مواقف تعبر عن إفلاس سياسي
صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
التاريخ العربي الحديث قدم الكثير من النماذج لأدوار معارضات دول عربية، سواء كانت بالداخل أو الخارج في تفكيك منظومة مجتمعاتها الفسيفسائية ومكامن قوتها، من بوابة معارضة النظام واتهامه بالتفرد بالحكم والتسلط ومن ثم اللجوء إلى عمليات التشويه والتحريض والتأليب واتباع أساليب منافية للقيم والمبادئ من أجل تسول أو تسهيل مهمة قوى الاستعمار الغربي قديمه وحديثه، ورغبتها في تنفيذ أجندتها الاستعمارية والاستيلاء على الثروات والمقدرات تحت شعار مساعدة تلك المعارضات نحو “الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وكذلك حماية المدنيين من بطش النظام” وما إلى ذلك من عناوين فضفاضة تختفي خلفها الكوارث والخراب والدمار، وما يشاهده الجميع الآن في العراق وليبيا أقوى برهان على الانعكاسات المدمرة والخطيرة لتدخل قوى الاستعمار ودور المعارضة في إيصالهما إلى هذا الوضع المبعثر وغير المستقر، وكذلك ما شاهده الجميع في لبنان من قبل من احتراب أهلي.
وعلى الرغم من هذه النماذج الحبلى بالعبر والمواعظ والدروس، فإنه من المؤسف حقًّا أن تصر المعارضة السورية المسلحة على الاستمرار في خيارها نحو العنف وسفك الدماء والتدمير وتسول التدخل العسكري المباشر لقوى الاستعمار والاستكبار العالمي، غير آبهين بما يمكن أن تجره هذه القوى من دمار وخراب وتمزق وتفكيك للدولة السورية، خاصة وأن دولة في حجم سوريا بما تمثله من أدوار قومية وعروبية في رفض الاحتلال الصهيوني ودعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، دولة مطلوب رأسها حتى لا تقوم لها قائمة، فلم تبقَ قوة عربية غير سوريا تمثل شوكة في حلق كيان الاحتلال الصهيوني الساعي إلى التهام الحقوق العربية بما فيها الحق الفلسطيني وتقسيم دول المنطقة إلى كانتونات متناحرة.
كان لافتًا إصرار المعارضة السورية المسلحة على موقفها بعد نجاح الجيش العربي السوري في استعادة مدينة القصير، بالإعلان عن تمسكها بالعنف والتدمير، متسولة تدخلًا عسكريًّا خارجيًّا، محاولة العزف على وتر الأسلحة الكيماوية التي أثبتت التقارير وعلى لسان مسؤولين وخبراء أمميين بينهم كارلا ديل بونتي أن المعارضة هي من استخدمت غاز السارين وليس الجيش العربي السوري، ودحض المزاعم الفرنسية عن استخدام القوات السورية أسلحة كيماوية.
إن هذا الإصرار على العنف من قبل المعارضة المسلحة يعبر عن فشل وإفلاس سياسي حقيقي وعن حقيقة تبعثرها وتفرقها رغم كل محاولات مساحيق التجميل التي عمل على إضفائها من يتقاسمون ولاء هذه المعارضة، ما يعني أنها ليس لديها مشروع وطني حقيقي أو برنامج سياسي، بل هي تؤكد الثابت وهو أنها مجرد أداة بيد من ارتمت في أحضانه ويغدق عليها الأموال والسلاح لتدمير وطنها سوريا، الأمر الذي يطيح بكل الاعتبارات والمبررات التي حاولت هذه المعارضة وتحديدًا معارضة الخارج سوقها لتبرير عنفها وتسولها للسيناريو الليبي، وبالتالي فإن ما تطرحه من مواقف رافضة للحلول السياسية يعبر عن مدى الحقد والكراهية الذي استبد بها ضد سوريا، فغدت خادمة وجزءًا لا ينفصل عن المشروع الصهيو ـ أميركي في تقسيم المنطقة.
ولن يثبت عكس ذلك إلا حين تسعى بمسؤولية وبحرية مطلقة إلى إنجاح الجهود الدولية التي تقودها روسيا بالتعاون مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة لعقد مؤتمر جنيف 2 والتخلي عن العنف وعن محاولات إفشال المؤتمر بوضع العراقيل والتمترس خلف شروط لا محل لها من الإعراب فقد كنستها عزيمة الجيش العربي السوري في الميدان، والشعب السوري الذي رأى أن الوطن السوري هو الحاضن والجيش العربي السوري هو حامي سوريا، وليس الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والقوى الإقليمية ومن خلفها جميعًا سيدها كيان الاحتلال الصهيوني صاحب المصلحة الأول من تدمير سوريا. والحل إن سعت إليه هذه المعارضة المسلحة صادقة فهو سياسي ولا غيره.