هكذا تؤجج وسائل التواصل النزاع في الكيان المؤقت
موقع الخنادق-
ضحى حمادي:
تمارس وسائل التواصل الاجتماعي علم النفس الاجتماعي لمستخدميها داخل المجتمع الإسرائيلي، وتعمل على تنشيط الخوارزميات التي تعطي الأولوية للمحتوى الذي يردد صدى آراء هذا المجتمع، ويمنع التعرض المتنوع الذي يعكس تعددية الآراء الحالية. وبهذه الطريقة، تنشئ هذه الوسائل “صندوق رنين” يعرض مستخدميها للمعلومات التي تؤكد نفس المعتقدات القائمة داخل المجتمع المعارض للحكومة الإسرائيلية الحالية، وتقوي الترسيخ في الموقف والتمايز عن المواقف المختلفة. يؤثر الاستخدام المتكرر لوسائل التواصل الاجتماعي والطبيعة العنيفة لمحتواها على اختيارات المستخدمين الإسرائليين وطرق تعبيرهم داخل الشارع الإسرائيلي، والتي قد تؤثر، خاصة بين الشباب في سن المراهقة، على تشكيل المشهد الاجتماعي والسياسي داخل الكيان المؤقت.[1]
في دراسة استقصائية فحصت مواقف الجمهور فيما يتعلق بتأثير الشبكات الاجتماعية على الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي[2]، يعتقد حوالي 60% من الإسرائيليين أن وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في الاستقطاب. ووفقًا للبيانات الواردة توضح أنه على مر السنين، أصبحت هذه الوسائل أكثر من مجرد انعكاس محايد لجميع مستخدميها؛ إن الجمع بين إمكانية الوصول إليها مع عدم وجود حدود أخلاقية وقوانين متماسكة، حوّلها إلى مساحات ذات إمكانية إنتاج محتوى متفجر داخل الكيان الإسرائيلي، والذي لا يعكس المجتمع فحسب، بل يشكله أيضًا. إن انتشار وشدة المحتوى المتفجر على وسائل التواصل الاجتماعي يقسم المجتمع ويزيد المسافة بين القطبين، إذ يفاقم العزلة والنفور من كل جانب تجاه الآخر بمزيد من المحتوى التحريضي والهجومي.
وفي هذا التقرير، إطار نظري لدور الوسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج النزاع داخل الكيان المؤقت، وزيادة النفور والشرخ بين شرائح ومكونات المجتمع الإسرائيلي المنقسم بين المؤيّد لحكومة نتنياهو والرافض لها.
إحصاءات حول استخدام المجتمع الإسرائيلي لوسائل التواصل الاجتماعي
يستخدم المجتمع الإسرائيلي من مختلف الفئات العمرية ومن مختلف الشرائح وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط. بحسب بيانات جمعية الإنترنت الإسرائيلي[3]، والتي قامت بمسح عام 2022 لنطاق استخدام الجمهور الإسرائيلي لوسائل التواصل الإجتماعي والخدمات عبر الإنترنت، تبيّن أن 83% من السكان الإسرائيليين يستخدمون السوشال ميديا بشكل متكرر ويومي. وفي مسح آخر أجرته جمعية الإنترنت الإسرائيلي فيما يتعلق باستخدامات واتجاهات المراهقين في “إسرائيل” على الشاشات (كمبيوتر، تلفزيون، أجهزة ذكية) (لا تشمل العمل أو الدراسة)، وفق مجموعة متنوعة من الخصائص الديموغرافية[4]، تبيّن أن معظم الشباب (53%) يقضي ما بين 2 و 6 ساعات أمام الشاشات. حوالي ربعهم يقضون ما بين 6 و 8 ساعات. 54% من الشباب في المجتمع اليهودي العلماني، و 51% من السكان اليهود التقليديين و 41% من سكان اليهود المتدينين. من ناحية أخرى، يبلغ 11% من الشباب في المجتمع اليهودي العلماني أكثر من 8 ساعات في اليوم، مقارنة بـ 15% من السكان اليهود التقليديين، و 5.5% من سكان اليهود المتدينين. ويقدر 45.5 % من الشباب أنه خلال الإجازات، زاد استخدام الشاشة بأكثر من ساعتين، خاصة في السن (15-18). وعندما طُلب من الشباب في “إسرائيل” ترتيب أهم أربعة تطبيقات لهم، وضعوا WhatsApp و Instagram في المرتبة الأولى، تلاهم مباشرة YouTube و Tiktok.
وبالنسبة لتجربة استخدام المنصات، في استطلاع أجري بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 21 عامًا ، وجد أن 70% منهم يشهدون بأن وسائل التواصل الاجتماعي تجعلهم يشعرون بالقلق والتوتر والاكتئاب.[5]
تحليل البيانات الإحصائية وعلاقتها بالنزاع الداخلي للكيان
بناءًا على الاحصاءات المذكورة أعلاه، وبناءًا على التحليلات العبرية التي تؤكد أن المجتمع اليساري والوسطي والذي يضم أكبر نسبة من العلمانيين هم من النسبة الأكبر من المحتجين داخل الكيان[6]، وهم أكبر نسبة من المنغمسين في وسائل التواصل الإجتماعي والذين يقضون أكثر من 8 ساعات يوميًا على الشاشة، وبناءًا على نظرية الفيلسوف التكنولوجي تريستان هاريس الذي أكّد أن كل ما زاد المحتوى التحريضي والإهانة والتحدي والغضب على صفحات التواصل الاجتماعي، زادت القدرة التفجيرية داخل المجتمعات وزاد انتشارها[7]، فيمكننا القول أن الفئة المحتجة داخل الكيان هم من المتأثرين في السوشال ميديا والتي تقوم الأخيرة بتأجيج هذه الفئة وإثارة مخاوفها من مستقبل “إسرائيل” في ظل حكومة نتنياهو و أيضًا تقوم بتفجير الوضع الداخلي وبزيادة الانقسام وأعمال العنف والمواجهة.
ووفقًا لعالم النفس الاجتماعي جوناثان هايت، “إن السهولة التي يمكن من خلالها لمستخدمي وسائل التواصل التعبير عن الانتقادات الحادة دون تقديم دليل يزيد من ردود الفعل المتطرفة”. ووفقًا لهايت: كلما كانت ردود الفعل متطرفة ومفترسة على السوشال ميديا، كلما سيطرت هذه الفئة على المحادثات الافتراضية” و بالتالي ستزيد سيطرتها في العالم الواقعي. يسمي هايت هذا “الغباء الهيكلي”: على الرغم من أن 7-8% فقط من إجمالي السكان لديهم وجهات النظر الأكثر تطرفاً من كل جانب (على سبيل المثال، 7% يمين المتطرف و 7% يسار أقصى)، فإن الجمهور سيشهد وجهات النظر المتطرفة بشدة. ينشأ “الغباء الهيكلي” عندما يؤدي التطرف الأقلية إلى إسكات الأشخاص الأذكياء والمتعلمين والمعتدلين، سواء في ردود الفعل التحريضية أو في نجاح ردود الفعل هذه بين المستخدمين الآخرين، الذين ينجذبون إلى الاستفزاز والانفجار المحتوى حسب هايت. هذه هي الطريقة التي تنتج بها وسائل التواصل ثقافة المحتوى المتطرف والذي بدوره يؤثر على الواقع المتأزم داخل الكيان.[8]
أظهرت دراسة عالمية أجراها مركز PEW للأبحاث[9] أن 29% من الإسرائيليين يعتقدون أن الشبكات الاجتماعية لديها القدرة على تغيير المواقف السياسية لمستخدميها وعندما سُئل الإسرائيليون عن مساهمة الشبكات الاجتماعية في الاختلافات السياسية في البلاد، أجاب 57% منهم أن الشبكات تساهم في الاختلافات السياسية. وفي بحث أجراه الدكتور روي ليفي بعنوان وسائل التواصل الاجتماعي واستهلاك الأخبار والاستقطاب: دليل من تجربة ميدانية[10]، يظهر أن الشبكات الاجتماعية تنتج استقطابًا عاطفيًا، يؤدي إلى كراهية الطرف الآخر، ويؤكد على عناصر “نحن ضد الآخر”، من خلال تعزيز الصور النمطية السلبية وتقديمها على أنها نموذجية لمجموعة “الآخرين”. أي أن الشبكات لن تجعل شخصًا من المعسكر اليساري، على سبيل المثال، ينتقل إلى اليمين في آرائه، بل بالأحرى أن يتعمق في مواقفه اليسارية، بل ويطور العزلة والعداء تجاه معسكر اليمين. وهذا ما يحصل واقعيًا داخل المجتمع الإسرائيلي.
السوشال ميديا والأمن القومي الإسرائيلي
في دراسة حديثة صدرت عن مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تحت عنوان “الإشراف على شبكات التواصل الإجتماعي في إسرائيل – كيف؟[11]، توضح أن هناك أثر سلبي وكبير للشبكات الإجتماعية على الأمن القومي الإسرائيلي، إذ أنها “تزيد من العزلة والاستقطاب في المجتمع بل وتهدد الأمن القومي والقدرة على الصمود”. وشرحت الدراسة أن الروبوتات والمتصيدون المحترفون يعملون على تعميق الانقسامات الاجتماعية القائمة وإضعاف قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود. وتضع هذه الدراسة خطة لتقييد الخطاب على الشبكات الاجتماعية ومراقبته، بهدف التأثير على الحكومة القادمة للعمل من أجل تنظيم ما يحدث. الأمر الذي يدّل على مدى خطورة دور هذه الشبكات في تأجيج الوضع الداخلي للكيان المؤقت.