نظام آل سعود أمام اختبار القرار ’الأقل مرارة’
بعيدا عن لغة التوقعات وبورصة التفاؤل والتشاؤم، ينعقد مؤتمر “جنيف – 2” اليمني على وقع طموحات متضاربة، بين اطراف الصراع. وايا كانت الوجهة التي ينحو اليها النظام السعودي، لم يعد بامكانه تجاهل مجموعة من الوقائع، باتت تظلل المؤتمر، وتلقي بثقلها على المنظومة الدولية والاقليمية بمن فيها النظام السعودي نفسه، خاصة بعد مضي نحو ثمانية اشهر على العدوان، رغم ما هو معروف عنه من مكابرة وسلوك مدفوع بالأحقاد.ويمكن تلخيص أبرز المستجدات التي يفترض أنها ستكون حاضرة لدى كل اطراف الحوار، كلٌّ من موقعه:
بلغ العدوان السعودي مرحلة من المراوحة الميدانية كشفت عجزه عن إحداث تغيير جذري في معادلات القوة، وتسمح له بفرض شروطه السياسية. وبدا أن هذه المراوحة باتت مكلفة للنظام السعودي على أكثر من صعيد، ويتوقع أن يكون لها مفاعيلها الداخلية ايضا.
فشل النظام السعودي وحلفاؤه، في اتخاذ عدن اساسا يمكن البناء عليه خاصة بعدما بدأت الفوضى تسيطر على المدينة التي كان يفترض أن تشكل العاصمة السياسية والعسكرية لقوة “التحرير”. خاصة بعد اتخاذها مقرا لسلطة عبد ربه منصور هادي. وانهارت بالتالي الامال التي كانت معقودة في حينه على أن تكون عدن منطلقا لتوسيع رقعة السيطرة وبسط النفوذ. وما فاقم من أزمة النظام السعودي أن السيطرة الكبرى في عدن باتت لتنظيمي القاعدة وداعش.. وعلى ذلك، لم يعد بالامكان القول إن عدن هي ورقة بيد النظام السعودي بقدر ما باتت ورقة بيد هذين التنظيمين.
الى ذلك، تمكن التنظيمان الارهابيان من السيطرة على محافظات ومدن عديدة وهكذا باتت رقعة سيطرتهما تشمل مناطق واسعة من اليمن الجنوبي. ونتيجة ذلك بدلا من أن تتحول السيطرة على اليمن الجنوبي لمصلحة التحالف السعودي، تحول لمصلحة القاعدة وداعش. تماما كما حصل في سوريا والعراق الامر الذي فاقم من تعقيدات الواقع الامني. ومما يعزز من مخاطر هذا الواقع كونه يأتي على الحدود السعودية التي باتت محاطة من أكثر من جهة بالتنظيمات الارهابية التي تضع المملكة على لائحة اهدافها الاستراتيجية.
هذا بالإضافة إلى فشل آل سعود في الدفاع عن حدودهم الجنوبية مع اليمن، ونجاح انصار الله والجيش اليمني في إحداث اختراقات عسكرية متوالية في المحافظات السعودية الحدودية الثلاثة مع اليمن: نجران وعسير وجيزان. بل تمكنوا ايضا من السيطرة على أكثر من موقع عسكري، وصولا الى تهديد مدينة نجران. وبات بامكان قوات انصار الله والجيش اليمني محاصرتها واحتلالها. ولا يخفى أن هذا التطور العسكري سيكون حاضرا بقوة في خلفية أي قرار تتخذه القيادة السعودية سواء باتجاه الحل أو التصعيد.. ففي كلا السيناريوهين سيكون لهذه المدينة، وغيرها من المناطق، حضورها في حسابات ترجيح أي من السيناريوهات.
لم تعد الاعباء المالية والاقتصادية التي تتكبدها السعودية مجرد تقدير أو معطى يمكن تجاوزه. بل باتت حاضرة في كل اجراء وقرار يتخذه النظام السعودي على مستوى اجراءات التقشف.. ويضاف اليه تراجع اسعار النفط التي تفاقم من الخسائر المالية السعودية. وهكذا باتت نتائج المخطط الذي التزم به النظام السعودي ترتد عليه بعدما كان يهدف الى اخضاع ايران وروسيا.
رغم أن القرار الغربي عامة، والاميركي خاصة ما زال ملتزما ثوابته لجهة مقاربة الساحة السورية، خاصة فيما يتعلق بالموقف من بقاء الرئيس الاسد على رأس النظام. إلا أن الاجواء الاخيرة التي سادت في اوروبا بعد اعتداءات باريس باتت تلقي بثقلها على النظام السعودي.. وهو ما برز في خروج اصوات من الداخل الاوروبي توجه اصبع الاتهام الى الرياض باعتبارها الداعمة للفكر التكفيري والارهابي.
وعلى ما تقدم، لم يعد بين الخيارات الفعلية والواقعية لآل سعود ما يجسد طموحاتهم التي كانون يراهنون عليها مع بدء العدوان، وانما بات عليهم القبول بخيارين كلاهما سيئ – مع اختلاف الدرجات-. وبعبارة اخرى بين الاستمرار في حرب باتوا يدركون أن أفقها لم يعد مفتوحا على احتمال النصر، وبين القبول بتسوية تراعي الثوابت اليمنية وتتلاءم مع حجم التضحيات . خاصة بعدما ثبت عدم قدرتهم على فرض مسار ثالث يمكّنهم من اخضاع اليمن.