نصيحة أميركية للبنان النفطي: احذ حذو «الجارة» إسرائيل
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
حسن شقراني:
بوتيرة متفاوتة تتقدم بلدان المشرق صوب استغلال ثرواتها الطبيعية في الحوض الشرقي للمتوسط. هي خطوات واثقة للبعض، مترددة لآخرين وتبدو مستحيلة للباقين. الأكيد أنّ استخراج الكنز في الأعماق يعدّ أساسيا لمستقبل البلدان/ الكيانات الخمسة التي تشكل هذا القطر.
الصراعات السياسية، النزاعات على الحقوق الجغرافية وضبابية الأوضاع الاقتصادية هي العوامل الثلاثة التي تحول حتّى الآن دون أن تنفجر ثروة الموارد الطبيعية في حوض شرق المتوسط رخاءً على البلاد التي تملكها. هذا على الاقل ما تراه هيئة إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقرير خاص (عن المنطقة وأفق موارد الطاقة فيها) نشرته الأسبوع الماضي. الكلام هو من وحي الاكتشافات الحديثة التي سجّلت في المنطقة أخيراً ومن وحي حالة الحروب القائمة.
تضم هذه المنطقة قبرص، إسرائيل، الأراضي الفلسطينية (!) الأردن، سوريا وطبعاً لبنان. والاخير يبدو حتّى الآن الأضعف في المعادلة المشرقية وفقاً لما يوحي به الخبراء الأميركيون. ينمو عدد سكان هذه المنطقة باطراد ليراوح بين 58 مليون نسمة و62 مليوناً بحلول عام 2030؛ ومع هذا النمو الديموغرافي الذي تُقدّر نسبته بـ38% سترتفع الحاجة إلى مصادر الطاقة، كما هو النمط عالمياً بكلّ الأحوال.
«من حسن الحظّ أنّه تم اكتشاف موارد طبيعية وفيرة، وتحديداً الغاز الطبيعي، في الحوض المشرقي إذ من شأنها أن تقلب المعادلة» يقول التقرير الأميركي. «تؤمّن هذه الاكتشافات الحاجة الضرورية المتمثلة بالطلب الإقليمي المتزايد وربما تحفز الصادرات».
على الرغم من أن التنقيب في المنطقة يعود 80 عاماً إلى الوراء ــ وتحديداً في سوريا بالتزامن مع النشاط المكثف في السعودية ــ إلا ان البلدين الوحيدين المنتجين للنفط والغاز حتى الآن هما إسرائيل وسوريا.
«أما لبنان، قبرص والأراضي الفلسطينية فهي بلدان لا تزال في طور الطفولة (الطاقوية)، غير أنها تعوّل على النجاحات المسجّلة في المنطقة لاستخراج مواردها الخاصة».
للدلالة على أهمية المنطقة على خريطة الغاز، يقول التقرير إنّ حقول الغاز، التي اكتشفت فيها خلال العقد الماضي، شكّلت أهم الاكتشافات في هذا القطاع. «معظم تلك الاكتشافات كانت في إسرائيل».
بالعودة إلى الوراء قليلاً يُمكن رصد بداية النشاط الإسرائيلي مع اكتشاف حقل نوح عام 1999 وصولاً إلى حقل ليفايثان الذي يبعد 125 كيلومتراً عن شواطئ فلسطين المحتلة ويكتنز 18 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. ويُمكن أن يحوي أيضاً 600 مليون برميل من النفط الخام. أما في قبرص فأبرز الاكتشافات كان حقل أفروديت الذي يُعتقد أنه يحوي 7 تريليونات قدم مكعب من الغاز. ومع استمرار عمل شركة «نوبل» ــ التي ترعى المسيرتين الإسرائيلية والقبرصية ــ تأمل نيقوسيا الوصول إلى موارد قد تبلغ 40 تريليون قدم مكعب.
اللافت هو إشارة التقرير إلى وجود الغاز في المنطقة الحدودية البحرية بين الأراضي الفلسطينية وإسرائيل (!) يُشير إلى أن الكميات التي يحويها قد تصل إلى تريليون قدم مكعب، وأنّ الطرفين ناقشا إمكانات التنقيب قبالة شواطئ غزّة في عام 2012 ولكنهما لم يتوصلا إلى أي اتفاقية.
إلى الشمال قليلاً، يذكّر معدّو التقرير بأنّ 46 شركة عالمية تأهلت للمشاركة في مناقصة التنقيب في لبنان، حيث تنتهي فترة تقديم العروض في تشرين الثاني المقبل على أن يتم توقيع العقد الاول في شباط 2014، بأمل بدء أعمال التطوير مطلع عام 2016. وتفيد التقديرات الأولية، التي يُعيد نشرها التقرير، بأنّ «هناك إمكانية لوجود مئات ملايين براميل النفط في المياه اللبنانية وقرابة 25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي».
عن سوريا يقول التقرير إنها لم تحدث بياناتها منذ تموز 2013، إلا أنه يذكر «قيام سوريا في نيسان 2013 بمشاورات مع الشركاء الدوليين، وتحديداً روسيا والصين، حول كيفية المضي قدماً في التنقيب عن الموارد في البحر، غير أنّ التفاصيل تبقى ضئيلة».
فعلياً، سوريا هي البلد الوحيد المنتج للنفط الخام في المنطقة، وتستأثر بـ99% من احتياطاتها المثبتة (وليس المقدرة). بين عامي 2006 و2010 وصل الإنتاج إلى 411 ألف برميل يومياً. وتقع أكثرية حقول النفط والغاز السورية في الوسط والشرق قرب الحدود العراقية «ومع استمرار الصراع (المسلح) تتعرض لمخاطر متزايدة» يقول التقرير. «معظم الحقول الآن لم تعد تحت سيطرة القوات الموالية لبشار الأسد، ووفقاً للمسؤولين فإن الإنتاج الذي يسيطر عليه النظام يبلغ 20 ألف برميل يومياً فقط».
إسرائيل من جهتها تُعدّ المستهلك الأول للبترول في منطقة المشرق. هي اليوم تريد زيادة استخدام الغاز الطبيعي في مختلف القطاعات التي تحتاج إلى الطاقة. «رغم الطلب المرتفع ستتمكن إسرائيل من تغطية احتياجاتها وقد تبدأ بالتصدير من العام 2017».
قبرص مثل الدولة العبرية، تسعى إلى استبدال الخام بالغاز الطبيعي في المجالات الاستهلاكية الصناعية والتجارية. وهي تخطط لبدء الإنتاج من حقل أفروديت في عام 2017. أما الأردن فتبدو آفاقه الأقل إشراقاً بين المجموعة ــ حتى لدى مقارنته مع الأراضي الفلسطينية! ــ إذ إن إنتاجه من النفط والغاز لم يؤمن سوى 3% من احتياجاته بحسب بيانات 2011. واليوم أفضل الفرص الممكنة للأردن تتمثل بحقل ريشا الذي تطوره شركة BP.
أمام هذه اللوحة يحتاج لبنان إلى الزخم في مسيرته. هو اليوم يعاني من تمزق الحكم وضياع المراسيم النفطية في حقول السياسة. التمزّق يصيب «الآمال بأن يغطي الغاز المرتقب من حقول غير مكتشفة الاحتياجات المحلية» وفقاً للتقرير. وفي هذا السياق يذكر الخبراء الأميركيون تصوّر وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، عن رفع حصة الغاز الطبيعي من احتياجات لبنان الطاقوية إلى الثلثين بحلول عام 2030. «في حال لم تنجح جهود الاستكشاف كما حصل مع الجار الإسرائيلي، فإنّ تحقيق ذلك الهدف سيكون صعباً جداً» يُعلّق معدّو التقرير.
ولكن إلى جانب طموح تأمين الاستهلاك الداخلي، تصبو بلدان المنطقة للتصدير. غير أنّ هذا النشاط يحتاج إلى بنى تحتية قادرة على تأمين الأفضليات الملائمة، وهنا يظهر المخطط الأكبر الذي يرمز إليه ضمنياً لدى التطرق إلى المعطيات الجيوسياسية في المنطقة ودور اللاعبين الكبار فيها: بخارطة الأنابيب والنقل البحري التي يتأمّلها كلّ بلد مشرقي يحلم بتصدير الغاز قريباً.
عديدة هي تلك السيناريوهات، تحققها يرتبط أيضاً بما ترصده الدول الكبرى وينعكس تحديداً في خططها لنقل الغاز الشرقي ــ من روسيا وأذربيجان ــ إلى أوروبا على نحو تنافسي وفقاً لمعايير بروكسل (وهنا السيناريوهات كثيرة أيضاً ويصل بعضها إلى ربط الحرب السورية مباشرة بصراع الأنابيب).
في جميع الأحوال، لملاقاة ارتفاع الطلب في المنطقة على البلدان أن تستخرج الموارد النفطية أو تزيد وارداتها. «إنّ قيام إسرائيل بتطوير حقول الغاز خاصتها بنجاح غيّر، على نحو كبير، وضعيتها الطاقوية، إذ إن هذا البلد سيؤمن احتياجاته المحلية لسنوات قادمة» يقول التقرير. «وتأمل بلدان أخرى في المنطقة اللحاق (بإسرائيل) غير أن أداءها يبدو متفاوتاً».
ولكن مع التسليم بأن الطموح موجود، هناك ثلاث قضايا إقليمية تُشكّل عقدة لتلك البلدان الطموحة على طريق الغاز والنفط لناحية المسح والاكتشاف، الاستخراج والنقل، وفقاً لتحليل المؤسسة الرسمية الأميركية.
أوّلاً، الوضع الأمني وهنا الحديث تحديداً عن الحرب السورية التي كبحت قدرة البلاد عن التصدير. «إلى اليوم وصلت كلفة الصراع على البنى التحتية إلى مليارات الدولارات، وكلما طال القتال ارتفعت فاتورة إعادة الإعمار». وحتى لدى التفكير بالالتفاف على سوريا في التصدير هناك مشكلة؛ الحديث في هذا السياق عن العلاقات الإسرائيلية ــ التركية التي إن ولّدت أنبوباً فإنّه يحتاج إلى التزامات من أطراف إقليمية عديدة «وتقنياً لا يزال لبنان وإسرائيل في حالة حرب، ما يطرح تحديات على مستوى التعاون في مجال الطاقة».
ثانياً، الخلافات بين الدول على الحدود البحرية وترسيمها. إسرائيل ستفاوض قبرص حول موارد مشتركة في حقل أفروديت ولكنها أيضاً في نزاع مع لبنان حول 300 ميل مربع من حوض شرق المتوسط. ولا تحصر إسرائيل سلوكها الاغتصابي هنا، فبحسب التقرير «هناك شكوك حول الترخيص الصادر للتنقيب في منطقة حقل يال حيث يقول بعض الخبراء إنه يمتد إلى الأراضي المصرية». ويُشار هنا إلى أن الحدود البحرية لم يتم أبداً ترسيمها في هذه المنطقة، يتابع التقرير. من جهة أخرى وبعيداً عن الدولة العبرية هناك النزاع القائم بين قبرص وتركيا؛ وعقل السلطة «العثمانية» جامد جداً هنا، فهي حظرت التعامل مع الشركات النفطية التي تنخرط بشكل أو بآخر بقطاع النفط في قبرص.
ثالثاً، الأوضاع الاقتصادية للبلدان المشرقية وكذلك للبلدان المستوردة للمنتجات البترولية. طبعاً هناك الأزمة السورية وتداعياتها تحديداً على لبنان والأردن، ولكن هناك أيضاً أزمة البلدان الأوروبية وصحتها الاقتصادية حيث تشكل بلدان القارة العجوز مقصداً مهماً لصادرات الطاقة من البلدان المشرقية.