من دبلوماسية البينغ بونغ الى دبلوماسية التنس !
صحيفة الأنوار اللبناينة ـ
رؤوف شحوري :
ما يحدث حالياً بين واشنطن وطهران يشبه الى حد بعيد ما جرى بين واشنطن وبكين قبل نحو ٤٢ سنة، وقاد الى عودة العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، بعد قطيعة استمرت ٢٢ سنة. ومصمم تلك العملية في ذلك الحين هو الداهية هنري كيسنجر، وعُرفت بعد ذلك ب دبلوماسية البينغ بونغ أي كرة الطاولة. وما يحدث اليوم بين طهران وواشنطن يصح أن نُطلق عليه دبلوماسية التنس أي كرة المضرب! وكانت تسود العلاقات حالة من العداء الشديد بين أميركا والصين كما هي اليوم بين أميركا وايران، وانقلبت بعد ذلك الى علاقات صداقة وتعاون…
ماذا حدث قبل ٤٢ سنة؟.. كل شيء بدأ بمصافحة اللاعب الأميركي بكرة الطاولة مع منافسه اللاعب الصيني على هامش الدورة ٣١ التي كانت تقام في اليابان، وقدم خلالها اللاعب الصيني هدية الى اللاعب الأميركي لفتت انتباه وسائل الاعلام الدولية! ونتيجة لذلك عبّر الفريق الأميركي عن رغبته بزيارة الصين. ووصل الأمر الى الزعيم الصيني ماوتسي تونغ الذي وافق على دعوة يوجهها المنتخب الصيني الى المنتخب الأميركي. وتمت الزيارة بين ١٠ و١٧ نيسان/ ابريل ١٩٧١، وكان أول وفد أميركي تطأ أقدامه أرض الصين منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية! واستقبل رئيس مجلس الدولة رئيس الوزراء شو ان لاي الوفد الرياضي الأميركي وألقى كلمة أورد فيها عبارة ملفتة بقوله: أنتم تفتحون اليوم باباً جديداً للعلاقات بين شعبي الدولتين… وبعد ساعات فقط أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عن اجراءات لتخفيف الحظر الأميركي على الصين! بعد نحو ثلاثة أشهر قام كيسنجر بزيارة سرية الى الصين موفداً من الرئيس نيكسون تموز ١٩٧١. وفي شباط/ فبراير ١٩٧٢ قام نيكسون بزيارة رسمية الى الصين، وصدر اعلان شنغاي الذي أسس لتطبيع العلاقات والتي عادت رسمياً في ١٩٧٨، وتم تبادل السفراء في أول كانون الثاني/ يناير ١٩٧٩، أي بعد مرور نحو ثماني سنوات على المصافحة بين لاعبي كرة الطاولة الأميركي والصيني في اليابان!
يحدث اليوم أمر مشابه على هامش دورة فلاشينغ ميدوز للتنس كرة المضرب التي تقام في أميركا. وقد منعت السلطات الأميركية دخول حكم ايراني الى أراضيها للمشاركة في مباراة في اطار البطولة لأن نظام العقوبات الأميركي المفروض على ايران يتطلب ذلك. ورفع الأمر الى وزارة الخزانة الأميركية المكلفة تطبيق العقوبات، فقررت تليين الموقف والسماح بتسهيل بعض النشاطات الرياضية، بل وأضافت اليها أيضاً بعض النشاطات الانسانية، على أن يتم هذا النوع من المبادلات بين أميركا وايران دون الحصول على اذن خاص! وفي هذا التوقيت صدر عن المرجعية الأعلى في ايران علي الخامنئي تأكيد جديد ومكرر عن ان ايران لا تسعى لانتاج قنبلة نووية لأسباب دينية وعقائدية وليس مراعاة لأميركا أو تقية منها! وسبق ذلك اعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تبادل الرسائل مع الرئيس الايراني حسن روحاني الذي وصفها بأنها ايجابية وبناءة! والتصريحات والمواقف المعلنة على أعلى المستويات في واشنطن وطهران تلتقي عند نقطة تقاطع واحدة، وهي انه من الممكن حل أزمة النووي الايراني بالوسائل الدبلوماسية، مع اعلان الاستعداد لذلك!
ما يجري اليوم بين واشنطن وطهران يذكّر بما جرى بين واشنطن وبكين سابقاً… ويصدق فيه الوصف الدقيق الذي ورد على لسان الرئيس الايراني حسن روحاني في المقابلة التلفزيونية على شبكة إن. بي. سي الأميركية. وقد وصف ما يجري بأنه قد يكون خطوات دقيقة وصغيرة نحو مستقبل مهم جداً!
إن دبلوماسية البينغ بونغ الأميركية تتكرر اليوم مع ايران عبر دبلوماسية التنس!