نصرالله والخطر الوجودي
أكد قائد المقاومة السيد حسن نصرالله أن المسار الجديد في المخطط الاستعماري الصهيوني هو كسابقه الذي انطلق باحتلال العراق وانكسر في حرب تموز وغايته كذلك هي نفسها: فرض الهيمنة الأميركية وتثبيت مركزية الدور الإسرائيلي في منظومة الهيمنة لكن الأدوات تتغير بعدما فقدت الإمبراطورية الأميركية القدرة على التدخل المباشر وبعدما انكسرت هيبة إسرائيل وأسطورة تفوقها.
أولا أوضح السيد حسن نصرالله ان ما شهدته المنطقة من أحداث في السنوات الأخيرة (ما سمي بالربيع) تقع ضمن المسار الجديد لمخطط الهيمنة وهو ليس مسار إسقاط أنظمة بل مسار تدمير دول وجيوش ومجتمعات يهدف إلى «رسم خريطة جديدة للمنطقة على أشلاء دول وشعوب وعقول تائهة وقلوب مرتعبة ودفع البلدان والشعوب إلى كوارث يصبح معها العدو هو المنقذ» وهو ما يحصل بالفعل في ليبيا والعراق حيث يتركز الاهتمام على استدراج تدخلات أجنبية بوصفها المنقذ من كارثة التهديد التكفيري فالتيار التكفيري هو الأداة المركزية في هذا المسار.
في سياق عرضه الفكري والثقافي الغني تساءل قائد المقاومة عن إمكانية التغلب على المسار الجديد فاعتبر أنه لابد من توافر شرطين في الإجابة على السؤال وهما : إدراك وفهم التهديد الوجودي من جهة أي كسب معركة الوعي والفهم الدقيق لطبيعة الخطر والبحث عن وسائل المواجهة من جهة ثانية أي امتلاك الوعي والإرادة الكفاحية لإلحاق الهزيمة بأدوات الخطة الاستعمارية الجديدة او المسار الثاني للغزوة الاستعمارية.
اختار قائد المقاومة التذكير بما جرى بعد انطلاق الغزوة الاستيطانية الصهيونية لفلسطين في مطلع القرن الماضي حيث لم يجر إدراك الحجم الفعلي للتهديد الوجودي الصهيوني وحيث اتبعت القيادات ومن ثم الحكومات العربية رهانات خاطئة أدت إلى تكريس اغتصاب فلسطين وتعاظم الخطر.
ثانيا برهنت التجربة واقعيا كما استنتج السيد نصرالله ان تلك الرهانات كانت كارثية وقد رتبت نتائج خطيرة محذرا من تكرار الاخطاء نفسها امام التهديد الوجودي الناتج عن تيار التكفير وحركته المتعاظمة في المنطقة وقد أحكم المقارنة بين نتائج المجابهة ضد الصهيونية بالقتال والحزم والمقاومة وبين رهانات التسويات والمفاوضات والتعلق بأوهام التدخلات الغربية التي لم تجلب سوى تمكين إسرائيل من زيادة قدراتها وتكريس اغتصابها للأرض والحقوق.
انطلاقا من هذه القاعدة المنهجية تناول السيد نصرالله خطر التكفير وبالتشخيص الحي لحالة داعش وما يمثله راهنا بوصفه التنظيم الذي بات مشروع دولة يسيطر على مناطق من سورية والعراق ويجمع ميزات اقتصادية وعسكرية يجعل منه خطرا وجوديا داهما على كامل دول المنطقة وشعوبها فـ«داعش» «تسيطر على موارد نفط وغاز ومياه وسدود وهو ثانيا يتمكن من بيع النفط وثمة دول تسهل له ذلك» (تركيا خصوصا) وثمة أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب في صفوف داعش أدخلوا عبر الحدود إلى سورية والعراق (يشمل ذلك مسؤوليات عن التغاضي والتسهيل من قبل حكومات تركيا والأردن ولبنان والسعودية ) وداعش كما بين قائد المقاومة قد ارتكب مجازر دموية لم توفر احدا بما في ذلك مع «رفاق السلاح» داخل تنظيم القاعدة كما تبين معاركه ضد مسلحي جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات التكفيرية المشابهة بصورة تكشف عن الطابع الإلغائي الدموي لقوى التكفير التي لا تستثني احدا من الطوائف والجماعات والمكونات على امتداد دول المنطقة ولذلك فالخطر بات وجوديا.
ثالثا في مناقشته لسبل التصدي والمجابهة بعد فهم وتشخيص هذا الخطر الوجودي دعا السيد نصرالله جميع أبناء المنطقة إلى التفكير متحررين من العصبيات والمواقف المسبقة وخلص للقول إن الخطر داهم على الجميع وبالتالي فالمطلوب هو التحرك للعمل معا في التصدي للغزوة التكفيرية الدموية.
ما عرضه قائد المقاومة في رده على سؤال ما العمل تناول بعض الخيارات المتداولة انطلاقا من الرهان على الغرب وتدخله وهو الخيار الذي اختبر غير مرة ولم يحصد المراهنون سوى الخيبة كما برهنت تجربة مسيحيي لبنان مع بواخر كيسنجر في سبعينيات القرن الماضي وألمح إلى فحوى ما سمعه البطريرك الراعي من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عندما زار باريس محذرا من خطر قيام الغرب بدعم التكفيريين في سورية بهدف النيل من الدولة الوطنية السورية والرئيس بشار الأسد وانعكاس ذلك الدعم على الوجود المسيحي المشرقي وفي ضوء ما جرى في العراق بعد الغزو الأميركي وجاءه يومها رد الرئيس الفرنسي بفتح أبواب الهجرة لمسيحيي المنطقة.
كما نبه السيد نصرالله من تجليات وجهة ووظيفة أي تدخل غربي كما تبين في العراق مؤخرا حيث حصر الأميركيون تدخلهم في حماية مصالحهم النفطية في شمال العراق وليس حماية الشعب العراقي من الاقتلاع والمذابح كما رد السيد على فرضية ان حماية لبنان من التكفيريين تكون بانسحاب حزب الله من سوريا (أي من القلمون والقصير) وهو في الواقع خيار لا يعني سوى فتح الطريق لتمدد الخطر التكفيري صوب لبنان وإزالة عقبة مهمة من طريقه أما المطالبة بتوسيع نطاق القرار 1701 فهي لا تؤمن الحماية الفعلية من خطر التهديد التكفيري لأن ما يحمي الجنوب من الاعتداءات الصهيونية هو الردع الذي توفره المقاومة وليس دور اليونيفيل بل إن ما لم يقله قائد المقاومة هو أن الغرب يعول على دور اليونيفل في ضمان أمن إسرائيل وحراسة قواعد وقف الأعمال القتالية التي فرضت المقاومة على العدو القبول بها مرغما في نهاية حرب تموز فلا مجلس الأمن ولا قيادة اليونيفيل تحركا طيلة ثماني سنوات للبحث في وقف إطلاق نار دائم على الحدود اللبنانية وحالة الوقف المؤقت التي تحرسها اليونيفيل هي حالة العدوان المعلق والمستمر بالخروقات الجوية والبحرية وحتى البرية أحيانا إلى حين اتخاذ قرار إسرائيلي بمغامرة جديدة تستعد لها المقاومة في كل لحظة.
غالب قنديل – صحيفة الديار اللبنانية