هكذا تلزم ’ليبان بوست’ زبائنها بـ’التبرع’ لـ’حماية’
“على عينك يا تاجر”، تستغل بعض الشركات المولجة تسيير أمور العباد “عنوة”ً، جيب الطالب الذي لجأ إلى مقاعد الجامعة اللبنانية لأسباب شتى، لتجمع ثروة على حسابه، من مبالغ يخيل للوهلة الأولى أنها زهيدة، إلا أنها على تراكمها، تغدو ضخمة، تذهب رغمًا عن المواطن، لجمعية “حماية”، “حسب تعبير فاتورة شركة “ليبان بوست”.
وقد سلطت صحيفة “الأخبار” الضوء على هذا الموضوع، لافتةً إلى أن الحالة هذه تتكرر تحت غير مسمى، إذ تستوفي الشركة مبالغ إضافية من الزبائن، دون موافقتهم، وهي تضاف إلى الفاتورة ككلفة خدمات “الديليفري بلاس” و”الرسائل النصية” و”كومبو”، ثم انضمّ إليها قبل فترة مبلغ للتبرع لجمعية “حماية”.
واستشهدت الصحيفة بتعليق نُشرَ قبل أيام، على صفحات التواصل الاجتماعي من شخص يدعى زهير جلول، يقول “إن ابنته سدّدت رسوم التسجيل للجامعة اللبنانية الإلزامية عبر شركة “ليبان بوست”، وأن الشركة استوفت، من دون وجه حق، 500 ليرة تبرّعاً لجمعية “حماية” التي تعنى بقضايا استغلال الطفل والعنف الأسري.
وفيما نشر جلول صورة عن الإيصال الذي يظهر استيفاء الـ500 ليرة، سأل: “كيف يحقّ لشركة ليبان بوست أن تضيف هذا المبلغ على المواطن من دون أن تأخذ موافقته؟ وأضاف: هذا إخبار لكل المحامين، راجياً إقامة دعوى ضدّ الشركة وإعادة الأموال إلى أصحابها”، تابعت “الأخبار”.
وتحدثت عن الضجة الكبيرة التي أُثيرت بعد الحادثة في أوساط إدارة الجامعة اللبنانية والطلاب، “ولا سيما بعدما انتشر التعليق على مواقع صفحات التواصل الاجتماعي وجرى تناقله بواسطة “واتس آب”، وهو ما دفع إدارة الشركة، حسب الصحيفة، إلى الإيعاز لموظفيها لاحقًا بتوجيه السؤال للزبون عن رغبته في التبرّع بهدف إخفاء ما كانت تقوم به على مدى الأشهر الثلاثة الماضية.
إيصال “ليبان بوست”
الاستيفاء “الإلزامي”.. موضة غير جديدة
ونبّهت “الأخبار” إلى أن هذا النوع من الاستيفاء “الإلزامي” لمبالغ من الزبائن ليس الأول من نوعه. “فقد سبق أن أثارت قصّة التبرّع لجمعية “حماية” من دون موافقة الزبون ضجّة بين طلاب الجامعة اللبنانية قبل فترة وجيزة. وقبل ذلك بأشهر كان بعض مكاتب الشركة يفرض على الطلاب السوريين شراء كتب وتذكارات مع كل إيصال يتعلق برسم التسجيل. ظنّ الطلاب السوريون أنها كتب وتذكارات إلزامية، إلى أن اكتشفوا العكس”.
ولفتت إلى أن هذا النمط “ليس سلوكًا حديثًا لدى الشركة، ولا يقتصر على طلاب الجامعة اللبنانية، بل يشمل كل الزبائن، فالشركة عمدت منذ سنوات إلى تقديم خدمات إضافية تبيّن لاحقًا أن الزبائن يدفعون ثمنها دون موافقتهم ومن دون أن يعلموا بأنها خدمات اختيارية وليست إلزامية، مثل خدمة “الديليفري بلاس”، التي ارتفعت كلفتها إلى ثلاثة آلاف ليرة، وخدمة الرسائل النصيّة، التي بلغت ألف ليرة، وخدمة التذكير بألفي ليرة، بالإضافة إلى خدمة “كومبو”، التي تكلّف ثلاثة آلاف ليرة. يندر أن يُصدر أحد مكاتب شركة “ليبان بوست” إيصالاً للزبون ليس فيه واحدة من هذه الخدمات”.
أم رواية الشركة لـ”الأخبار” فـ”لا تختلف كثيرًا”، إذ يقول مستشار الإعلام والعلاقات العامة لشركة ليبان بوست، روني ألفا، “إن ما حصل هو أن إدارة الشركة أصدرت تعليمات واضحة لموظفيها بإصدار فواتير تتضمن التبرّع بقيمة 500 ليرة لجمعية “حماية”، بالإضافة إلى وجوب سؤال الزبون عن التبرّع بصورة اختيارية، ولكن ربما قد يكون هناك موظف خالف تعليمات الإدارة واستوفى مبالغ لا تدخل ضمن الرسوم المحدّدة للخدمات التي تقدّمها الشركة. التعليمات الصادرة عن الإدارة الواضحة، وربما قد تكون خرقت بالإهمال أو النسيان. يفترض بالموظفين توجيه السؤال للزبون”.
ويشير ألفا إلى أن التبرّع بقيمة 500 ليرة لحساب “حماية” يأتي في إطار الشراكة في المسؤولية الاجتماعية التي تجمع بين “ليبان بوست” و”حماية”، وهو أمر درج عليه الكثير من الشركات في إطار ممارسة هذه المسؤولية.
“الأخبار” اعتبرت أن “تبرير الشركة لما حصل، يقرّ ضمناً بمسؤوليتها عن استيفاء مبالغ مالية من دون وجه حقّ، وخصوصاً أن غالبية الزبائن الذين اكتشفوا الأمر على الإيصال تركوا الأمر لأنه “مش محرز” ولأن إعادة إصدار إيصال بلا التبرّع يتطلب “وقتاً”.
لكن الصحيفة أشارت إلى تكرر هذا الأمر، “بأوجه مختلفة في كل مرّة. وفي كل مرة تتنصل إدارة الشركة من المسؤولية وتحملها للموظفين “المهملين” أو “المقصّرين”.
الزبائن بانتظار إنجاز معاملاتهم في “ليبان بوست”
وبحسب المعلومات المتداولة بين عدد من موظفي الشركة، فإن إدارة ليبان بوست أوعزت إلى الموظفين بضرورة جمع مبلغ 40 ألف دولار لجمعية حماية، وأن المكاتب التي تجمع مبالغ أكبر ستحصل على مكافآت مالية.
اللافت، وفق الصحيفة، أن العلاقة بين “حماية” و”ليبان بوست” ليست جديدة. فعلى سبيل المثال، أطلقت الشركة قبل سنوات مبادرة “رسالتك إلى بابا نويل” وقد تبيّن من البيان الذي وزّعته الشركة أن “ليبان بوست تعهدت بالتبرّع بالأرباح التي ستحققها من بيع هذه البطاقات إلى حماية”. يومها، صرّحت الجمعية بأن “استمرارية عملنا تعتمد على التبرعات السخيّة التي تقوم بها شركات مثل ليبان بوست عبر بذل كل ما في وسعها للمساعدة”.
بين “حماية و”ليبان بوست”.. صلة قُربى
هذه الجمعية التي تدعى “حماية”، لديها صلة وصل قويّة مع ليبان بوست، إذ هناك صلة قرابة بين زوجه المدير العام لليبان بوست خليل داوود ورئيسة الجمعية فيفيان دبّاس. وبحسب السيرة الذاتية لأعضاء هذه الجمعية، فإن رئيستها هي زوجة رجل الأعمال روبير دبّاس، ومعها المستشار المالي والاستراتيجي جو صدّي، الذي تربطه علاقة قويّة بمالك الشركة نجيب ميقاتي وهو الذي أعدّ خطّة انتقال أسهم ميقاتي في «ليبان بوست» إلى ملكية ماريو سرادار مقابل إدخال ميقاتي في ملكية بنك الشرق الأدنى التجاري، وهو يمثّله حالياً في مجلس إدارة المجموعة المندمجة بين الشرق الأدنى التجاري وبنك الصناعة والعمل.
ويشمل مجلس إدارة الجمعية رئيس مجلس شورى الدولة شكري صادر، ورجل الأعمال سامي نادر، وزوجة رئيس الحكومة لمى سلام.
“تقول الشركة على موقعها الإلكتروني إن معدّل المعاملات الحكومية، التي تعالجها سنوياً، يبلغ 8 ملايين معاملة تشمل عشرات الخدمات التي تقدّمها الإدارات الرسمية مثل السجل العدلي، رسوم تسجيل الجامعة اللبنانية والتعليم العالي والمهني وإفادات من المديرية العامة للتربية، تجديد رخص السوق وبدل عن ضائع ورسوم السير السنوية، وبراءات ذمة من الضمان الاجتماعي للسيارات العمومية والشحن والأوتوبيس. بالإضافة إلى خدمات تتعلق بمديرية التعبئة في قيادة الجيش، ومعاملات في وزارة الصحة، وفي وزارة الطاقة ووزارة الخارجية، والكمّ الأكبر من المعاملات مع وزارة المال من تصاريح مالية وضريبية مختلفة”.
وختمت “الأخبار” “لا حاجة لاستحضار الخيال لمعرفة حجم الإيصالات الصادرة مقابل كل خدمة، وخصوصاً أن هناك الكثير من الخدمات الاحتكارية التي تقدّمها ليبان بوست ولا يمكن إجراؤها في الإدارة الرسمية مباشرة مثل الإقامة للعاملات في الخدمة المنزلية، ورسوم الجامعة اللبنانية. مصادر في الجامعة تقول إن ليبان بوست كانت تجمع قبل إثارة الحادثة، لحساب جمعية “حماية”، مبلغ 500 ألف ليرة يومياً من معاملات تسجيل الطلاب”.