مفخرة سويسرا تخسر حبَّ مستخدميها
جنيف – مارتين نفيهو شتيني (ليدوفي نوفيني) :
يشق القطار طريقه عبر طبيعة خلابة مغطاة باللون الأبيض، ورغم الجليد السائد في كل مكان يصل في الوقت المحدد. الدفء ينبعث من داخله، ويمكن عبر النافذة مشاهدة غروب الشمس، ثم يمر الساعي داخل المقصورة وهو يوزع القهوة التي تفوح رائحتها في كل مكان. لكن رغم كل تلك الأجواء الشاعرية الجميلة، يزداد في الآونة الأخيرة عدد السويسريين الذين يترددون في الدفاع عن السمعة المستحقة لمصلحة السكك الحديدية في بلادهم، والتي تعتبر الأفضل في العالم.
يفخر السويسريون بقطاراتهم، لكن هذا الفخر قد بدأ يتراجع بسبب سياسة بيع بطاقات السفر التي تم تطبيقها مؤخرا. فالمعايير الجديدة لهذه السياسة تمنع المسافرين من شراء البطاقة داخل القطار.
ويتم تنفيذ تلك السياسة بالرغم من أن وظيفة المضيفين في القطار لا تزال موجودة. من الناحية النظرية يجب ألاّ يشكل ذلك الأمر أي مشكلة كبيرة، لأنه يمكن شراء البطاقة من الآلات المنتشرة في أرجاء محطات القطار، أو عبر الهاتف أو الإنترنت. لكن الأمر يبدو أصعب في الممارسة العملية، لأن المسافر يصطدم عندئذ بمسألة الوصف الصحيح لـ«البطاقة الصالحة»، وتاليا بالغرامة المرتفعة التي يضطر لدفعها إذا لم يتمكن من إثبات صلاحية بطاقته.
مثال على ذلك: يعلم أحد الشباب بأنه يفترض به ألا يصعد إلى القطار إلا ببطاقة صالحة مزودة بختم يحتوي على تاريخ شرائها من الآلة. لكنه يكتشف بأن الآلة المعنية لا تعمل، أو فيها خلل، أي انها تصدر البطاقة لكن من دون التاريخ. فيقوم عندئذ بتدوين التاريخ والوقت بخط يده، ويصعد إلى القطار بضمير مرتاح لأنه متأكد من أنه لم يرتكب أي ذنب. لكن المضيف في القطار يملك رأيا آخر بالطبع، ولأنه يعتقد بأن البطاقة غير صالحة، يفرض غرامة كبيرة على المسافر.
ومثال آخر: رجل متقاعد يقرر الذهاب في رحلة مع حفيده، ثم يشتري بطاقة لشخصين عبر الهاتف. لكن يتبين بعد ذلك في القطار أنه لا يمكن من خلال هذه الطريقة شراء بطاقة لشخصين بل لشخص واحد فقط. يحصل الرجل المتقاعد أيضا على غرامة مماثلة.
مثال ثالث: تهرعون في الصباح القارس إلى المحطة لتكتشفوا بأن آلة شراء البطاقات لا تعمل. لا تيأسون لأنكم تملكون جهاز الهاتف الذكي، ثم تكتشفون أن الأمور ليست بهذه السهولة.
تبدأ الأصابع المتجمدة بنقر البيانات المطلوبة على جهاز الهاتف، وفي نهاية الأمر تحصلون على البطاقة الإلكترونية، ثم تصعدون إلى القطار المتوجه نحو جنيف. وعندما يأتي المفتش المكلف بمراقبة البطاقات، تُظهرون له بطاقتكم بكل فخر، لكن يتبين فجأة أنه لا يشارككم الحماس نفسه. «بطاقتكم غير صالحة»، يقولها بهدوء.
أما سبب ذلك فلن تعرفوه إلا بعد بضعة أسابيع، عندما تتسلمون رسالة من وكالة فريدة أطلقت عليها مصلحة السكك الحديدية اسم «قسم حماية المبيعات». يتبين بعد ذلك أن عملية تحويل المبلغ من خلال بطاقة الدفع لم تتم إلا بعد أربع دقائق على انطلاق القطار من المحطة. هذا يعني طبعا، كما يزعمون، أنكم اشتريتم البطاقة داخل القطار وبعد أربع دقائق من الركوب، وهذا غير مسموح حسب القانون. ولذلك لا تنسى الوكالة المذكورة أن ترفق مع الرسالة غرامة بقيمة 190 فرنكاً سويسرياً (حوالي 200 دولار).
يمكن في هذه اللحظة أن تغضبوا كما تشاؤون، وأن تزعموا بأنه لا يمكن، من الناحية المنطقية، تنفيذ سياسة منع شراء البطاقات داخل القطار حتى هذه الحدود الاستثنائية. كما يمكنكم الإشارة الى أن آلة بيع البطاقات الموجودة داخل المحطة لم تكن تعمل كما يجب. لكن كل ذلك لن يجدي نفعا.
ويبدو أن المحاولات المماثلة التي يقوم بها حوالي 750 مسافراً للدفاع عن أنفسهم من ظلم الاتهام بالتقصير في شراء البطاقات، لن تنفع أيضا. أما مصلحة السكك الحديدية السويسرية فتدافع عن نفسها بطريقة فريدة: لقد تم فرض الإجراء المذكور لحماية مصالح الركاب الشرفاء الذين يدفعون بانتظام وحسب القانون. إلا أن التدقيق في عائدات المصلحة المذكورة يشير لشيء آخر – فهي تجني شهريا بفضل تلك الغرامات حوالي مليوني دولار.
وهذا مدخول ممتاز حتما، لكنه يعني من جهة أخرى زيادة عدد المسافرين المحبطين، المتذمرين مما يصفونه من أعمال الغش والخداع التي تمارس ضدهم، رغم حرصهم على بذل كل جهد ممكن لشراء البطاقات في الوقت المحدد. لقد شعر بعضهم بالغضب والإحباط مما جرى له لدرجة أنه قرر مواجهة السكك الحديدية أمام القضاء.
الأمر سيكون مثيراً حتما – مصلحة السكك الحديدية السويسرية ضد الشعب. في هذه الأثناء لا تزال القطارات محبوبة في سويسرا، لكن يبدو أن المقاعد لم تعد مريحة كالسابق، ورائحة القهوة لم تعد مغرية كما كانت. هذا لأن السكك الحديدية السويسرية قد فقدت أكثر من تلك الملايين التي حصلت عليها من الغرامات: فهي فقدت العلاقات الجيدة مع ركّابها.