الخليج الإماراتية ـ ثقافة ـ محمد إسماعيل زاهر:
في خطبته أمام الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، لم يتناول الكاتب الصيني مويان الحائز على جائزة نوبل للآداب 2012 أي شيء سوى قص الحكايات، تتبع مويان في النصف الأول من الخطبة سيرة طفولته: علاقته بأسرته الفقيرة، ذكرياته عن قريته البعيدة والمعزولة في الريف الصيني “ونجي بجاومي”، مشاهد الفقر تتناثر في سطور الذكريات، حنينه الواضح إلى أمه النحيلة والمريضة دائماً، غياب الكتب الذي دفعه إلى الاستماع لحكايات جدته، وانتظاره بشغف لحكاء عجوز كان يمرّ على سوق القرية مرة في كل أسبوع . أما النصف الثاني من الخطبة فيتكون بدوره من حكايات متخيلة سمعها في الكبر من هذا وذاك، اعتمد في بعض كتاباته عليها، وفي نهاية الخطبة يقول: “منحوني جائزة نوبل لحكاياتي، وسأواصل في المستقبل حكي الحكايات” .
خطبة مويان شديدة العذوبة قراءتها مرة تلو الأخرى ممتعة، والأهم أنها تظهر أننا أمام روائي لا يخلص إلا للأدب وحده، حكاياته عن الفقر في قريته لا تشعر المتلقي بالأسى ولا تحمل أي نبرة إدانة حدية مؤدلجة تجاه تلك الأوضاع الطبقية المؤلمة، هي مجرد سرد شفاف يمتلئ بالحكمة المبطنة بالحزن، سرد يدفعنا إلى التسامح حيناً وأحياناً إلى الابتسام . وفي حكاياته الأخرى المتخيلة دلالات ورموز عدة لا يفصح عنها أبداً، ليترك لكل مستمع أوقارئ حرية التأويل.
لا تتضمن الخطبة أي حديث مباشر من قبيل الكلام عن المؤثرات الثقافية، أو الخلفيات الفكرية، أو التوجيهات الأيديولوجية، ولا يوجه مويان أي رسالة إلى أحد أو نصيحة للكتّاب الآخرين ولا يتناول بالتحليل إحدى رواياته أو شخصياته ولا يشير إلى تقنياته في الحكي ولا إلى الآراء النقدية في أدبه، ولا يتطرق حتى إلى الأدب الصيني الجديد على نوبل، أي أنه ينصرف كلياً عن الكلام المعهود في مثل هذه المناسبة المهمة، أو الكلام الذي يتوقع الآخرون أن يقوله أمام الجهة المانحة للجائزة .
اللافت في خطبة مويان قدرتها على على إشاعة الأمل والتصالح مع العالم والمحبة للآخرين والمسكوت عنه في الخطبة يؤكد أننا أمام مبدع نتوقع أن تنال كتاباته التي بدأنا في ترجمتها في أعقاب حصوله على نوبل، الإعجاب والاحترام، والأهم أن قراءة ما بين سطور خطبة مويان تشير إلى تراث ثقافي عريق ربما لا نعرف عنه شيئاً في الساحة العربية .
ماذا يجب على الروائي؟ وما الموضوعات التي تتناولها الرواية؟ وإلى أي مدى تعبر عن مجتمعها؟ وهل استطاعت أن تتحول إلى ديوان للأحداث والوقائع؟ وكيف تواكب التحولات؟ . . . إلخ، أسئلة لا نهاية لها نطالعها يومياً في الساحة العربية فيما يتعلق بذلك الفن الحكائي المسمى “رواية”، حتى أصبحنا نقرأ نقداً يضع كل هذه الاشتراطات أولاً ويهمل جماليات الحكاية، وأصبحنا نقرأ أيضاً روايات توجد فيها كل هذه المفردات وتغيب عنها إمتاعية الحكاية وقيمها .