مناورات أميركية – اسرائيلية جوية.. لزوم ما لا يلزم
موقع العهد الإخباري-
شارل أبي نادر:
تهدف المناورات والتدريبات العسكرية التي تقوم بها الجيوش بشكل عام الى دراسة طريقة تنفيذ عملية عسكرية معيّنة، بحيث تتدرب الوحدات المعنية بالتنفيذ على تفاصيل ومراحل المناورة، وعلى تنسيق الجهود وتوزيع المهام، والأهم، تتدرب على تلافي الثغرات الممكنة وتجاوز الصعوبات المفترضة أثناء التنفيذ.
وانطلاقًا من هذه المعطيات، جاءت المناورة الجوية المشتركة الأميركية – الإسرائيلية الأخيرة فوق البحر الأبيض المتوسط، لمحاكاة تنفيذ عمل جوي – صاروخي مرتقب يستهدف المواقع النووية الايرانية، ولتنسيق الجهود المطلوبة لتجاوز صعوبة انتقال قاذفات اسرائيلية من قواعدها الجوية داخل فلسطين المحتلة، وتنفيذ ضربات مركّزة داخل ايران، وعلى مسافات لا تتجاوز 1800 كلم من تلك القواعد، وهي المسافة القصوى لأغلب المنشآت النووية الايرانية والتي تقع جنوب طهران التي تبعد عن “تل أبيب” حوالي 1900 كلم.
من الناحية التقنية – العسكرية، هناك عدّة معطيات تتحكم في هذه العملية المرتقبة أو التي يخطط لها الصهاينة، اذا كانوا جديين في قرار تنفيذها، ويمكن تلخيصها بالتالي:
لتنفيذ العملية باستهداف موقع أو أكثر أو كل المواقع النووية الايرانية، هناك اتجاهان:
– الاتجاه الأول، باستهداف تلك المواقع من فوق الأجواء الايرانية بصواريخ موجّهة من قاذفات استراتيجية من الجيل الخامس، الأرجح أن تكون F35، ومدى عملها كحد أقصى للطيران 2000 كلم، وبحمولة مناسبة من الصواريخ والقنابل الموجهة.
– الاتجاه الثاني، يمكن استهداف المواقع النووية الايرانية من أجواء دولة مجاورة، وبصواريخ جو – أرض بعيدة المدى، تملك “اسرائيل” بعضًا منها بمدى فعال لا يتجاوز 300 كلم مثل “دليلة” أو “جبرائيل”.
عمليًا، هناك شبه استحالة لاستهداف المواقع النووية الايرانية عبر الاتجاه الثاني أعلاه، أي من فوق أجواء دولة مجاورة لايران، أولًا بسبب تعقيدات الأمر وخطورته على هذه الدولة المعنيّة (المجاورة لايران)، وثانيًا، وهذا هو الأهم تقنيًا، لا يمكن تنفيذ هذا الاستهداف لأغلب المواقع النووية الايرانية والتي تتركز في مناطق داخلية تبعد على الأقل 500 كلم عن حدود أي دولة مجاورة، باستثناء موقع بوشهر النووي على الخليج، والذي حسب المعطيات تم اخلاؤه سابقًا من أية نشاطات أو تجهيزات لها طابع نووي.
لناحية استهداف المواقع النووية الايرانية (اراك أو نطنز أو فوردو) عبر الاتجاه الأول، أي من فوق الأجواء الايرانية، فإن القاذفات الاسرائيلية ــ الأميركية الصنع، والتي ستكون F35 مبدئيًا، قادرة (نظريًا) على تنفيذ الغارة الجوية دون الحاجة للتزود بالوقود قبل التنفيذ، الأمر الذي يمكن لها القيام به عند عودتها ومن طائرة اميركية، فوق كردستان العراق أو فوق الشرق السوري المحتل حيث هناك حركة متواصلة للطيران الأميركي.
انطلاقًا مما ذكر، وبمعزل عن وجود امكانية كبيرة لأن تنجح منظومات الدفاع الجوي الايرانية المتطورة – المعلن عنها أو التي هي غامضة حتى الآن – في إفشال الاعتداء الجوي الاسرائيلي المرتقب على المواقع النووية الايرانية، لن يكون هناك أي معنى جدي بتاتًا لأي تدريب على تزويد القاذفات الاسرائيلية بالوقود جوًا، واعطائه بعدًا مهما كعنوان لمناورة جوية مشتركة، لأنه ممكن ميدانيًا وتقنيًا بسهولة، كونه من بديهيات وأسس امكانيات وقدرات ومميزات قاذفات الجيل الخامس وطائرات التزود بالوقود الأميركية.
يبقى الأمر من ضمن التهويل الاعلامي المرتبط بالحرب النفسية التي دأبت الادارة الأميركية على تنفيذها ضد إيران مباشرة أو بواسطة حليفتها “اسرائيل”، وبهدف الضغط المتواصل على طهران لدفعها للتنازل والرضوخ في مفاوضات العودة الأميركية للاتفاق النووي، وحيث فشلت حتى الآن، كل محاولات واشنطن المباشرة وغير المباشرة في لي ذراع الجمهورية الاسلامية الإيرانية، تحاول اليوم عبر الإيحاء الخادع بأنها تخلت عن تحفظها ومعارضتها العملية الجوية الاسرائيلية لاستهداف المواقع النووية الايرانية، وأنها مستعدة اليوم لمشاركة “تل ابيب” في هذا العدوان.
وأخيرًا، وبمطلق الأحوال المتعلقة بصعوبة تنفيذ استهداف ناجح لمواقع ايران النووية مهما كانت الأسباب، تبقى تداعيات هكذا عدوان على الكيان برمته، وعلى كل القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، وعلى أي دولة مجاورة تتواطأ لتقديم دعم مناسب لهذه العملية، تبقى هذه التداعيات ضخمة ومهولة وخطيرة، لدرجة تُبعد القيمين على هذا القرار، عن اتخاذه في اللحظات الأخيرة.