نصّابون ينتحلون صفة عناصر في حزب الله
«خفنا نسأله أو نعترض على أسئلته، بلكي عمل لنا شي». هكذا يبدأ ضحايا سوريون بالحديث عن عمليات نصب تعرّضوا لها. هي ظاهرة «جرمية» جديدة بدأت تنمو في الضاحية الجنوبية لبيروت. حوادث بدأت الألسن تتناقلها، بمضمونِ واحد لكن بأسماء مختلفة. مجموعة نصابين، يُحصى عددهم على أصابع كف اليد الواحدة، ينتحلون صفة عناصر من حزب الله في الضاحية الجنوبية بهدف الاستيلاء على ما «تيسر» من نقود وأشياء ثمينة.
يروي الشاب السوري و .ع ما تعرض له، وأصدقاءه الأربعة، تحت جسر المطار بالقرب من مبنى بلدية الغبيري، وعلى بعد أمتارٍ من حاجزَي الأمن العام والجيش، بابتسامة عريضة لا تخلو من الخيبة: «الحمد لله ما كنت حامل مبلغ كبير، بس الشباب معي أكلوا الضرب».
اختار النصّاب، منتحل صفة عنصر في حزب الله، أن «ينصب» في عقر دار الأمن، في نقطة حساسة تقع بين حاجزين ومبنى بلدي.
النصّاب، شاب عشريني، يقود دراجة نارية، يرتدي سروالاً عسكرياً ويضع كوفية حول عنقه، أوقف سيارة ذات لوحة سورية (مسجّلة في محافظة السويداء)، كانت تمر صدفة من المنطقة المذكورة. اعترض النصّاب السيارة المذكورة، واجبرها على التوقف، ترجّل عن دراجته، وطلب من ركاب السيارة (الشبان الخمسة) اوراقهم الثبوتية، وسرعان ما تأكد أن الجميع سوريون، فسارع إلى سؤالهم: «مع النظام أو مع المسلحين؟». أراد الشاب من هذا السؤال ترهيب الضحايا، واستدراجهم إلى تسليم محفظاتهم واجهزتهم الخلوية بذريعة التدقيق والتفتيش.
لم ينفع انكار هؤلاء لأي علاقة لهم بالمسلحين في سوريا، واضطروا الى الامتثال خوفاً من رد فعله، ولا سيما انهم اعتقدوا ان النصّاب هو فعلاً من عناصر حزب الله. سلّموه أجهزتهم الخلوية ليبحث فيها عن «صور مشبوهة للمسلحين»، بحسب تعبيره. تمعن في الاجهزة ثم اعادها اليهم بعدما تبين له ان جميعها اجهزة قديمة واسعارها زهيدة. طلب المحفظات الشخصية لتفتيشها، رضخوا له معتقدين انه سيعيدها لهم كما الهواتف، الا انه استدار نحو نمرة السيارة الخلفية، كمن يدقق فيها اكثر. وسارع لركوب دراجته والفرار بالمحافظ وما فيها.
حاول الشبان السوريون الخمسة اللحاق به، لكن ازدحام السير حال دون ذلك. فتوجهوا نحو حاجز الجيش القريب من الحادثة، فكان الرد: «عوضكم ع الله».
فقد هؤلاء الأشخاص جرّاء هذه «النصبة» ما يقارب ستمئة دولار أميركي إضافة إلى أوراقهم الثبوتية.
لا تبدو عمليات «النصب» هذه منظّمة، بحسب التقديرات الامنية، وهي تختلف بين حادثة وأخرى، وبين ضحية وأخرى. الا ان هذه العمليات تزداد، وتستهدف النازحين السوريين تحديداً، وذلك بسبب عدم درايتهم الكافية بسلوكيات عناصر حزب الله من ناحية، وحذرهم الدائم في ما خص تحركاتهم في أماكن إقامتهم جراء الضغوطات التي يتعرضون لها من ناحية أخرى، الأمر الذي يجعل أي محاولة منهم للتشكيك في هوية «النصّاب» ذنباً لا يُغتفر، وهذا ما يفسّر انتحال النصابين صفة عناصر في حزب الله دون غيره، لما للحزب من «وهرة»، فضلاً عن ان سكان الضاحية الجنوبية يتجاوبون كثيراً مع عناصره.
يقول مصدر في حزب الله لـ «الأخبار»، إن هذه الحالات ما زالت في إطار «الحوادث الفردية» وليست «ظواهر»، ويوضح ان «انتحال الصفة» ليس أمراً جديداً، الا ان «الصفة المنتحلة تتغير بين حالة واخرى». في المقابل، رفض رئيس «اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية» محمد ضرغام التعليق على الموضوع معتبراً انه من مسؤولية القوى الأمنية.
في سياق عمليات النصب في الضاحية الجنوبية، افادت معلومات أمنية لـ«الأخبار» عن توقيف الجيش اللبناني شاباً في منطقة حي السلم، ينشط بعمليات فرض «خوّات» مالية على السوريين منتحلاً صفة حزبية أيضاً، وهي صفة حزب الله. وأظهرت نتائج التحقيقات الأولية أن الموقوف صدرت بحقه سابقاً ثلاث مذكرات توقيف بتهم أخرى، هي: ترويج المخدرات، ومحاولة قتل، وإطلاق نار.
هذا الموقوف يستغل ثقة أهالي المنطقة بعناصر حزب الله، بينما يفرض على السوريين المقيمين هناك الخوات مقابل حمايتهم وعدم التعرض لهم بالضرب أو ما شابه .
يشير مسؤول شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي المقدم جوزف مسلَّم إلى تسجيل 21 ادعاء على «انتحال صفة حزبية» خلال عام واحد، بينما تم توقيف 16 شخصاً منهم، وذلك في نطاق مخافر وتحري بعبدا والضاحية الجنوبية . ويؤكد في تصريح لـ«الأخبار» أن دافع هؤلاء الأشخاص هو «المال»، مستغلين «الأجانب المهمشين، الذين ليسوا من سكان المنطقة» لفرض نوع معين من السلطة والقوة.
فاطمة شقير – صحيفة الأخبار اللبنانية