من يجرؤ على التغيير؟
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
يستشعر بعض اليساريين في لبنان بصيص امل من حجم التجاوب مع دعوة الحزب الشيوعي اللبناني والتنظيم الشعبي الناصري إلى التظاهر وقد تبارى العديد من المناصرين في إحصاء أعداد من لبوا نداء “إلى الشارع” وتباهى نفر منهم بتخطيها العشرين ألفا وهو بصراحة رقم معتبر تسجله “الطائفة اللبنانية التاسعة عشر” في زمن العصبيات الطائفية والتي يحق لها مقعد وزاري يفترض ان يخصص لوزير قومي او شيوعي في حكومة الوحدة الوطنية !
في ظل استمرار التخندق الطائفي للشعب اللبناني رغم تصاعد الأنين من المشاكل الاقتصادية الاجتماعية التي لا يمكن عزلها عن وقوع البلاد تحت وصاية أميركية محكمة في الاقتصاد كما في السياسة لفت بعض المعلقين إلى معدل أعمار من لبوا نداء إلى الشارع ووصفت الكتلة الأكبر منهم بالكهول وسأل البعض باستخفاف هل تبخر الشباب؟.
مشكورة جميع الجهود المبذولة لتطوير الاحتجاج الشعبي وتوسيع نطاقه لكن مجموعة من الملاحظات تفرض نفسها عنوة بحكم طبيعة الأزمة وتفاعلاتها:
اولا سينتظر طويلا من يريد مشهدا طبقيا نقيا لبنانيا أي ضمن الإطار الكياني السايكس بيكوي الذي يشطح بعض اليساريين في التعامل معه بعنصرية اختزالية “نقية” من آثار الكادحين والعمال العرب الذين باتوا هم قوة الإنتاج الغالبة في لبنان الذي يتبخر شبابه المؤهل علميا وتقنيا في المهاجر بمعدل يتخطى الأربعين بالمئة .
النقابات اللبنانية بما فيها تلك اليسارية محكمة الإغلاق في وجه مظالم خطيرة وقاسية يعيشها العامل السوري او المصري او الفلسطيني بينما نتباهى جميعا ونفاخر بمردود صادراتنا الصناعية والزراعية الذي اكتشفنا رقمه السحري أي ملياري دولار سنويا منذ فتح المعابر السورية الأردنية دون ذكر ما كلف ذلك من تضحيات دفعها الجيش السوري والشعب السوري والحشد الشعبي العراقي وحزب الله والمستشارون الإيرانيون والحلفاء الروس.
ثانيا إنه مشهد سوريالي لبناني ممتاز فمنتجاتنا الوطنية المزعومة من السلع الزراعية والصناعية التي نصدرها لم تكن لتصل إلى الأسواق الخارجية بيسر لولا ان منتجين جلهم من غير اللبنانيين استثمروا فيها دما وعرقا وأعمارا أفنوا سنواتها الأخيرة في المزارع والمصانع وتحملوا عنصرية أرباب العمل اللبنانيين وهي لم تكن لتصدر لولا ان محاربين سوريين ولبنانيين وعراقيين وإيرانيين وروسا فتحوا امامها الطريق إلى الأسواق ومن غير أي اعتراف او مكافاة لكل اولئك وهؤلاء وتتربع الأموال الناتجة عن هذه العملية الاقتصادية السياسية في قطاع مصرفي محكم الارتباط بالسيد الأميركي تديره هندسات مالية يحكى انها ذكية والعبرة في الخواتيم أي خواتيم رحلة الريع إلى جيوب المحظيين وخواتيم الأزمة المتفاقمة !!
ثالثا كعادة النقابوية اللبنانية أي بالقاموس الماركسي الكلاسيكي التريديونيونية ترصف الشعارات المطلبية وتكدسها دون ترتيب الأولويات على طريقة واجهات المحلات الكبرى المفتوحة في مواسم التنزيلات لجميع الأذواق والمتطلبات وهو احد أنماط تأثر اليسار بطقوس رأسمالية البلاد فقد رفع في التحركات الأخيرة شعار السلم المتحرك للأجور مع كمشة من الشعارات الاجتماعية الأخرى دون إشارة ولو خجولة إلى إسقاط الوصاية الأجنبية على الاقتصاد اللبناني المتكيف مع الاستعمار المالي الأميركي كما وصفه الرئيس ميشال عون عندما سئل عن العقوبات الأميركية او إلى إنصاف المنتجين الفعليين من الأشقاء العرب وغيرهم في لبنان وهم مصنفون اجانب بالجملة في عرف القانون والسياسة لتسويغ اغتصاب حقوقهم البديهية كمنتجين معرضين للاستباحة على مدار الساعات والأيام وجلهم رازح في مخيمات لا تليق بالحياة الآدمية في القرن الواحد والعشرين المبجل.
رابعا نضبت هياكل نقاباتنا الجوفاء من العمال اللبنانيين ولدينا كامل التصميم العنصري على رفض قاطع لضم المنتجين غير اللبنانيين إليها او إدراج مطالبهم في تلك اليافطات المزدحمة بالمطالب والشعارات فأي سفاهة عنصرية لا تغتفر والأنكى انها يسارية وعمالية من حيث ادعائها وانتسابها ؟!
هذا اليسار النقابوي يتواطأ في تلك اللعبة مع برجوازيته المحلية الخاضعة للهيمنة ومع ما تبقى من عمال وقاعدة التململ الاجتماعي والسياسي تضم المعلمين والمهنيين وموظفي القطاع العام وسائقو السيارات العمومية فهؤلاء هم الكادحون الفعليون الذين يعمل في خدمتهم مئات آلاف العمال السوريين والمصريين والفلسطينيين والآسيويين ممن يسيرون آلة الاقتصاد الفعلية من المعامل والحقول والمطاعم والخدمات المنزلية التي تضطر إلى الاستعانة بها النساء العاملات والكادحات وكذلك المترفات من الطبقات الوسطى والعليا في مجتمع تغرقه قيم الاستهلاك بجميع صنوفها وفيه عنصرية متأصلة ويسار لا يشهر سلاح النقد الجريء في أي مكان.
خامسا إذا أراد احد ما تغييرا في المشهد بروح النضال التحرري الثوري الحقيقي لوجب عليه تبني شعار إسقاط الوصاية الأميركية كأولوية ومن بعده بالترتيب قيام السوق المشتركة مع سورية والعراق والأردن والانفتاح الاقتصادي على إيران والصين وروسيا كهدف ووسيلة لإنقاذ الاقتصاد اللبناني وتكريس حق العمال والمنتجين غير اللبنانيين من العرب والأجانب بالانضمام إلى جميع نقابات مهنهم في لبنان وشمول مطالبهم في لوائح الشعارات الطويلة العريضة.
ينبغي بادئ ذي بدء على من يريد التحرك المجدي الاعتراف بفضل من بذلوا الدماء لفتح طرق تصدير الموز والحمضيات وسائر المنتجات اللبنانية عبر شريان عربي عابر للحدود وتسهيلا لعبور البضائع والسلع التي ينتجها الكادحون العرب في لبنان والذين لا يجوز ان يستمروا مكتومي الهويات والحقوق كأنهم أبناء سفاح القربى. فمن يجرؤ على تبديل الشعارات والأهداف ووضع الأولويات وفتح جدران النقابات المتكلسة ؟!