نصر فلسطين ٢٠١٤ : جرفٌ لإستراتيجياتٍ بالية
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير*:
منذ اليوم الأسبوع الأول لعملية ” الجرف الصامد ” الصهيونية على قطاع غزة ، جزمتُ في مقالتي ” الجرف الصامد : ممجوجات ، محذورات ، تفاهمات ” ، بأن هذه المعركة قد جرفت معها ممجوجات – كانت حتى الأمس القريب ، أشبه بمقدساتٍ ، في الصالونات السياسية الصهيونية وحتى الأمريكية والغربية ، وبعض العربية أيضاً – ، والتي تتعلق بمفاهيم راسخة كأحادية الطريق في الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني ، فيما خص المفاوضات السياسية ، وبشكل حصري … إضافة إلى أن الكيان الصهيوني ” بجرفه الصامد ” ذاك ، كان قد جرف – وأيضاً من الأسبوع الأول – من قاموسه السياسي ، بحصرية الطرف الفلسطيني المقابل ، وتحديداً ، فيما خص السلطة الوطنية فقط ، وخصوصاً ، أن حماس ، وباقي الحركات المقاومة ، ليس لها مكان على خارطتها السياسية … إنما كانت فقط ضمن خارطتها ” الإرهابية ” … حيث أن هذه المعركة قد جرفت هذه الحصرية الثانية أيضاً ، ولكن ليس من القاموس الصهيوني فحسب ، إنما من كل مواربٍ له ، على حد سواء …
لم يقتصر الجرف على تلك الممجوجات ، إنما تعداه الأمر أيضاً إلى تلك ” الممنوعات ” الصهيونية في موضوع الحصار الصهيوني الظالم على القطاع المحاصر ، فذكرنا في تلك المقالة أيضاً ، بأن الإستراتيجية الذكية التي اتبعتها فصائل المقاومة في إفشائها للمحذورات المتعلقة بقدراتها العسكرية ، والحكمة في عدم استعمالها ضمن تكتيك ٍ متدرّج ، وإنما دفعةٌ واحدة ، بحيث أن تلك الإستراتيجية قد أثمرت وأتت أكُلُها في كسر الحصار ، وتيئيس الصهاينة من التشبث به .. ومنذ الأسبوع الأول أيضاً …
إذاً ، ومنذ الأسبوع الأول ، تحققت ثلثي الأهداف الفلسطينية ، وانكسرت معها ثلثي الأوهام و ” المقدسات ” الصهيونية.. وبقي الثلث الأخير ، فيما أسميته أيضاً في تلك المقالة ، بأنه ثلث التفاهمات ، والتي استلزم انجازها ، بما يفوق عن الخمسين يوماً من عمر هذه الحرب المصيرية في تاريخ الصراع مع الصهاينة المغتصبين لأرض فلسطين …
لم تسقط في هذه التفاهمات الجديدة ، فقط المحرمات التي حرصت عليها دولة الكيان الصهيوني منذ العام ١٩٤٨ ، إن لناحية التفاوض تحت النار في فلسطين ، أو لناحية القبول بمعادلة أمنية جديدة ، لم يعتدها الكيان الصهيوني على ترابها من قبل … وإلى غيرها من تلك المحرمات الصهيونية التي أجهضت ، والتي لم يجرأ كثرٌ من كل أولئك المهزومين في ذواتهم من أنظمة التخاذل العربي ، بأن يطرحوها على طاولة التفاوض مع هذا الكيان …
إذا نحينا كل ذلك- على أهميته – جانباً ، ونطرح السؤال التالي : ماذا سيُثمر نصر فلسطين ٢٠١٤ ، على استراتيجات عوّل عليها أصحابها ، ردحاً طويلا ً من الزمن ؟
جرف استراتيجيات التفاوض
لم يكن مستغرباً من الرئيس الفلسطيني أبو مازن ، بأن يعلن بعد ساعات قليلة من دخول التهدئة ، وذلك عقب اجتماع للقيادة الفلسطينية في الداخل ، بأن استراتيجية التفاوض الفلسطيني ، لن تبقى على حالها ، وأن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي هدف أولي سيحافظ عليه … هذا فضلا ً عما أعلنه من إطلاق ” خطة وطنية ” فيما خص إدارة الملف الفلسطيني … وزاد على ذلك بأن ” الكفاح الشعبي ” لنيل الحقوق الفلسطينية ، سيُعاد الإعتبار له ….
لاقى الرئيس عباس في موقفه ذاك ، موقفان متزامنان ومكمِّلان له ، من قبل القيادي في حركة حماس محمود الزهار ، بأن ” بناء المطار والميناء سيبدأ ، وأن الإعتداء عليهما ، لن يكون بدون رد .. ” ، وكذلك الأمر ، ذاك الموقف اللافت للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبدالله شلّح ، بإعلانه أن ” اتفاق أوسلو وطريق التفاوض ،قد دُفِن في ركام أبنية غزة .. ”
عملياً ماذا يعني كل ذاك ، بعبارة واحدة ، لقد سقطت استراتيجية التفاوض العارية ، لصالح استراتيجية المقاومة ، وبكافة أشكالها ، من العسكرية ، حتى الشعبية المدنية … وذلك متوجاً بإقرارٍ دولي لثلاثية فلسطين المُثبتة ” السلطة والشعب والمقاومة ” … وأوله أمريكي ، والذي تجلى بترحيبٍ حار من أمريكا ، بالتوصل لهذه التفاهمات …!
جرف استراتيجيات التكامل
لم يكن نتنياهو الفاشل ، أول من حاول الإيحاء ، بأن الحرب الجديدة على غزة ، ستفتح أمامه أفاقٍ جديدة في التعامل والتعاون مع دول عربية ، وتحديداً الخليجية منها … فلقد عملت استراتيجية التراجع الأمريكية على بناء تلك “الشراكات الصهيوعربية ” وذلك منذ أيار من العام ٢٠١٠ ، تاريخ نشر استراتيجية أمريكا للأمن القومي الأمريكي ( يمكن مراجعة مقالة لي في ٢ تموز ٢٠١٠ ، بعنوان : خارطة طريق في استرتيجية أوباما الجديدة ) والتي تفصل فيها أمريكا ، في كيفية وضرورة قيام تلك الشراكات لحماية الأمن القومي الصهيوني ، في زمن التراجع الأمريكي …
لقد اسقط نصر فلسطين ٢٠١٤ ، تلك الإستراتيجية التكاملية الصهيوعربية ، وإلى غير رجعة ، مما سيجعل من الكيان الصهيوني أكثر انكشافاً في عوراته الأمنية أمام المقاومة الفلسطينية ، ونظيرتها اللبنانية من قبل … وذلك من دون أن يحيط نفسه بطوق أمني تكاملي مع بعض العرب … إنما وجد كيانه مطوقاً بثلاثيات تؤرق أمنه المهتز على الدوام .
جرف استراتيجيات الردع
لقد حقق نصر فلسطين ٢٠١٤ ، وبدون أي لبس ، ووفقاً لمضامين تفاهماته ، تحولا ً استراتيجياً في مفهوم السيادة الجامد في الطوق الفلسطيني ، إلى مفهوم مكرّس وجديد لتلك السيادة ، والتي تزواجت في هذا الطوق ، مع مكوّن المقاومة ، والتي لا بد لها أن تتوسع إلى الجناح الأخر لفلسطين في الضفة الغربية – وكما وعدت إيران بالأمس – ..
من هنا ، فإن هذا التحوّل الإستراتيجي ، والمتكامل حتماً مع ما هو موجود في لبنان ، وسوريا ، واليوم في فلسطين ، فإنه أدى إلى سقوط منظومة الردع الصهيونية التقليدية منها، وكذا تلك المرتجاة … إن كان ذلك ، بما كان يتم بالاسلوب الذاتي الصهيوني ، وتارةً أخرى عن طريق الأخرين ، أو حتى عبر الأحزمة العازلة ، إن استطاع إليها سبيلا …
لقد كرّس هذا النصر المبين على أرض فلسطين ، استراتيجية صهيونية مفروضةٌ على الكيان ، والتي تتمثل بالرضوخ لفكرة التجهيز والإعداد المتكافىء والمتوازن على المقلبين ، دون تمييز ، وذلك تمهيداً للمعركة القادمة ..
جرف استراتيجيات الإحتواء
من النافذ القول ، أن التفاهمات التي أعلن عنها الرئيس عباس ، وبمباركة ورعاية مصرية كاملة ، يُدلل على مسألة مهمة جداً ، تتعلق باستراتيجيات الإحتواء العربية- التركية للمقاومة الفلسطينية ، دون أن يعني ذلك ارتماءً هذه الأخيرة في الحضن السعودي – المصري … وهذا ما يستلزم التوقف عنده ملياً ، بأن استراتيجية قطر – تركيا في احتواء الجهادية ” السنية ” من خلال استثمار ورقة الإخوان الني ما زالوا يقدمونها بأنها الأكثر أهمية في خدمة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة … وفي الوقت نفسه لم تجعل تلك التفاهمات من المقاومة الفلسطينية أكثر التصاقاً بالسياستين السعودية ومصر..
ما هو بيّنن ، لغاية اليوم ، أن فصائل هذم المقاومة مجتمعة ، وفي مقدمتهم حماس ، هي ستكون، وبلا أدنى شك ، وكما توقع أمير قطر ، في زيارته. الأخيرة للسعودية ، ” بأن إيران وحزب الله وسوريا ، سيبقوا الحضن الدافئ لهذه الفصائل جميعاً ، وفي مقدمتهم حماس .. ” مما سيجعل من الإستراتيجيات الصهيونية المقنّعة في احتواء المقاومة ، ستذهب أدراج الرياح … لا بل أن بوصلة فلسطين ستزداد توهجاً من جديد ، وذلك بعد أن اعتراها الغشاوة ، بُعيد انطلاق ما سُمي بربيع العرب …
خلاصة القول ، سيؤسس نصر فلسطين الإستراتيجي الأول في العام ٢٠١٤ ، مع نصر محور الممانعة المنتظر على الإرهاب في المنطقة ، وبمن حضر من باقي دول العالم … للمعركة المقبلة والفاصلة مع كيان العدو ، بحيث ستكون – وكما نتوقعها على الدوام – مسلّطة على طرفين : تكتل الصهاينة وتجمعهم ممن يُسمون ” بالمدنيين ” ، وإلحاق الهزيمة المحققة بمنظومات الحماية بكافة أنواعها .. والطرف الأخر هو ذاك الجيش الواهن الذي – ربما – يندفع نحو حتفه في فلسطين ، وكذا إلى خارجها أيضاً .
باحث وكاتب سياسي