مملكة الرمال والهزائم المدوية
الهبة السعودية إلى الجيش اللبناني: لماذا؟
موقع العهد الإخباري –
فيصل الأشمر:
تعبّر الصورة التي تجمع بين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والتي يظهر فيها الملك عبد الله مستنداً إلى عكازه بينما يضع الرئيس الفرنسي يده على يده أفضل تعبير عن حال الملك والمملكة من الناحية الصحية.
أما عن صحة الملك الشخصية فيكفي القول إنه يعاني من مشاكل صعبة نتيجة المرض والتقدم في العمر. بينما تعاني المملكة من مشاكل في صحة سياستها الداخلية نتيجة توزع السلطة فيها بين عدة أمراء من الصقور يحاول كل واحد منهم إثبات قوته وزعامته تحضيراً لشغل العرش السعودي بعد رحيل الملك الحالي.
أما عن صحة سياسة المملكة خارجياً فحدّث ولا حرج. فالمملكة تعاني خارجياً من مرضين شديدين، أصابها الأول بعد أن توصّلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة ودول 5 + 1 من جهة أخرى إلى تسوية مبدئية للملف النووي الإيراني، في حين كانت المملكة تراهن على ضربة إسرائيلية للجمهورية الإسلامية تقضي على قدراتها النووية أو تضعفها على أقل تقدير.
أما المرض الثاني فهي تعاني منه منذ بدء تراجع الوضع العسكري للمسلحين المدعومين منها في سوريا وتمكّن الجيش السوري من طرد مجموعاتهم الإرهابية من مناطق واسعة واستراتيجية من الأراضي السورية. وحتى معركة القلمون التي راهن عليها بندر بن سلطان وحشد لها آلاف المسلحين ها هي توشك على الانتهاء لغير صالح المسلحين ومن ثم لغير صالح مملكة الرمال. وقد رافق هذا المرض السعودي عوارض مرضية أخرى كتصريح الإدارة الأميركية عن عدم نيتها تسليح المسلحين الذين يقاتلون في سوريا، وهو ما أعلنت عنه تركيا وبعض الدول الأوروبية أيضاً.
هذان المرضان السياسيان اللذان أصابا مملكة الرمال تعاني منهما أيضاً حكومة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وإن كانا أقل وطأةً على فرنسا كما هما على المملكة. ففي الشأن الإيراني ما زالت الحكومة الفرنسية على تشددها فيما يتعلق بالملف النووي ولطالما وضعت شروطاً قاسية من أجل التوصل إلى تسوية لهذا الملف في مراحل المفاوضات السابقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول 5 + 1 وهي الشروط التي لم تلتفت إليها الإدارة الأميركية حين التوقيع على التسوية المبدئية في جنيف.
أما في الشأن السوري فإن فرنسا هي الدولة الوحيدة التي ما زالت تتشدد في مواقفها من النظام السوري، بعد أن تراجع التشدد الدولي بعض الشيء، وتحول من المطالبة بدعم المسلحين ورحيل الرئيس بشار الاسد إلى الدعوة إلى وقف القتال والعمل على حل الأزمة السورية حلاً سياسياً.
ضربتان على الرأس أوجعتا فرنسا والمملكة السعودية جداً. ضربتان أتتهما من محور الممانعة وهو المحور الذي ظنا أنه من السهل القضاء عليه أو إضعافه فإذا به ينتصر عليهما في طهران ودمشق. وكان لا بد من البحث عن أسلوب للانتقام من هذا المحور، وهو الانتقام الذي يعني السعودية أكثر مما يعني فرنسا، لأسباب إقليمية وسياسية وحتى عقائدية مختلفة. وأين يمكن للمملكة السعودية أن تنتقم لهزيمتيها القاسيتين إلا في بلد لها فيه قوى سياسية ودينية موالية وجاهزة للعمل مثل لبنان؟
في لبنان فريق سياسي، هو فريق الرابع عشر من آذار، يضمر العداء الواضح لتيار الممانعة، المتمثل في لبنان بحزب الله وحلفائه، وهو الحزب المتهم بقتل الرئيس الراحل رفيق الحريري، والمتهم بقتل شخصيات هذا الفريق، والمتهم بالسيطرة على البلد بواسطة سلاحه “غير الشرعي”، وبالمشاركة في “قتل الشعب السوري”، كما يكررون. وهذا الفريق واضح التبعية لمملكة الرمال، سياسياً ومالياً، ومنصاع لإرشادات أمراء آل سعود وتوجيهاتهم، وأهمها عرقلة تأليف حكومة وحدة وطنية يشارك فيها حزب الله. وفي لبنان أيضاً مجموعات تكفيرية مسلحة، جاهزة على الأرض لتنفيذ أوامر بندر بن سلطان الإرهابية، والتي كان آخرها العمليتان الانتحاريتان ضد السفارة الإيرانية في بيروت. نقول “كان آخرها” بانتظار كشف الجناة الذين كانوا وراء مقتل الوزير السابق محمد شطح والجهات الداخلية والخارجية التي تقف وراءهم.
“عليك أن ترسل الجيش لمنع حزب الله من التدخل في سوريا” جملةُ وجهها الملك السعودي عبد الله إلى الرئيس اللبناني ميشال سليمان في لقاء بينهما خلال زيارة الأخير إلى مملكة الرمال منذ أكثر من شهر. وهي الجملة التي ذكرتها صحيفة الأخبار اللبنانية مضيفةً أن “رئيس الجمهورية تلعثم بالرد” فتدخّل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ذاكراً “أنه لو كان بمقدور سليمان ان يمنع حزب الله من التدخل في سوريا، لفعل ذلك” ويبدو أن تلعثم رئيس الجمهورية وكلام سعد الحريري كانا كافيين ليتخذ الملك السعودي قراره بالتدخل المباشر في منع حزب الله من المشاركة في سوريا.
وكرّت سبحة “طويل العمر”: اغتيال رمز الاعتدال في فريق الرابع عشر من آذار وتيار المستقبل، الوزير السابق محمد شطح، الشخصية السهلة الوصول إليها من الناحية الأمنية بالمقارنة بغيرها من شخصيات 14 آذار، والتي لا حاجة لاعتدالها في أجواء رفع التوتير ضد حزب الله وحلفائه، بعد ذلك مباشرةً وقبل أن يبرد دم الراحل تولت جوقة 14 آذار وماكينتها الإعلامية توجيه الاتهام إلى حزب الله بقتل شطح، ربما حتى قبل وصول رجال الأمن والجنايات إلى مكان التفجير، وربما حتى قبل معرفة المستهدف من هذا التفجير. في هذا الوقت كانت مجموعة مشبوهة تطلق عدة صواريخ من جنوبي لبنان نحو فلسطين المحتلة، في خطوة وصفها بعض المتابعين بمحاولة إلهاء حزب الله عن تدخله في سوريا أو محاولة جر جيش العدو الإسرائيلي إلى مواجهة مع حزب الله.
تصعيدان خطيران داخلي وحدودي يضاف إليهما خطوة الإعلان عن هبة بقيمة ثلاثة مليارات دولار من السعودية لتسليح الجيش اللبناني عبر فرنسا، وهي الهبة التي تثير أسئلة كثيرة لناحية التوقيت والدافع والمقابل الذي قد يكون مفروضاً على لبنان تقديمه لقاءها.
لطالما كان الجيش اللبناني محروماً من المساعدات والهبات العسكرية، ومحروماً من موازنة معتبرة تؤمن له المتطلبات الدفاعية على الأقل. ولطالما واجه جنود الجيش اللبناني المجموعات المسلحة في الداخل والعدو الإسرائيلي على الحدود ببنادقهم التقليدية وسلاحهم البسيط الذي مر عليه الزمن، وحتى أحياناً من دون خوَذ ودروع تحميهم. ومَن ينسى كيف تُرك الجيش وحيداً في أحداث نهر البارد في الشمال في العام 2007 يوم واجه جنوده عناصر فتح الإسلام وسقط له 168 شهيداً ومئات الجرحى، دون أن تبادر أية دولة لتقديم الدعم له، ما خلا الدعم الذي وصله من الجيش السوري؟
لماذا الآن يُعلن عن هذه الهبة السعودية للجيش اللبناني؟ ولماذا عبر فرنسا؟ وما هو نوع السلاح الذي سيقدّم للجيش اللبناني؟
هل ستقوم فرنسا الحليفة التاريخية للعدو الإسرائيلي بتقديم صواريخ مضادة للدروع أو للطائرات إلى الجيش الذي يتبنى عقيدة قتالية ترى أن إسرائيل هي عدو الوطن؟ مع الإشارة هنا إلى أن المملكة السعودية نفسها ممنوع عليها أن تمتلك أي سلاح نوعيّ يمكن أن يؤثر على التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة. ثم لماذا القبول بهبة سعودية ورفض هبتين إيرانية وروسية من قبل؟
هل هذه الهبة هدية ومكافأة لفرنسا على وقوفها إلى جانب خيار مملكة الرمال في سوريا وفي المفاوضات حول النووي الإيراني، وكان تسليح الجيش اللبناني عبر فرنسا غطاءً لها؟
أم أنها لدعم الجيش ضد حزب الله والوقوف في وجهه وفق سيناريو سعودي يُعمل به في لبنان في المستقبل؟
أسئلة لا بد من الوقوف عندها، خاصةً إذا كان البلد المعني بها المملكة السعودية التي لطالما كانت متدخلاً سلبياً في الشؤون الداخلية للدول العربية.