مناورات جيش الإحتلال والتضليل الإعلامي
صحيفة الوطن السورية-
تحسين الحلبي:
يبدو أن قيادة جيش الاحتلال أرادت توظيف كل جهودها للإعلام التضليلي للحديث والنشر عن مناورات نفذتها خلال الشهر الماضي بشكل زاد عما وظفته من النواحي العسكرية في هذه المناورات، وكأنها تريد أن تبالغ كثيراً في الحديث عن أهدافها وعما تحقق لجيش الاحتلال منها لكي تنقل رسالة تحذر فيها القوى التي تتصدى لها وتقاوم كل مخططاتها.
فقد نشرت صحيفة «جروزاليم بوست» الإسرائيلية الصادرة بالإنكليزية تحليلاً جاء فيه بعد انتهاء هذه المناورة أنها «فريدة من نوعها لأنها أول مناورة تدوم شهراً وتركز على التعامل ضد جميع جبهات الحرب المعدة من حولها وفي داخلها» وأن «الجيش استفاد منها وزادت قدراته من ناحية عملية وتمكن من ضمان توظيف قدراته النارية لتحقيق الدمار في البنى التحتية للمدن والمراكز المدنية الخاصة بقوى المقاومة».
في هذا القول أرادت الصحيفة الإسرائيلية تسليط الضوء على أن المناورة تستهدف البنى المدنية في جنوب لبنان أو في قطاع غزة أو في سورية، وهي الأطراف التي تتشكل منها جبهات المقاومة، حتى لو كان ميدانها المنطقة البحرية الاقتصادية للبنان بشكل خاص طالما أن جيش الاحتلال استعان بمشاركة قوات قبرصية في جزء من المناورات البحرية.
أمام ما جاء في التحليل الإسرائيلي من مبالغة في عرض قدرات جيش الاحتلال الهجومية والتدميرية، غاب عن الذكر كل ما يتعلق بالجبهة الداخلية للكيان الإسرائيلي وافتقارها للقوة القادرة على منع سقوط الصواريخ في ظل النقص الحاد في الملاجئ التي يتعين وجودها في المدن والمستوطنات، لأن ما تعتمد عليه الجبهة الداخلية عند سقوط صواريخ المقاومة من القطاع أو جنوب لبنان عادة ما يطلق عليه اسم «الغرف الفردية المحصنة» وليس الملاجئ الجماعية لأن مثل هذا النوع من الملاجئ قليل ومحدود.
وكان من اللافت أن تذكر الصحف العبرية أن فصل الصيف والعيد اليهودي «الشفوعوت» جعلا أكثر من مليونين من المستوطنين يحجزون مقاعد السفر بالطائرات لعائلاتهم بدءاً من هذا الوقت حتى نهاية شهر تموز وكأنهم يفضلون مغادرة إسرائيل إلى الخارج بعيداً عن أي أخطار مقبلة أو محتملة يسعون إلى تجنبها.
لكن التركيز في معظم الصحف العبرية والإنكليزية الإسرائيلية عن هذه المناورة اتجه إلى ترويجها في وسائل الإعلام لتحويلها إلى أداة لتضخيم قدرة «الردع» من ناحية نظرية، وهي مهمة يراد منها على ما يبدو طمأنة المستوطنين الذين فقدوا ثقتهم بقدرة جيش الاحتلال على تأمين سلامتهم بعد أن عجزت هذه القوات عن منع سقوط الصواريخ منذ سنوات كثيرة، وقد قام رئيس الحكومة نفتالي بينيت بنفسه بالظهور أمام وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل أيام بصحبة عدد من الضباط لطمأنة المستوطنين حين أعلن أن سلاحاً جديداً يستخدم فيه اللايزر ابتكره الجيش سيؤدي إلى منع سقوط الصواريخ على المستوطنات والمدن، علماً أن مثل هذا القول لم تتجرأ قيادة الجيش الأميركي على التصريح به وهي التي كانت تبذل المستحيل لإيجاد مثل هذا السلاح دون جدوى وهي التي تحتاجه أكثر من أي دولة أخرى في حروبها منذ سنوات وتجد نفسها بأمس الحاجة إليه من أجل حربها في أوكرانيا في هذه الأوقات.
يبدو أن معظم من سمع هذا الإعلان لم يقتنع به وفضل السفر مع عائلته إلى الخارج لمدة أسابيع للاحتفال بعيد «الشفوعوت» خارج أراضي الكيان الإسرائيلي ومع الشتات اليهودي بدلاً من البقاء في دائرة المخاوف الأمنية التي تزداد في ظل احتمال انهيار الحكومة الائتلافية خلال الأسابيع المقبلة، بعد أن تعهد حزب الليكود بعدم التصويت لمصلحة أي مشروع اقتراح داخلي اجتماعي واقتصادي أو قانوني معها، فمثل هذا القرار يعد جرس إنذار بإمكانية سقوط الحكومة الائتلافية عندما تعجز عن تأمين أغلبية لتمرير مشاريع اقتراحات تتعلق بالقوانين العامة وخاصة لأن الحكومة الراهنة لا تحظى إلا بتأييد 59 عضواً وبعض أعضائها يتجنبوا الموافقة على قوانين لا يرغبون في وجودها، ولم يكن حزب الليكود يعرقل مثل هذه القوانين المدنية والاجتماعية، ولا شك أن احتمالات تسبيق موعد الانتخابات عند حل هذه الحكومة سيزيد من ضعف وعجز هذه الحكومة حين تصبح كل مهامها مجرد تصريف للأعمال، ومن الطبيعي آنذاك أن يعكس هذا الضعف ارتباكاً في صفوف قيادة جيش الاحتلال التي ستجد نفسها أمام قيادة سياسية تنتظر نتائج الانتخابات لتسليم دفة الحكم.