من هي “جماعة خراسان”.. ولماذا استهدفتها أميركا؟
صحيفة السفير اللبنانية ـ
عبد الله سليمان علي:
قبل أيام فقط من بدء عمليات التحالف الدولي ـ العربي، الذي تقوده واشنطن، ضد تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – “داعش”، أعلن مسؤولون أميركيون عن وجود جماعة متطرفة جديدة في سوريا، اسمها “جماعة خراسان”، تمثل خطراً لأنها بحسب قولهم “أكثر عزماً على تنظيم هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة أو منشآت خارجية”، بل اعتبر مدير الاستخبارات الأميركية جيمس كلابر ان خطورة هذه الجماعة لا تقل عن “داعش” وأنها تمثل تهديداً كبيراً لبلاده.
ويبدو أن الحديث عن “جماعة خراسان” في هذا التوقيت لم يكن من قبيل المصادفة، لأن المسؤولين الأميركيين أعلنوا، بعد ساعات من بدء العمليات ضد معاقل بعض التنظيمات المتشددة في سوريا أمس الأول، أن “الغارات الجوية استهدفت إحباط هجوم وشيك كانت تعد له جماعة خراسان”. وأكد متحدث باسم الجيش الأميركي أن “التخطيط للهجوم الإرهابي كان في مراحله الأخيرة”، بينما لم يصدر أي تأكيد من قبل السلطات الأميركية حول ما أشيع عن مقتل متزعم “جماعة خراسان” الكويتي محسن الفضلي، المعروف بلقب أبو أسماء الخراساني.
ومع كل هذه الخطورة بقيت المعلومات عن “جماعة خراسان” قليلة جداً، ولم ترشح أي تفاصيل عن تشكيلها أو تركيبتها أو قياداتها أو طبيعة نشاطها داخل سوريا. ولم يفسر المسؤولون الأميركيون كيف خرج هذا التنظيم من العدم، وأصبح يشكل فجأة أكبر خطر على الغرب؟
فمن هي “جماعة خراسان” التي يتحدث عنها المسؤولون الأميركيون؟ وهل لها وجود مستقل؟ وما مدى خطورتها الحقيقية على المصالح الغربية؟
ما يثير الاستغراب في البداية، أن الإعلان من قبل الجيش الأميركي عن إحباط مخطط لهجوم إرهابي وشيك لم يترافق مع أي إجراءات أمنية على الأراضي الأميركية، ولم يعلن عن وجود خلايا متطرفة داخل أميركا تعمل بالتنسيق مع “جماعة خراسان”، كما بقي المخطط المفترض وهدفه طي كتمان أجهزة الاستخبارات. وأكثر من ذلك تمّ الإيحاء بشكل مباشر أن تدمير معقل “جماعة خراسان” في الشمال السوري أدى إلى إحباط المخطط الإرهابي، من دون معرفة العلاقة بين تدمير مبنى في سوريا وبين تنفيذ مخطط في دولة أخرى مثل أميركا؟
ورغم الكشف عنها وفضح اسمها وخططها، إلا أن “جماعة خراسان” بقيت صامتة، ولم يصدر عنها أي بيان، لا حول التقارير التي تحدثت عن مقتل قائدها ولا حول تدمير مقارها، بينما واصل المسؤولون الأميركيون الحديث عن الخطر الذي تمثله وتهديدها لمصالح الغرب. وقد يكون سبب الصمت الذي لاذت به “جماعة خراسان” هو أنه ليس لهذه الجماعة وجود ضمن كيان مستقل، وبالتالي لا يمكن مطالبتها بإصدار بيان نفي أو تأكيد، مهما بالغت واشنطن في الحديث عن خطرها وتهديدها.
وما يؤكد ذلك أن جميع المقار التي استهدفتها الغارات الجوية الأميركية في الشمال السوري، معروفة التبعية لهذا الفصيل أو ذاك. والأهم من ذلك أن الشخص الذي يشار إليه على أنه متزعم الجماعة، أي الكويتي محسن الفضلي، معروف أنه من “أمراء جبهة النصرة”، كما أن المكان الذي قيل إنه قتل فيه هو مقر تابع لـ”النصرة” أيضاً، الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك بالمعلومات المنشورة حول “جماعة خراسان”.
ويرجح أن “جماعة خراسان” ما هي سوى تسمية تقصد واشنطن منها الكوادر القيادية التي أرسلها زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري، إلى “جبهة النصرة” بعد مبايعة زعيمها أبو محمد الجولاني له في نيسان العام الماضي. إذ من المعروف أنه عند مبايعة أي فصيل للظواهري، فانه يشترط أن يكون له حصة في المناصب القيادية للفصيل الذي بايعه، كي يكون على اطلاع بكافة شؤون الفصيل من جهة وشريكاً أساسياً باتخاذ القرار فيه من جهة ثانية.
وفعلاً فإنه بعد بيعة الجولاني للظواهري وصلت إلى سوريا العديد من قيادات “خراسان”، واستلمت مناصب عليا في “جبهة النصرة”، منها القائد العسكري العام أبو همام السوري والمتحدث باسمها أبو فراس السوري، والسعودي عبد المحسن الشارخ، المعروف بلقب سنافي النصر وهو “أمير النصرة في الساحل”، وعبد الرحمن الجهني ومحسن الفضلي الذي قيل انه قتل بالغارات الأخيرة وغيرهم.
لكن لماذا تشير واشنطن إلى هؤلاء على أنهم “جماعة خراسان”، ولا تذكر أنهم “أمراء” في “جبهة النصرة”؟.
ثمة أسباب كثيرة قد تدفع الإدارة الأميركية إلى مثل هذا التصرف، الأول أن “جبهة النصرة” ما زالت تحظى بدعم بعض الدول المشاركة في التحالف، وعلى رأسها قطر، كما أن استهداف “النصرة” قد يؤدي إلى إشعال معارك جانبية بينها وبين فصائل أخرى في عدة مناطق من البلاد، الأمر الذي قد تعتبره واشنطن خدمة للنظام السوري في هذا الوقت.
ثم إن الإدارة الأميركية تحتاج إلى الترويج لحملتها العسكرية، وكسب التأييد لها كيلا تفقد زخمها الشعبي، وبالتالي توهم شعبها أنه معرض لتهديد وشيك من قبل تنظيم سري لا أحد يعرف عنه شيئاً. أما لو ذكرت أن “جبهة النصرة” هي من يشكل هذا التهديد لما صدقها أحد، لأن “النصرة” قامت مؤخراً بالعديد من الخطوات التي تظهر مدى تعاونها مع الغرب، خصوصاً الإفراج عن صحافي اميركي ومخطوفي عناصر قوات “الأندوف” من دون أي مقابل. كما أنها امتنعت حتى الآن عن استهداف الكيان الإسرائيلي، رغم تواجدها على “حدوده” مباشرة، واستمر امتناعها حتى خلال حرب الخمسين يوماً ضد غزة. ومن يفعل ذلك يصعب التصديق بأنه يشكل أي خطورة على مصالح أميركا أو الغرب، لذلك فضلت واشنطن استهداف من تريد من قيادات “النصرة”، لكن تحت اسم “جماعة خراسان”.