هدف الصواريخ استدراج «حزب الله» إلى حرب إسرائيلية؟… تفجيرات الضاحية وطرابلس: لغز مصدر السيارات المفخخة
صحيفة السفير اللبنانية ـ
جعفر العطار :
كشفت مصادر أمنية مطلعة لـ«السفير»، عن معلومات «موثقة» تتعلق بتطورات التحقيقات بتفجيرات الضاحية والشمال، تؤكد أن سيارة الـ«كيا» التي تم تفجيرها في بئر العبد، لم تُسرق في خلدة قبل ساعات من تفخيخها، كما تردد، بل كانت موجودة في دولة عربية قبل انفجارها.
تستند المعلومات إلى معطيات تقنية، فضلاً عن جواب شركة «كيا»، التي أبلغت الأجهزة الأمنية المعنية أخيراً، أن الرقم المتسلسل لهيكل السيارة المسروقة لم يتطابق مع الرقم المتسلسل للسيارة المفخخة: «نحن لا نصدّر هذا الطراز إلى لبنان، بل إلى دولة عربية واحدة»، أكدت الشركة للمعنيين في الأمن، موضحة أن محرّك السيارة صيني، استناداً إلى «الكف الالكتروني».
المعنيون في التحقيقات بتفجيرات الضاحية والشمال، يعملون على ربط قواسم مشتركة بين مصادر السيارات التي تم تفخيخها وأساليب تفجيرها. ويكشف مصدر أمني مطّلع لـ«السفير» عن معلومة مفادها أن الشخص الأخير الذي اشترى سيارة الـ«فورد» (انفجرت أمام مسجد السلام في طرابلس)، هو ذاته من اشترى السيارة التي انفجرت قبالة مسجد التقوى.
وفي حين تم التعرّف إلى الهوية الكاملة للرجل الذي ابتاع السيارة الرباعية الدفع (يُرجّح أنها من نوع «جي.أم.سي- إنفوي») والـ«فورد» (موديل 1997، اشتراها من شخص من عائلة ش. بخمسة آلاف و800 دولار)، إلا أن المعضلة الأساس تكمن في التعرّف إلى الشخص الأخير الذي اشترى سيارة الـ«بي.أم» التي انفجرت في الرويس.
يوضح مطّلعون في جهاز أمني محترف، أن اللغز الأساس يتجلى في الجواب عن سؤال واحد: من اشترى سيارة الـ«بي.أم» من ح.ط. المطلوب بمذكرات توقيف والمتحصن في إحدى البلدات، والذي لم يتمكن أي جهاز أمني رسمي من استجوابه، بل تم «التحقيق» معه من جانب جهة سياسية.
أحد سجناء «رومية»، الذي حصل على سيارة الـ«ب.أم» بطريقة غير شرعية، هو من دلّ على ح.ط.، مؤكداً أنه من اشترى السيارة أخيراً. وبما أن المحققين توصّلوا إلى خيوط «موثقة» في شأن السيارات الثلاث التي انفجرت في بئر العبد وطرابلس، فهم يبحثون عن الشخص الأخير الذي استلم السيارة من ح.ط.، كي تتضح الصورة بشكل يقود إلى خلاصة نهائية، إذ إن المعطيات الأولية لدى الضباط المعنيين، تفيد باحتمال غير بعيد أن يكون الشخص الذي اشترى سيارتي طرابلس، هو ذاته من ابتاع سيارتي الضاحية: «بما أن المعنيين في جهة سياسية – أمنية قد تعرّفوا فعلاً إلى هوية مشتري السيارة التي تم تفخيخها في الرويس كما تردد، فلماذا إذاً لم يُطلب منّا أو من باقي الأجهزة الأمنية اعتقاله، أو بالحد الأدنى إبلاغنا باسمه؟»، يسأل معنيون في التحقيقات.
وعلى الرغم من وجود «تفاصيل» أولية، وفق مصادر مطّلعة، عن هوية الشخص الأخير (غير لبناني) الذي اشترى الـ«بي.أم» من ح.ط.، لكن إثباتها يحتاج إلى «أدلة تقنية». وفي حال تم تأكيدها، يقول المعنيون، فإن الرابط بين التفجيرات الأربعة سيبدو «واضحاً».
أما أسلوب التفجير، فبدا مؤكداً للمعنيين أخيراً، أنه نفذ عبر ساعة توقيت (timer) في التفجيرات الأربعة، وليس من خلال جهاز تفجير عن بُعد. وتقول مصادر مطّلعة إن «التفجير عن بعد، لو استخدم في طرابلس، كان سيؤدي إلى وقوع مجازر تفوق المجزرة التي وقعت، إذ باستطاعة المفجّر انتظار خروج المصلّين من المسجدين، والتفجير حينها».
لكن اعتماد ساعة التوقيت في التفجيرات الأربعة، خصوصاً في طرابلس، يدلّ على أن المنفذ يعرف المنطقة بصورة واسعة. ويقول مصدر قضائي لـ«السفير» إن الانفجار قبالة مسجد التقوى حصل قبل 7 دقائق من انفجار السيارة أمام مسجد السلام، لأن المنفذ يعرف أن الشيخ سالم الرافعي ينهي خطبة يوم الجمعة قبل الشيخ بلال بارودي.
وكان المنفذ قد ضبط ساعة توقيت التفجير بالتزامن مع الموعد المفترض لخروج المصلّين من المسجد، غير أن الرافعي تأخر في خطبته بسبب انقطاع التيار الكهربائي، ثم انفجرت السيارة قبل خروج المصلّين.
وفيما يرفض الضباط المعنيون التوغل في التحليل السياسي انطلاقاً من المعلومات المتوافرة لديهم، لكنهم يؤكدون أن «ما حدث في طرابلس هدفه إشعال فتنة مذهبية، استكمالاً لتفجيري الضاحية».
وعلى الرغم من توجيه «فرع المعلومات» أصابع الاتهام للمخابرات السورية بانفجاري الشمال، لكن ثمة «قناعة لدينا أن أي جهة سياسية لبنانية نافذة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالتفجيرين. وتجربة المملوك – سماحة دليل واضح أن إحدى الجهات الحزبية، الحليفة لسوريا، لم تكن حتى على علم بما كان مخططاً تنفيذه في الشمال»، يقول مرجع في الفرع لـ«السفير».
لا قرار من «القاعدة»؟
تظهر التحقيقات الأمنية لدى أجهزة رسمية معنية، «رسماً تشبيهياً» لمنفذي التفجيرات عبر السيارات المفخخة من جهة، ومطلقي الصواريخ على الضاحية واليرزة وفلسطين المحتلة وزرع العبوات «الصغيرة» على طريق البقاع، من جهة ثانية: «منفذو السيارات المفخخة يرتبطون بجهات استخباراتية دولية، بينما الأعمال الإرهابية التي لجأت إلى إطلاق الصواريخ وزرع العبوات، تتولاها مجموعات فردية».
وفيما يتردد بعد وقوع كل انفجار أن تنظيم «القاعدة» أوعز إلى صفوفه في لبنان تنفيذ أعمال إرهابية، تشكك مصادر أمنية واسعة الاطلاع بالأمر، مستندة إلى معطيات عدة، أبرزها يعتبر القاعدة أن معركته الأساسية حالياً في سوريا، وبالتالي فهو يحتاج إلى لبنان كمعبر وملجأ للمقاتلين. وبذلك، فإن الخضات الأمنية الإرهابية ستقوّضه وتحاصر حركة مقاتليه في لبنان وسيصبحون ملاحقين من الأجهزة الأمنية.
لكن «الكارثة الحقيقية»، وفق مصادر أمنية وثيقة الصلة بملف «القاعدة»، تتجلى حين يتخذ «القاعدة» قراراً مركزياً موحداً يقضي بتحويل لبنان إلى «ساحة جهاد»: «هؤلاء لا يلجأون إلى ركن السيارات المفخخة على جوانب الطرق، بل ينتحرون لأسباب دينية مفبركة. ولو فعلاً اتخذ القرار المركزي في شأن لبنان، لكنا سنسمع كل يوم عن انتحاري هنا وهناك».
وتخوّف الضباط المعنيون من تكرار تجربة شاكر العبسي، الذي تم اكتشاف مكانه في مخيم عين الحلوة بعد مرور ثلاثة أشهر عن خبر هروبه إلى سوريا اثر انتهاء معارك «فتح الإسلام» في الشمال في العام 2007. «الغريب في الموضوع حالياً، أن الأجهزة الأمنية لم تعد تعمل بروح جماعية غير سياسية، مثلما كانت تفعل خلال معارك نهر البارد، إذ حينها كنا نجتمع يومياً، وبصورة مكثفة وموحّدة».
وأوضح الضباط أن التركيبة الديموغرافية في لبنان تشكل عنصراً مساعداً لتنقّل الإرهابيين، إذ توجد مربعات وبؤر أمنية، لبنانية وغير لبنانية، يصعب على الأجهزة الأمنية اختراقها بالمستوى المطلوب.
وتكشف مصادر في أجهزة أمنية رسمية لـ«السفير»، عن معلومات مفادها أن الصواريخ التي أطلقت على الضاحية واليرزة، تحمل «بصمات» أمنية مشابهة للصواريخ التي أطلقت على «إسرائيل»، وهي تعود إلى مجموعات فردية منظمة، لكنها لا ترتبط بقرار من «القاعدة».
وأوضحت المصادر أن الهدف من إطلاق الصواريخ من صور أخيراً باتجاه «إسرائيل»، هو «استنتاج ساذج لدى جهات أصولية، مفاده أن استهداف الأراضي المحتلة من شأنه توريط «حزب الله» بمعركة إسرائيلية»، مشيرة إلى أن «المجموعات المتطرفة التي سبق وقبضنا عليها بالتهمة ذاتها في العام 2007، قالت في التحقيقات إنها أرادت استدراج الحزب إلى حرب مع إسرائيل»،
إذ تستفيد المجموعات الأصولية من نشوء حرب إسرائيلية في لبنان، لأنها تسهّل حركة مرورها وانتقالها وتدريبها، في ظل أجواء أمنية «فوضوية». واستشهد الضباط المعنيون بتجربة «فتح الإسلام»، التي تسلّلت إلى لبنان خلال حرب تموز 2006، مستفيدة من تركيز الجهات الأمنية الرسمية «جهودها» الاستعلامية على الحرب الإسرائيلية.
ولولا المصادفة لما كانت الأجهزة الأمنية اللبنانية قد تعرّفت إلى تنظيم متطرف اسمه «فتح الإسلام» بعد مرور عام على تشكيله في لبنان، إذ حدث ذلك في العام 2007 حين وقع إشكال في مخيم البداوي بين أفراد من التنظيم واللجنة الأمنية في المخيم.
وعلى الرغم من وجود ارتباطات متأثرة بنهج «القاعدة» وغير منضوية في التنظيم، لكن «طبيعة» الأعمال الإرهابية التي نفذت في لبنان أخيراً، من إطلاق صواريخ وزرع وتحضير عبوات، فإنها مدرجة في خانة «التصرّفات» الفردية التي تفتقر إلى التنظيم والتدريب، وذلك استناداً إلى نتائج التحقيقات في شأن عمليات إرهابية عدة، أبرزها اعترافات المجموعة التي أوقفها «فرع المعلومات» في الطريق الجديدة، والتي تفيد معلومات «السفير» بأنها كانت تخطط لاستهداف الضاحية عبر سيارات مفخخة، وقامت باستئجار مستودع لتجميع العبوات قبل انكشاف أمرها وتوقيف عناصرها.
التحقيقات مع أفراد المجموعة المؤلفة من ثلاثة أشخاص التي يتزعمها غ.ص.، أفضت إلى النتيجة التالية: «نحن أردنا تنفيذ أعمال ثأرية في الضاحية. وقمنا بتحضير الأدوات المطلوبة انطلاقاً من جهود فردية، ولا نتبع لأي تنظيم»، قال أفراد المجموعة للمحققين في الفرع.
الأمر ذاته تكرر مع «شبكة داريا» التي أوقفها الجيش، وبيّنت التحقيقات أن المنفذين يفتقرون إلى الاحتراف والتدريب، مثلما يفتقر مطلقو الصواريخ على اليرزة والضاحية إلى التدريب اللازم.
بذلك، يُطرح سؤال أساسي بدا من الصعب الحصول على جواب واضح في شأنه: هل تستطيع الأجهزة الأمنية اللبنانية، التي تعمل على ملاحقة الإرهابيين بعد وقوع التفجيرات، أن تنجح في تنفيذ إجراءات وقائية تستبق «استيقاظ» المجموعات التي تنتظر «الضوء الأخضر» من «القاعدة»؟