منظمات NGOS لبنان أداة تنفيذ أهداف أميركا
موقع العهد الإخباري-
د. علي مطر:
وضعت إدارة الرئيس الأميركي جون بايدن، عبر وكالة الاستخبارات (سي آي أيه) مطلع عام 2021، استراتيجيتها اتجاه لبنان، والتي تقوم على السير في الحصار السياسي والاقتصادي والمالي، والتحكم بمفاصل السياسات الاقتصادية والمالية لتحقيق أهداف هذه الاستراتيجية، المتمثلة في حماية أمن “إسرائيل” ومصالحها في سواحل شرقي المتوسط، والتي تشكّل المقاومة تهديداً حقيقيّاً لها، وتعزيز النفوذ الأميركي، نظراً إلى أهميّة موقع لبنان الاستراتيجي، وبالتالي تفعيل دور السفارة الأميركيّة، التي تُعتبر مركزاً استراتيجيّاً بالنسبة إليه، ومن ثم إلزام لبنان بالدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، تعزيز التوجّه الغربي للبنان، وترسيخ واشنطن شريكاً مفضَّلاً بين المنافِسين الإقليميِّين والقوى العظمى، بالإضافة إلى خلق بيئة معادية للتوجُّه شرقاً، وبطبيعة الحال فإن تحقيق هذه الأهداف، قامت الإدارة الأمريكية باستخدام أدوات ووسائل وجهات متعددة، ويأتي من ضمن أولوياتها منظمات المجتمع المدني.
تَعتبِر واشنطن أن أفضل شريك حالياً للتغيير هو “المنظمات غير الحكومية” NGO، ما يسهم في تحقيق أهدافها دون التورط العلني في دعم اللاعبين السياسيين من حلفائها التقليديين الذين تورطوا في الفساد، والذين تلقوا الدعم منها إبان الحرب الأهلية في لبنان وما يزالون، ولكي تتملص من تهمة التدخل السياسي عبر دعم حلفائها السياسيين، لذلك قررت واشنطن تصعيد وتيرة استغلال المنظمات التي تطلق على نفسها “المجتمع المدني” والتي لعبت دوراً غير مباشر في الحصار الذي شهده لبنان من دون أن يتم تحميلها المسؤولية. كما لعبت هذه المنظمات التابعة في أغلبها لواشنطن دوراً رئيسيًا في التحولات التي شهدتها المنطقة العربية والإسلامية، وسيكون دورها اليوم متقدمًا في التغيرات اللبنانية، لذلك يثير تنامي عدد هذه المنظمات وما طرحته من ملفات حقوقية واجتماعية جدية، العديد من التساؤلات وعما إذا كانت هذه المنظمات ذراعًا سياسياً واقتصادياً لواشنطن.
ومن الواضح أن مصالح مجموعات المجتمع المدني هي موحدة أو شبه موحدة مع المصلحة الأمريكية، لذا ترى اميركا أن احتضانها لهذه المجموعات وتحويلها الى أداة يمكن أن يوصلها الى هدفها بغض النظر عن الأساليب المعتمدة والطرق التي ستسلكها.
ويظهر هذا الاستغلال من خلال تصريحات المسؤولين الأميركيين، حيث قال جيفيري فيلتمان في حزيران 2010 أن الولايات المتحدة تقدم المساعدة والدعم في لبنان الى مؤسساته التي تعمل على إيجاد بدائل للتطرف، وتقليل جاذبية حزب الله لشباب لبنان. من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية (ميبي)، ساهمنا بأكثر من 500 مليون دولار في هذا الجهد منذ عام 2006.
وبعد 10 سنوات من تنامى استغلال واشنطن لهذه المنظمات، في 9 آب 2020 – وفي تصريح له قال مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالوكالة، جون بارسا – سألتقي شركاء الوكالة الذين يستلمون المساعدات الإنسانية والصحية في بيروت. الوكالة قدمت حتى الآن أكثر من 15 مليون دولار كمساعدات إنسانية لدعم جهود الرد على هذه الكارثة، مما يرفع حجم المساعدات الإنسانية الأميركية المقدمة من الشعب الأميركي للبنان إلى 594 مليون دولار منذ سبتمبر 2019. المساعدات الأميركية لن تصل حتما إلى الحكومة اللبنانية، ولكنها ستذهب إلى الشعب اللبناني عبر الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية. مساعداتنا الإنسانية ستصل إلى سكان بيروت والشعب اللبناني الذين هم بحاجة لها، ولن تكون خاضعة لسيطرة الحكومة اللبنانية.
يبيّن هذا التصريح مدى تنسيق التعاون بين منظمات المجتمع المدني وبين الادارة الأمريكية، فبعد انفجار المرفأ سارع جون بارسا المسؤول عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تعنى بإدارة المساعدات الخارجية المقدمة للمدنيين الى تنسيق لقاء مع المسؤولين عن جمعيات المجتمع المدني التي سلمت لهم المساعدات والأموال والمصنفة بحسب جون بارسا لـ”دعم جهود الرّد على الكارثة” فكيف كان الردّ على هذ الكارثة؟ حملة دعائية كبيرة تشترك معها محطات تلفزيونية وجرائد مع منظمات المجتمع المدني لإتهام حزب الله وتحميله مسؤولية هذه الكارثة. والجدير بالذكر أنه صرّح ان منذ ثورة 17 تشرين 2020 حتى 9 آب 2021 أي خلال أقل من سنة تم تمويل هذه المنظمات بمبلغ قدره 594 مليون دولار، فأين ذهبت هذه الأموال؟ وفي أي أماكن وظفت؟
هذا واكد ديفيد شينكر خلال لقائه مع ممثلي المجتمع المدني في لبنان ايلول 2020 – على ضرورة وحدة مجموعات الثورة، وأعاتب عدم قدرتكم على حشد الناس في الشارع، فهذا دليل على “عدم الفعالية”.
إلى ذلك وفي 26 أيلول 2020 وخلال شهادة ديفيد هيل في الكونغرس قال إنه على مر الأعوام، أمنّا للبنان 10 مليارات دولار، للقوى الأمنية من جهة، ولمنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى، من أجل التنمية الاقتصادية والدعم الإنساني.
هيل في هذا التصريح يعترف وبشكل واضح أن مبلغًا ضخمًا قدّم الى رؤساء ونشطاء في أحزاب ومتظاهرين وحركات مجتمع مدني بهدف “علني” يقتصر بـ”محاربة الفساد” ولكن الهدف الحقيقي المبطن هو تنفيذ الأجندة الأمريكية.
أما دوروثي شيا السفيرة الأميركية في لبنان، فقالت في لقاء بتاريخ 13 تشرين الثاني 2020 مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن واشنطن ترى حاجة للمساعدة في تعزيز المجتمع المدني هنا، وتقوية مؤسسات الدولة، ومكافحة التأثير المدمر للجهات الفاعلة الخبيثة مثل حزب الله.
هذا وبحسب الإستراتيجية المدمجة لوزارة الخارجية ووكالة التنمية الأمريكية بتاريخ 25 شباط 2021 فإن واشنطن تجد نفسها في شركة جيدة ضمن تحالف عريض من الشركاء الراغبين والقادرين الذين يشاركوننا مصالحنا، وحتى الموظفين العموميين المتفانين الذين يسعون داخل المؤسسات اللبنانية لجعل الحكومة تعمل بشكل أفضل للشعب اللبناني.
هكذا إذا، تعتبر امريكا نفسها أنها أسست “شركة مدنية” في لبنان يشارك أصحابها في توظيفات ماليّة بغية تحقيق هدف مشترك، وهذا ما يظهر أن كل الذين حصلوا على دعم واشنطن هو أفراد ومنظمات يشاركون في الحصار على لبنان، وينفذون أجندة واشنطن القائمة على تجويع الشعب اللبناني.