من جَلَب على سوريا هذا الويل؟
صحيفة النهار اللبنانية ـ
سميح صعب:
عجيب أمر هذا الغرب وما يفعله بسوريا وبالمنطقة. فهو يستصغر كل المخاطر الناجمة عن الاندفاع المستمر منذ عامين ونيف نحو نظام الرئيس بشار الاسد ويعتبرها هامشية أمام بقاء الاسد في سدة الحكم. ومن النتائج التي تحققت حتى الان ان الدولة السورية هي التي تتعرض للتدمير في حين ان النظام لا يزال سليماً الى حد بعيد، بينما فقدت المواعيد المضروبة للسقوط سحرها و”الايام المعدودة” مرشحة للتحول سنوات ان لم تكن عقوداً كما يقول رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي.
ولعلَّ الاشد غرابة ان دولاً مثل فرنسا وبريطانيا لا تزال تبحث في تسليح الائتلاف الوطني السوري المعارض من أجل تغيير التوازن على الارض، بينما يتمسك وزير الخارجية الاميركي جون كيري بنظرية الضغط العسكري وغير العسكري لحمل الاسد على “تغيير حساباته” وحزم حقائبه والرحيل وتسليم رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب أو غسان هيتو السلطة لتستقيم الامور وتعود سوريا الى حياتها الطبيعية وتبدأ مسيرة العمران والازدهار والديموقراطية والتعددية.
واذا كان هذا ما يريده الغرب فإنما هو موجود على المستوى النظري فقط، بينما سحب أبو محمد الجولاني وأبو عمر البغدادي البساط من تحت اقدام الجميع ليتحول الصراع في سوريا الى وجهة اخرى لم تعد كلمات الافغنة والصوملة والبلقنة لقول دلالة كافية على ما يجري فوق الارض السورية، إلا اذا كان الغرب واثقاً من ان الائتلاف الوطني قادر بسحر ساحر على قلب المقاييس والتغلب على الاسد وعلى “دولة الاسلام في العراق والشام” التي اعلنتها “القاعدة” بفرعيها العراقي والسوري قبل أيام. ان سوريا تعيش اليوم تجارب تختزل كل التجارب التي مرت بها أفغانستان والصومال واليمن والبوسنة والشيشان والعراق ومالي، ولا يلوح في الافق أي من الامال الكبار التي يعد بها الغرب، ولا يزال، الشعب السوري منذ أكثر من عامين. فمن يتقدم على الارض هي “جبهة النصرة” والتنظيمات التابعة لها بعدما باتت سوريا ارضاً لـ”الجهاد العالمي” كما كانت الدول الآنفة الذكر في مرحلة من المراحل.
لكن الاشد غرابة ان الغرب يبتدع دوماً مبرراً لوجود “القاعدة”. والمثال الابلغ على ذلك هو العراق بالامس وسوريا اليوم. ووقت تعجز الولايات المتحدة وأوروبا عن القضاء على “القاعدة” سواء بالحروب المباشرة أم بالطائرات من دون طيار، فإنها تحاول القضاء في الوقت عينه على الدول القادرة على مواجهة التطرف الذي تشكو منه وتعمل على اعداد اطراف وجهات لا يبدو انهم يمتلكون القدرة اللازمة أو ربما الارادة ليفعلوا ذلك.
بعد كل هذا ليس مستغرباً ألا تقتصر رحلة البحث عن وطن على أقباط مصر وحدهم!