او العقائد العسكرية، بل هو خبير ايضا بمشاعر الجمهور الاسرائيلي، وبطريقة تفكيره وتحريك هواجسه والتأثير عليها في المسار العام للصراع القائم بين اسرائيل و”حزب الله”، وهو اعلن صراحة، انه يتابع عن كثب كل ما يُكتب في الصحافة الاسرائيلية، ويتابع ادق التفاصيل المتعلقة بالاسرائيليين ومزاجهم.
تفشت “عدوى” الحرب النفسية التي خاضها السيد حسن نصرالله في عقول الاسرائيليين من صنَّاع القرارات الاستراتيجية، ليقول احد ابرز قادتهم المخضرمين شيمون بيريز “ان هزيمة اسرائيل في حرب لبنان الثانية ( تموز العام 2006 )، نشأت عن ان “حزب الله” تباهى بنطاق لا تعوزه الكفاءة .. ان الاقوال والكلمات في الحرب هي ايضا قنابل، مبديا اسفه من ان اسرائيل لديها الكثير من الناطقين …لكنهم لا يعرفون كيف يفسرون الامور”. ويسأل محلل صهيوني … كيف يمكن للاسرائيليين ان يناموا ملء جفونهم، وهم يدركون ان آلاف الصواريخ يوجهها «حزب الله» فوق رؤوسهم، قادرة على تحويل حياتنا الى جحيم، كيف لهم ان يشعروا بالامان وهم يسمعون ( السيد ) نصرالله يقول “لقد ولّى الزمن الذي نُقتل فيه وحدنا..»، ويقول : خطابات نصرالله اصابتنا بالخجل، بعد حرب لبنان الثانية، لم يعد بمقدور اي جنرال في الجيش الاسرائيلي ان يتحدث عن هيبة الجيش وقدرته على حماية الاسرائيليين، لم يعد بمقدور الجنرالات ان يفاخروا بانجازات “فرق النخبة”، التي اصيبت بنكسات مفجعة في حرب لبنان، وهم يدركون جيدا ان لـ “حزب الله” القدرة على اطلاق اكثر من الف صاروخ خلال الساعات الاولى لاي حرب قد تقع مع جبهة لبنان، صحيح اننا خرجنا من حرب لبنان … ولكننا دخلنا في كابوس لم ينته بعد .
ادخل السيد نصرالله الاسرائيليين، وبخاصة القادة العسكريين منهم، في حرب نفسية، كانت الدوامة التي افقدتهم البوصلة التي على اساس وجهتها تخاص الحروب، وهو اصابهم بـ “دوار” استراتيجي، حين تحدث عن التقارير الاسرائيلية التي تتناول حجم الترسانة الصاروخية التي بات يمتلكها “حزب الله”، و”السيد” قال مرة في احدى خطبه، ممازحا جمهور المقاومة وبابتسامة ساخرة “..هيدي خبرية الـ 70 ألف صاروخ قديمة … وقديمة كتير”. وتنقل صحيفة “يديعوت احرونوت”، عن ضابط اسرائيلي رفيع قوله: خلال حرب غزة التي اعقبت حرب لبنان عام 2006، كان كبار الجنرالات في الجيش الاسرائيلي، يترقبون تعاطي “حزب الله” مع ما يجري في القطاع، وكانوا ينتظرون قراءة (السيد) نصرالله مما يجري، ويقول: لو فهمنا بالكامل نظرة العدو رقم واحد الممثل بـ “حزب الله” في حرب لبنان، لكانت توضحت امامنا امور كثيرة. . لقد نجح نصرالله في التأثير على مشاعر الجمهور الاسرائيلي وايقاظ هواجسه الامنية وتعزيز رعبه من الترسانة الصاروخية لـ “حزب الله”.
ويكفي ان يقول السيد نصرالله: ان “رد المقاومة على الاعتداء الاسرائيلي، سيكون حساسا واستثنائيا، ولا يمكننا الان الحديث عنه، ولكن الجميع سيسمع به، لكن الافضل ان لا نتكلم فيه الآن”، لينشغل الجمهور الاسرائيلي، بسياسييه وجنرالاته ومستوطنيه، في حل “الشيفرة” المليئة بالالغاز، علّهم يتبصَّرون عن هذا الامر الحساس الذي لم يُفصح عنه، يكفيه دعوة المستوطنين المنتشرين على امتداد فلسطين المحتلة، للنزول الى الملاجىء في ساعة ما من يوم ما من ايام العدوان، او غيره، لتصطف طوابيرهم استجابة للدعوة، ويكفي ان يتحدث نصرالله عن توجه “حزب الله” لتقديم مساعدات للمقاومة الشعبية ضد الاحتلال الاسرائيلي في الجولان السوري المحتل، حتى “يغرق” الاسرائيليون في البحث عن شكل “المساعدة” التي تحدث عنها امين عام العدو الاول لاسرائيل، وراحت الاسئلة تدور حول طبيعة الدور الذي يمكن ان يلعبه “حزب الله” بعد تصريح نصرالله، وعما اذا كان سيقتصر على دور لوجستي يتعلق بالتجهيز والتدريب والاستعداد الميداني والقتالي، ام ان مقاتليه سيبدأون بوضع الاسس اللازمة لاطلاق عمليات عسكرية للمقاومة الجولانية.
… في دراسة نفسية اجراها باحثون اسرائيليون حول كيفية نظرة الاسرائيليين الى شخصية امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، ان جمهور المستوطنات يتابعون باستمرار خطابات نصرالله، وهم لم يفوِّتوا خطابا واحدا قبل العدوان وخلاله … الى اليوم، وان نسبة مرتفعة سجلت في الدراسة لمستطلعين اسرائيليين، كانوا يربطون اعمالهم واستثماراتهم الكبيرة والمتوسطة بالانطباعات التي سيتركها خطاب نصرالله على المجتمع الاسرائيلي، وينظمون رحلاتهم ويرتبون حياتهم اليومية، انطلاقا مما يسمعونه من نصرالله… الذي لم يطلق تهديدات في الهواء.. ولم يعِد بشيء لم يفعله…