من يوميات الميدان: عمليات مشتركة وتنافس في الكمائن
عندما تنتهي الحرب ستكون هناك قصص كثيرة يرويها المقاومون. هم الآن لا يزالون في الميدان ويصعب الوصول إليهم، وخصوصاً أنهم يعملون من تحت الأرض، لكن من استطاع التحدث يؤكد أن هناك حالة من التلاحم والصمود بين الأذرع العسكرية كافة
في السياسة تظهر التباينات بين الفصائل. فكل منها يريد أن يثبت صحة وجهة نظره، لكن في الميدان تتوحد الرايات وتنقشع الألوان من عليها، فعالم المواجهة والدفاع عن الأرض والعرض لا يحتمل هذا التباين، وخصوصاً في اللحظات الصعبة التي يقف فيها المقاوم أمام خيارين: إما الموت أو العودة منتصراً.
ثلاثون يوماً قضاها المقاومون تحت الأرض وفي النقاط الصفر لمواجهة العدوان الإسرائيلي. غابوا عن أسرهم وحياتهم، ولم يتواصلوا مع أحد للاطمئنان إليه. حتى إن بعضهم انقطع عن التواصل مع قيادته لأيام.
في المناطق الشرقية من قطاع غزة التي نالت النصيب الأكبر من التوغل والقصف المكثف تحت سياسة الأرض المحروقة، ظل المقاومون صامدين وعملوا من تحت الأرض كالأشباح. العضو في «كتائب القسام» (حماس) «م. ع.» أكد أنه عمل على خط التماس مع جنود العدو الذين كانوا يصرخون كالمجانين حينما يصابون ويطلبون النجدة. يضيف: «أصواتهم كانت كمن مسّه الجنون». ويذكر القسامي صاحب البنية الضخمة، أنه في إحدى المرات التي نصبوا فيها كميناً لدورية إسرائيلية استدرجوهم والتفوا عليهم من الخلف، مكملاً: «ما إن انتبهوا لوجودنا وإلى أنه لم يبق بيننا وبينهم أي مسافة، صرخ أحدهم مرتعباً وحاول أن يطلق النار علينا، لكن يده كانت ترتجف بشدة، لدرجة أن أعصابه انهارت، ما جعلني أضربه على وجهه قبل أن أجهز عليه».
أما صديقه في المعركة الذي شاركه الحديث، فيقول خلال لقاء قصير مع «الأخبار» أيام التهدئة الماضية، إنه يبتسم كلما تذكر ذلك الجندي الذي راح يصرخ ويقول لنا: «من أين تخرجون، هل أنتم أشباح؟»، مشيراً إلى أنه قتل هو الآخر.
ونفى المقاومان أن تكون هناك خلافات بين عناصر الفصائل خلال أيام الحرب، وإن حدث ذلك فإنه يكون على «من يتقدم الآخر لمنازلة الأعداء». زميلهما من «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لـ«الجهاد الإسلامي»، قال لـ«الأخبار»: «لا فرق بين حماس والجهاد وفتح في أرض المعركة… كلنا واحد، وكل ما نريده إيلام العدو وتلقينه دروساً قوية كي لا يعاود الاعتداء مرة أخرى على أهلنا»، لكنه لم ينف روح المنافسة بينهم في «صيد الإسرائيليين، على ألا يكشف ذلك ظهور المقاومين».
«لكل واحد منا تخصصه، ونعلم ماذا نفعل وكيف نصيب»، يتابع عنصر السرايا: «لدينا من القوة والصبر ما يكفيان لخوض حرب تستمر شهوراً إن بقيت إسرائيل متعنتة ولم ترفع الحصار عن شعبنا».
ويكشف المقاوم قصة أحد الكمائن التي عملت عليها السرايا والقسام بصورة مشتركة، «إذ كانت مهمة الأولى استدراج القوة العسكرية إلى مكان محدد، والأخرى الإجهاز على الجنود».
ويؤكد أن المهمة تكون متكاملة ضمن خطة محكمة ومتفق عليها «بناءً على ما يتطلبه الميدان»، مشيراً إلى أن عامل الوقت له أهمية كبيرة في نجاح العملية، «لذلك يرتبط ذهن المجاهد بالساعة كي ينجز مهمته خلال دقائق معدودة حتى لا تكتشف أمره طائرات الاستطلاع المنتشرة في السماء».
ولعل من أهم رجالات المقاومة التي كان لها تأثير كبير على المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء هو «أبو عبيدة»، المتحدث الرسمي باسم «الكتائب»، وكان كأنه يتكلم بلسان الفصائل العسكرية جميعها في الحرب. ويقول مصدر من «القسام» إن ذلك جرى بالتوافق المسبق بين الفصائل، حتى لا يحدث ارتباك في إعلان الموقف.
ويضيف مقاوم آخر من لجان المقاومة الشعبية قائلاً: «كلنا واحد في الميدان، ولعل الأخ أبو عبيدة هو الأكثر تأثيراً في الروح المعنوية للإسرائيليين، لقدرته على إرعابهم، وهو ما يساعدنا في الميدان للمضي قدماً».
ويشير إلى أن وحدات كثيرة صارت موحدة في الميدان، «ما يجعلنا نشعر بالوحدة». أما عن التصادم مع العدو فيقول: «قد تمر ليال طويلة في انتظار الآليات الإسرائيلية للتقدم أو الجنود ليقعوا في الكمين الذي ننصبه لهم، وتكون اللحظة المنتظرة حينما يقعون في الفخ ونجهز عليهم».
صحيفة الأخبار اللبنانية – سناء كمال