معنى زيارة “حزب الله” للعماد عون
موقع النشرة الإخباري ـ
جورج عبيد:
أكّدت زيارة وفد “حزب الله” برئاسة الحاج حسين الخليل والحاج وفيق صفا، أنّ ترشيح رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة ضرورة استراتيجيّة، وليس حاجة تكتيكيّة يستهلك الحزب معاييرها ومفرداتها للقيام بمجموعة مساومات يتخلّى بها عن العماد عون لصالح مرشحين آخرين يحملون صفة التوافقية بناء على مقايضات إقليمية وعربية ودولية.
قبل الزيارة، وقف كثيرون عند إشكالية التمديد، وظنّوا في قراءاتهم، أنّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، الذي رشّح بصورة علنيّة وجهارًا، العماد عون، جاء ترشيحه في سبيل الإحراج فالإخراج، واتجهت مخيلات بعضهم إلى رسم سيناريوهات تنزع عن العماد عون صفة الوفاقيّ، فيبقى مرشّحًا أحاديّ الجانب، محشورًا بنطاق واحد، وغير متسع الآفاق استنادًا إلى الحوار الذي تم بينه وبين “تيار المستقبل” وبالتحديد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. كما وتوسّعت تلك المخيلات لتستنتج بأنّ السيّد حسن نصرالله حاول بخطابه تجويف معنى الترشيح ومنطلقاته واتجاهاته الوطنيّة ليتم استبداله بمرشّح يجيء مولودًا من حلف رباعيّ حتّم التمديد وسيحتّم وجود مرشّح آخر غير العماد عون يتسربل وشاح التوافقيّ من دون توضيح واضح لمعنى التوافقيّة بمعاييرها السياسيّة والميثاقيّة.
بداءة الوداد ما بعد التمديد بين “حزب الله” و”التيار الوطنيّ الحرّ”، أنّ العماد عون ذاق محتوى كلام السيد نصرالله غير العابر وغير الآنيّ أو اللحظويّ، ولم يربطه البتّة، وكما اشتهى كثيرون بالخلاف مع الحزب حول التمديد للمجلس، وتياره ماض بالطعن أمام المجلس الدستوريّ بقانونيّة التمديد ودستوريّته. بل على العكس تمامًا، إن العماد عون مدرك تمام الإدراك، بأنّ السيّد رجل مبدئيّ ونضاليّ، والحلف معه انطلق من أسس استراتيجيّة تتجاوز الحراك اللبنانيّ باتجاه الرؤى المشرقيّة التي يعنى بها كلّ من الحزب والتيار في المعارك الوجوديّة في سوريا أو العراق، أي في الأمكنة القائمة على التنوّع المذهبيّ والمنطلقة من اللقاء المسيحيّ-الإسلاميّ. ولا ينكر الأمين العام لـ”حزب الله” أنّ المسيحيين في لبنان وخلال حرب إسرائيل وقفوا وقفة وجوديّة باحتضانهم لأبناء الطائفة الشيعيّة، المهجرين من الجنوب، وكانت لهم مواقف واضحة من تلك الاعتداءات. وإذا قاس الرؤى المسيحيّة بجوهرها اللاهوتيّ المنساب بالأطر السياسيّة والقومية لأدرك بأنّ المسيحيين هم من تبنّوا في جوهر الصراع مع إسرائيل قضيّة فلسطين وكانوا في طليعة المقاومين للاحتلال الإسرائيليّ في الأدبيات التي نحتوها، أو في المواجهات السياسيّة والدبلوماسية التي خاضوها مع الإسرائيليين.
وفي المقابل، كشف العماد عون في حديثه الأخير ذلك التكامل الوجوديّ بينه وبين السيد حسن نصرالله، وهو تكامل عير محصور بمسألة الانتخابات الرئاسيّة، مثلما كشف في المقابل ذلك الفيتو السعوديّ على ترشحه للانتخابات وتأثير ذلك على الحوار مع سعد الحريري. ما من شكّ أن ذلك الفيتو مصدره ذلك التناسق بين فؤاد السنيورة وسمير جعجع من جهة وسعود الفيصل من جهة ثانية، ولم ينكر جعجع على الإطلاق السعي لإجهاض ترشيح العماد عون، وهو سعي طوّق سعد الحريري بمسعاه الانفتاحي على عون، “فنحن لسنا بملائكة في السياسة”. اكتشف الحزب بأنّ ذلك التكامل بات يشكّل خطورة ليس على العماد عون بترشيحه، ولكن على جوهر الترابط بين المكونات السياسيّة، بمحاولة التخفيف من خطورة داعش على الخريطة السياسيّة اللبنانية وعلاقة المكونات اللبنانيّة ببعضها. هذا عينًا ما أظهره سمير جعجع في حواره التلفزيونيّ الأخير البارحة، وارتباط ذلك بالقراءة السعوديّة المستثمرة للأوراق الداخلية لتطويق الحوار الأميركيّ-الإيرانيّ على الساحة اللبنانيّة. ومنعًا لأي التباس يستهلك ويستثمر، ترجم الحزب في أدبياته الواضحة ذلك التماهي المطلق مع مبدئيّة العماد عون، واحترامه لنفسه، فأكّد تثمير التحالف معه بالتاكيد على أنّه مرشحه الوحيد، والتثمير ارتبط بعناوين عديدة، أهمها ثباته على موقفه من التمديد للمجلس النيابيّ والاتجاه نحو الطعن، وقد بدا واضحًا أن العماد عون في قراءة الحزب يأبى التلوّن بحسب الظروف كما فعل بعضهم في الوسط المسيحيّ، كما لا يقول قولاً ويبدّل فعلاً استنادًا إلى التغييرات في قواعد اللعبة، بل أقرن القول بالفعل غير مرّة وجسّده في الكثير من السلوكيات السياسيّة. لقد لحظ حزب الله، بأن العماد ميشال عون كان جديًّا ومتوازنًا في الحوار مع تيار المستقبل، غير منحصر في شكل الترشّح للرئاسة، بل تجاوز ذلك باتجاه تأمين التوازن والاستقرار إلى الداخل اللبنانيّ بالعبور الحواريّ الصافي، الذي ارتآه عون لنفسه ليصير وبحسب توصيف الحزب “الضمانة الثابتة والمتوازنة” بتأمين التواصل مع كلّ المكونات اللبنانية من دون استثناءات تذكر. واستندت قراءة الحزب إلى أنّ العماد عون حافظ على أخلاقيته في التعاطي مع الحريري بالعناوين المطروحة للنقاش، وأثبت صدقه في التواصل، وهو متفهم تمامًا لعجزه عن استكمال الحوار من دون شغب أو زغل.
أهميّة الزيارة التي قام بها وفد الحزب للعماد ميشال عون في الرابية أنّها احترمت مبدئية الرجل، والمبدئيّة هي المنطلق الأوّل للضمانة التي رآها السيد نصرالله في رئيس تكتّل “التغيير والاصلاح”. مبدئية عون تريح الحزب ولا تزعجه على الرغم من الاختلافات بينهما كما حصل في مسألة التمديد. وبحسب مصدر متابع لو ذهب العماد عون وهو الذي يمثّل الوجدان المسيحيّ بأكثريته المطلقة باتجاه التمديد، لكان زرع الشكوك ليس عند الحزب بل عند معظم المكونات اللبنانيّة، وتلك هي أهميته اليوم في هذا الاصطفاف المطلّ على آفاق عديدة في عمق الصراع في المدى المشرقيّ والعربيّ.
ما خلص إليه اللقاء في الرابية،على لسان الحاج حسين خليل: “حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ أصبحا كالجسد الواحد، (التكامل الوجوديّ) لم تكتمل شخصيّة أي جهة من الجهتين، إذا ما كانت متكاملة مع الجهة الأخرى، خصوصًا في بلد مثل لبنان وما يمرّ به من مشاكل وأمواج عاتية كبيرة جدًّا، حيث يجب ان نضع أيدينا في أيدي بعضنا لمواجهة كلّ الأمواج التي طرأت على بلدنا”. وأهمّ ما أكده في نهاية الزيارة: “أنّ عون زعيم ليس لديه أجندة خارجيّة، وهو الزعيم الأوحد في لبنان والشرق الأوسط على صعيد المسيحيين. ومن يريد أن يتبوّأ الموقع الرئاسيّ يجب أن يكون مثل عون ونقطة على السطر. فهو الرجل الوفاقيّ، وصاحب قرار في الساحة الداخليّة، هذا الأمر ثابت ولو قررنا التغيير لكنا غيرنا منذ زمن”.
وبالمختصر، تلك هي ترجمة الحزب لمعنى ترشيح العماد-الضمانة الاستراتيجيّ، لرئاسة الجمهورية ومضمونه الكبير.