ميشال سليمان في كتاب: إنجازات «أسد الــسنغال»
ختامها مسك مع «إنجازات» رئيس الجمهورية ميشال سليمان. قريباً، سيقدّم الرئيس الى الرأي العام كتاباً عن «إنجازات» الولاية الأولى. البحث عن «الإنجازات» قد يتطلب فريقاً كاملاً لفترة زمنية طويلة. لكنها جهود لا تقارن بالإيرادات المتوقعة؛ إذ أن سعر صفحة الإعلان كما «فُرضت» على بعض المؤسسات والشركات اللبنانية يصل إلى 15 ألف جنيه إسترليني، أي ما يعادل 25000 دولار!
صحيفة الأخبار اللبنانية –
محمد وهبة:
نهاية الصيف الماضي، تلقى عدد من مؤسسات القطاع الخاص رسالة من شركة مطبوعات وإعلانات تدعى «Brooklands News Media» (مقرّها لندن)، مفادها أنها مكلفة إصداراً خاصاً برئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان، تحت عنوان «احتفاء بمرور خمس سنوات على القيادة».
وجاء في الرسالة أنه «منذ تسلّم الرئيس سليمان سدّة الرئاسة، باتت التنمية محور عمله، وأطلق مروحة من مشاريع البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والصحية… لتنتج كلها عملية تغيير عظيمة تركت أثرها الإيجابي على كل الأراضي اللبنانية»، وأن الهدف من الكتاب هو «الاحتفال بإنجازات الرئيس الاستثنائية واستشراف مستقبل الجمهورية اللبنانية». وفي هذه المناسبة، ستطبع الشركة البريطانية 10 آلاف نسخة من هذا الإصدار الخاص، سيُخصّص بعضها لسليمان ومستشاريه، وبعضها الآخر للشخصيات المهمة في الإدارات العامة والقطاع الخاص في لبنان، كما ستوزّع نسخ للشخصيات المهمة في العالم، ولمن لديهم مصالح واهتمامات كبيرة في لبنان. وتوضح شركة المطبوعات البريطانية في رسالتها أن «هناك أكثر من خيار للحصول على إعلان في هذا الكتاب على النحو الآتي: صفحة كاملة ملوّنة بقيمة 9990 جنيهاً استرلينياً (16500 دولار)، أو صفحة مزدوجة ملوّنة بقيمة 14990 جنيهاً استرلينياً (24760 دولاراً)».
وأرفقت الشركة مع رسائلها إلى الشركات والمؤسسات نماذج عن الصفحة الأولى من الكتاب والفهرس والتقديم الذي يشمل نصاً بالانكليزية إلى جانب صورة لسليمان. وقد ورد في التقديم أن «قلّة تخالف الرأي الذي يشير إلى أن الجمهورية اللبنانية تميّزت منذ الاستقلال عام 1943 بالازدهار، بناءً على موقعها كمركز إقليمي للتمويل والتجارة، رغم أنه تخللتها فترات من الاضطراب السياسي. اليوم يحرص الرئيس سليمان على تأمين الاستقرار السياسي والاقتصادي وعلى دور عالمي أساسي للبنان».
ويُعرف التقديم بسليمان الذي «انتُخب في 25 أيار 2008، وهو الرئيس الثاني عشر في الجمهورية، لكنه أول رئيس بعد ثورة الأرز عام 2005 التي أدّت إلى نهاية ثلاثين عاماً من حكم جيش أجنبي». و«على المستوى المحلي والعالمي، يُنظر إلى الرئيس سليمان كشخصية موحّدة للبنان. وهذا الإصدار الخاص يحتفل بوجوده في موقع القيادة خلال السنوات الخمس الأولى التي شهدت على تصويبه الحازم لتثبيت استقرار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية». وتلفت المقدمّة إلى أن جهات دولية عدة «اعترفت بإنجازات الرئيس بطريقة مشرّفة، فالسنغال منحته عام 2013 تقدير الوشاح الاكبر الوطني من رتبة الاسد. كما حصل الرئيس على وسام مماثل من ساحل العاج عام 2012، إضافة إلى عدد من الأوسمة من اليونان والنمسا والبرازيل واسبانيا وفرنسا وإيطاليا والسعودية والبحرين ودول أخرى».
إذاً، الرئيس سليمان يحمل رتبة أسد. لكنها قد لا تكون أبرز «الإنجازات»، فالسيرة الذاتية للرئيس تحفل بالكثير أيضاً. إذ تطرق التقديم إلى مكان وتاريخ الولادة في عمشيت في 21 تشرين الثاني 1948، وإلى كون الرئيس «يتحدّث ثلاث لغات (العربية، الفرنسية، الانكليزية)…». وبعد تعداد مناصبه العسكرية وشهاداته العلمية، يذكر أن سليمان هو «القائد الأعلى للقوات المسلّحة بعدما كان قائداً للجيش في كانون الأول 1998، ويُنظر إليه على أنه قائد قوي في هذا الموقع». وفي نهاية التقديم يقتبس عن سليمان قوله «إن لبنان بلد رسالة وتقاطع حضارات وملاذ للتعددية. أسعى إلى إقرار الإصلاحات الإدارية والسياسية الاقتصادية والأمنية، وهذا ما يؤهلنا لاستعادة دور البلاد الريادي على الساحة الدولية».
ويتضمن فهرس الإصدار الخاص 11 فصلاً عن الرئيس وإنجازاته ودوره، تتوزّع على النحو الآتي: بطاقة تعريف بالرئيس العماد ميشال سليمان، السيرة العسكرية للرئيس، تعريف بالسيدة الأولى وعائلة الرئيس، روح المبادرة للشعب اللبناني، المؤسسات الأساسية للدولة، نظرة عامة إلى قطاع الصناعة، عناصر الجذب في لبنان: السياحة والثقافة، صيانة وحماية الطبيعة، بيروت وجهة عالمية أساسية، علاقات دولية، رؤية الرئيس سليمان للمستقبل.
إزاء كل هذه الصفحات عن رئيس الجمهورية، شعرت المؤسسات المقصودة بالرسائل بالإحراج. بعضها قرّر فعلاً، وبسرعة، شراء صفحات إعلانية في كتاب الرئيس، ولا سيما أن ناشر الإصدار الخاص شركة عالمية تسوّق إصدارات خاصة لكبار الشخصيات في العالم، مثل: ملكة بريطانيا، الرئيس الأميركي باراك أوباما، رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون. كما تنتج هذه الشركة إصدارات خاصة لكبريات الشركات العالمية مثل: BMW, Ford, Mercedes Benz, Nissan, Volkswagen, Audi, Xinhua… واللافت في الإصدار هو سياق انتخاب الرئيس «بعد ثورة الأرز»، موحياً بأن أحد إنجازاته هو انتماؤه السياسي لـ«ثورة الأرز»، ومصنّفاً إياه كاحد أبناء هذه «الثورة». ولفتت بعض المؤسسات التي تلقت هذه الرسائل إلى أن إنجازات الرئيس السياسية قد تكون محور نقاش حول وجودها وما يمكن أن تعتبره أي جهة «إنجازاً». إذ أن فترة حكم الرئيس سليمان كانت الأكثر اضطراباً، سياسياً وأمنياً. فعلى سبيل المثال، كان الفراغ الحكومي سمة العهد بعدما تأخر تأليف حكومات سعد الحريري ونجيب ميقاتي أشهراً، ولم تسجّل لها انجازات تذكر باستثناء «انجاز» تمويل المحكمة الدولية التي ينقسم حولها اللبنانيون. أما حكومة الرئيس تمام سلام فلم تتألف بعد. والأكيد أن عهد سليمان لم يقلّص الانقسام السياسي الحاد بين اللبنانيين، لا بل اتسم بفشل اللبنانيين في الاتفاق على قانون للانتخاب، وبخرق كبير للدستور انتهى بتمديد مجلس النواب لنفسه، فيما انقسم المجلس الدستوري، في مهزلة قانونية ودستورية، حول الطعن الذي قدّمه سليمان، المؤتمن على الدستور. وفي عهد سليمان، أيضاً، دخل لبنان عصر الانتحاريين، وسجّل الرئيس سابقة إنهاء كلمة الى الشعب اللبناني بـ «عاشت المملكة العربية السعودية»!
وباستثناء السفرات المنقطعة النظير للرئيس، «عن أي إنجاز اقتصادي واجتماعي سيتحدث الإصدار الخاص؟» يسأل بعض شخصيات القطاع الخاص، ويضيف بعضهم: هل أُنجز مشروع التغطية الصحية الشاملة؟ هل أقر مشروع ضمان الشيخوخة؟ هل بدأ الاستثمار في نفط لبنان؟ هل بدأت مشاريع السدود؟ هل استثمر لبنان في الكهرباء والاتصالات؟ هناك مئات الـ«هل»… فأي «إنجازات»، باستثناء نيل الأوسمة، سيتضمن الإصدار الخاص؟