نظام عالمي جديد والمقاومة أحد أقطابه
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
كما شكل سقوط جدار برلين رمزًا لنهاية الحرب الباردة ومنطلقًا لنظام عالمي جديد أحادي القطب تتزعمه أمريكا بلا منازع، يمكننا القول إن الاعتراف الروسي باستقلال جمهوريتي دونباس، وما أحيط بالخطوة من سياسات واصطفافات، هو رمز لتشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
والمتابع لخطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي ختمه بإعلان الاعتراف باستقلال الجمهوريتين، يرصد تلخيصًا بليغًا لممارسات الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، ويرصد توصيفًا دقيقًا للسياسات التي لا ترحم الضعيف مهما كانت عدالة قضيته ولا تحترم إلا القوي الذي يمتلك الردع والشجاعة.
إن من أهم مميزات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معرفته الجيدة بكيفية التعاطي مع الغرب، ولذلك ليس غريبًا أن يصبح صديقًا لمحور المقاومة حتى لو لم يتطابق معه، وليس بعيدًا عن الواقع أن تكون هناك جبهات مشتركة يقف بها الروس مع المقاومة في مواجهة نفس العدو الأميركي.
والراصد للمناخ الدولي يلحظ أن الأزمة اتخذت عنوانًا سطحيًا لا يعبر عن حقيقتها وهو “الأزمة الروسية – الأوكرانية”، بينما من الواضح أن العنوان الحقيقي للاصطفافات والدعايات هو “الأزمة الأمريكية في السعي للحفاظ على الهيمنة” بعد التراجع الأمريكي وتشكل أقطاب جديدة قادرة على نزع أنياب الذئب الأمريكي القابضة على معظم الملفات الجيوستراتيجية بالعالم.
وهنا يمكننا رصد بعض الملاحظات التي نراها معبرة عن تدرج بعض الأمور والراسمة لمستقبلها القريب المتوقع:
1- فشل أمريكا في حل معظم الصراعات الدولية بعد انفرادها بالسيطرة على العالم، نزع منها أقنعة الديمقراطية والسلام التي كانت من أهم دعاياتها في حربها الباردة، وأبرز وجهها الحقيقي في الغزو وتأجيج الصراعات وحروب الوكالة في البقاع المختلفة من العالم، وشكل هذا أول الوهن في إمبراطورية كبيرة خلقت لنفسها ثارات وضغائن لدى الشعوب.
2- شكلت الدول المقاومة والتي وصفتها أمريكا بـ”الدول المارقة”، وحركات المقاومة الحقيقية التي وصفتها أمريكا بـ”الإرهاب”، نواة مقاومة كبرى للهيمنة، وشكل التعاون بين هذه الدول والحركات زخمًا مضافًا، عجل بالتراجع الأمريكي وهزيمة مشروع السيطرة الكامل والذي جرى على قدم وساق بالتعاون مع ذيول أمريكا وعلى رأسهم العدو الإسرائيلي ودول الخليج.
3- لا نجازف عندما نقول إن روسيا التي حاولت بناء قوتها واستعادة وضعها العالمي كوريث لقوة عظمى، وكذلك الصين القافزة لاعتلاء العرش الاقتصادي، قد تشجعتا ونجحتا بفضل صمود الثورة الاسلامية في ايران والمقاومة الاسلامية في لبنان ومقاومة وصمود الشعب الفلسطيني ودول المناهَضة للاستعمار في فنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وأنظمة أمريكا اللاتينية المقاومة.
فلو تخيلنا غياب المقاومة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فإن الوضع كان سيتحول لسيطرة أمريكية كاملة على آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، وسيطرة تامة على طرق التجارة ومنافذ نقل الطاقة عبر وكلاء تابعين لأمريكا حصرًا، وهو ما يقطع الطريق على تشكل أي قطب منافس.
4- كما يشكل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان رمزًا كبيرًا للتراجع الإمبراطوري حيث كان غزوها رمزًا لعصر الانفراد والتمكن تحت عنوان “الحرب على الارهاب” ووضع موطئ قدم في محيط روسيا والصين الآسيوي ناهيك عن العربدة في أوروبا وضم دول المعسكر الشرقي للناتو.
الخطوة الروسية التي أوقفت بها روسيا هذا التمدد عبر القوة وشجاعة المواجهة وإعلان الاستعداد لخوض حرب عالمية جديدة، هي رمز نهاية هذه العربدة وإعلان صريح عن عودة التعددية القطبية.
وهنا يمكن استعراض بعض الشواهد الصريحة والتي ترقى لاعلانات رسمية عن تشكل النظام الجديد:
أولًا: زيارة الرئيس بوتين الأخيرة للصين في 4 فبراير الجاري، حيث وقع رئيسا روسيا والصين، فلاديمير بوتين، وشي جين بينغ، وثيقة مشتركة بين دولتيهما تحمل اسم “الإعلان المشترك بخصوص دخول العلاقات الدولية عهدا جديدا والتنمية المستدامة”. شددت روسيا والصين في الوثيقة المشتركة، على أن “العالم يمر الآن بتغيرات واسعة النطاق، وتدخل البشرية عهدًا جديدًا للتنمية السريعة والتغيرات واسعة النطاق”، بما يشمل عمليات وظواهر مثل تعددية الأقطاب والعولمة الاقتصادية وبناء المجتمع المعلوماتي والتنوع الثقافي وتغير منظومة الحوكمة العالمية والنظام العالمي.
ثانيًا: مؤتمر ميونخ للأمن والذي قاطعته روسيا، وجاء في خطابه الافتتاحي الذي ألقاه جوزيب بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ما يلي نصًا:
“بعد ثلاثين عاما من انتهاء الحرب الباردة، نواجه جهودًا حازمة لإعادة تحديد المبادئ الأساسية للنظام متعدد الأطراف. ستحدد نتيجة هذه الحرب ما إذا كانت “المكتسبات” المتعددة الأطراف في فترة ما بعد الحرب ستبقى قائمة، والتي تتمحور حول الأمم المتحدة والقانون الدولي والحقوق العالمية، أو ما إذا كان سيتم استبدال هذا بنظام قائم على القوة وتعدد الأقطاب”.
ثالثًا: المناورات الصينية – الروسية العسكرية المشتركة والمناورات الإيرانية – الروسية، والانفتاح الصيني – الإيراني، وكذلك تعمق الاصطفاف الروسي – السوري في مواجهة العربدة الإسرائيلية في الأجواء السورية.
وهي شواهد على اصطفافات النظام العالمي الجديد وتحالفاته والتي التقطها العدو الاسرائيلي بفزع، بينما لم تلتقطها فيما يبدو حتى الآن أنظمة التبعية والطفرة النفطية.
نحن أمام تشكل نظام عالمي جديد والمقاومة كما ساهمت في تشكله، فهي بلا شك ستكون طرفًا فاعلًا فيه، وقطبًا وازنًا من أقطابه.