هذا ما ينتظر سوريا بعد التجديد للأسد
بفوزه بولاية ثالثة، حقّق الرئيس االسوري بشّار الأسد نجاحاً إضافياً مهمّاً في المعركة السياسية–الإعلامية التي يخوضها، مع من يدعمه من قوى حليفة، ضد “المعارضات” المختلفة، ومن يقف وراءها. وتأتي هذه الضربة المعنوية التي وجّهها للمعارضة السورية ولمختلف القوى المناهضة لحكمه، والتي أجاد النظام تسويقها إعلامياً، غداة الضربات العسكرية التي ألحقها بخصومه على مدى الأشهر الماضية. فما الذي ينتظر سوريا بعد إنتخابات التجديد؟
من الناحية السياسيّة، كان المعارضون يأملون في الماضي القريب أن تؤمّن الضغوط الدولية على دمشق، تسوية ما تقضي بعدم إستمرار الرئيس الأسد في الحكم بعد إنتهاء ولايته. لكن النظام الذي واجه هذا البند بحزم في مفاوضات جنيف الأمر الذي أسفر عن فشلها، سحب اليوم هذه الورقة كلّياً من على طاولة أي مفاوضات مقبلة محتملة ولو بنسبة ضئيلة. فعدم التجديد عند إنتهاء ولاية شيء، والتنحّي عن السلطة في خضم ولاية قائمة، شيء آخر يتطلّب ضغوطاً أكبر بكثير. ولا شكّ أنّ حملات المقاطعة العربيّة والغربيّة للنظام، ورفض أكثرية الدول الإعتراف بنتائج الإنتخابات السورية الأخيرة، يُشكّل عامل ضغط على النظام السوري، لكنه لن يُحدث أيّ تأثير في مجريات الأحداث، طالما أنّ دمشق تلقى دعماً سياسياً ومعنوياً كبيراً، لا سيّما من إيران بما تُمثّل من ثقل إقليمي، وكذلك من روسيا بما تمثّل من ثقل عالمي. وبالتالي، لا تغيير مُرتقب بالإنقسام السياسي العمودي القائم حالياً، بالنسبة إلى الجهات الداعمة وتلك المعارضة للنظام السوري، مع تسجيل تراجع أكيد لفرص إنعقاد جولة مفاوضات جديدة في المستقبل القريب.
من الناحية العسكرية، نجح الجيش السوري في الوقوف بوجه مقاتلي المعارضة، وإنتقل من وضعيّة الدفاع إلى وضعيّة الهجوم على الأغلبية الساحقة من جبهات القتال. وهذا الأمر تمّ نتيجة إستمرار الدعم الروسي بالسلاح والعتاد، والدعم الإيراني بالمال، في مقابل ضُعف الدعم العسكري للمعارضة والإقتتال الداخلي الذي لحق بها. كما كان للمجموعات القتالية غير السوريّة والتي تتكّون من وحدات صغيرة من “الحرس الثوري الإيراني”، ومن لواء “أبو الفضل العباس” العراقي، ومن وحدات من “حزب الله”، دور مهمّ في تغيير موازين القوى العسكريّة على الأرض، إضافة إلى نجاح سياسة تدريب العديد من الشبان والرجال الموثوق بإنتمائهم، إن بسبب الروابط المذهبيّة أو بسبب القناعة السياسية، الأمر الذي شكّل مظلّة أمنيّة إضافية للنظام في العديد من المناطق الساخنة. وعلى الرغم من إعتماد المعارضة السورية تكتيك حفر الأنفاق، لتفجير مواقع قوات النظام، فإنّ لا قدرة لهذه المعارضة، وفق المعطيات الحالية، على إحداث أيّ تغيير ميداني مهمّ، وإن كانت الهجمات الإنتحارية والعبوات الناسفة التي تستخدمها، تُلحق خسائر بشريّة كبيرة. وبالتالي، يُنتظر أن يُحافظ الجيش السوري الذي يعتمد سياسة “الأرض المحروقة” مُلحقاً دماراً هائلاً بالمناطق التي يُهاجمها، على وتيرة الضغط العسكري المُتواصل على مواقع المعارضة، على أمل كسب المزيد من المساحات الجغرافية. وما لم يتم الوفاء بالوعود الغربيّة الكثيرة بمدّ المعارضة بأسلحة نوعيّة ثقيلة، فإنّ القدرات القتالية لمختلف وحداتها ستبقى محدودة، مع ما يُشكّل هذا الواقع من عجز على قلب موازين القوى على أي جبهة. وأقصى ما يمكن أن تأمله هو الحفاظ على سياسة الإستنزاف التي تتبعها حالياً ضد النظام والقوى الحليفة التي تقاتل إلى جانبه. ولا شك أنّ عدم حسم الواقع الأمني المتفجّر، سيُبقِي سوريا تحت وطأة الضغوط الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة والإجتماعيّة كافة في المستقبل القريب، مع ما لهذه الضغوط من إرتدادات سلبيّة كبيرة مستمرّة على دول الجوار، وفي طليعتها لبنان.
ويمكن القول، إنّ كسب ورقة الإنتخابات الرئاسية من قبل النظام السوري، بغضّ النظر عمّا سبقها ورافقها وسيَلِيها من تشكيك وعدم إعتراف، سيطيل الأزمة في سوريا أكثر فأكثر، إلى حين الوصول إلى مرحلة إقليمية ودولية مختلفة، تُطوى معها مرحلة الإستنزاف الحالي، لفتح صفحة جديدة، على أمل الوصول إلى تسوية فعليّة وحقيقيّة شاملة، طالما أنّ مسألة الحسم العسكري الجدّي والنهائيّ مستبعدة، من قبل أيّ من طرفي النزاع، حتى إشعار آخر.
ناجي س. البستاني – موقع النشرة الإخباري