مضيق الثورة المصرية ووعود السيسي: عَود على بدء
موقع إنباء الإخباري ـ
ناصر الحسيني:
أظهرت مختلف التعليقات والشعارات التي أطلقها المتظاهرون بـ “جمعة الأرض والعرض” التي جرت الجمعة من بعد صلاة الظهر أنّ المطالبات لم تقتصر على ردود الفعل الشاجبة للتنازل عن جزيرتي صنافير وتيران، بل أنّ زخم التحرك كان يتجاوز إلى الإعتراض على نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي وكسر حاجز الخوف من مواجهته بعدما خلق لدى المواطنين فزّاعة “إرهاب” الإخوان المسلمين وضرورة مواجهتهم بالقمع. فقد جرت هذه المظاهرات متجاوزة قانون التظاهر السيء الصيت الذي يقيد حرية التعبير ويَضِيق به المواطنون ذرعاً واعتقل المئات بسببه ولا زالوا في السجون، كما أنّ الشعارات التي أطلقت أكّدت على استمرار الثورة التي قامت في 25 يناير/كانون ثاني 2011، مثل “ثورة ثورة”، و “الشعب يريد إسقاط النظام” و “القرار قرار الشعب” و “مصر مش للبيع”، ما يشير إلى مرحلة جديدة اختطّها معارضو نظام السيسي في حراكهم، وإن كان من دعا إلى هذه التظاهرات جلّهم من الشارع اليساري الذي ظهر بعض ناشطيه على الأكتاف أمام نقابة الصحافة (كمال خليل) إضافة إلى المحامي خالد علي المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، ولا نعلم بالضبط حجم مشاركة الشخصيات المعارضة الوازنة في البلد في المظاهرات مثل حمدين صباحي أو غيره من رموز المعارضة الناشطة، وهذا نابع من القمع السياسي والإعلامي حيث التهديدات المباشرة بالإعتقال والتضييق، وكذلك تجاهل الإعلام الرسمي والخاص تماماً المواجهات التي انطلقت ظهراً قبل أن يستدركوا الموقف وتتضح صورة أنّ ما يجري ليس على شاكلة تظاهرات الإخوان المطالبة بعودة الرئيس المخلوع محمد مرسي وأنّ رمزيتها أوسع من مطالب الإخوان والإحتجاج على التنازل عن الجزر. وفيما لم تفد أيّاً من الوسائل الإعلامية عن وقوع ضحايا جراء تفريق المتظاهرين بقنابل الغاز المسيلة للدموع وهجوم قوات الأمن المركزي على المتظاهرين، تحدثت قناة “الجزيرة مباشر” في أحد تقاريرها عن “اشتباكات أمنية” شهدتها أحداث الجمعة، أحداث استمرت إلى الليل في بعض الشوارع المحيطة بميدان التحرير، ولم يتمكن أحد من المتظاهرين الدخول إلى الميدان بعد أنّ كانت القوات الأمنية قد حاصرت مداخله والشوارع المحيطة المؤدية إليه ومداخل المحافظات الرئيسية بقوات الأمن والشرطة.
وتحدثت جريدة الأهرام الرسمية عن عشرات من المعتقلين في غير محافظة مخفّفَة من الأحداث، أمّا الموقع الإلكتروني التابع لها فقد نقل عن مصادر أمنية أنّه تمّ اعتقال أكثر من مئة شخص تمّ لاحقاً الإفراج عنهم وليس بينهم إعلاميين أو صحافيين، وقد اختارت قناة الغد ذات التمويل الإماراتي في تغطيتها للتظاهرات أن تُعَنْوِن خروج المتظاهرين من مسجدي الإستقامة ومطصفى محمود بـ “الوقفات الإخوانية”.
وفيما كانت وزارة الداخلية قد أهابت بالمواطنين عدم الإنسياق إلى دعوات العصيان على الشرعية، كان أداء الشرطة والأفراد الأمنيين باللباس المدني يتسم باللاعنف بالمقارنة مع الأحداث العنفية التي جرت في مجريات الإطاحة بالرئيس حسني مبارك وبعدها في فض اعتصامي رابعة وميدان التحرير، واقتصرت المشاهدات على تصريحات لواء كبير من الشرطة يقول لأحد الشبان مهدداً :” عالله حد يفتح بؤّوو”، ومضايقة إحدى السيدات التي أرادت عبور إحدى النقاط الأمنية لتلتحق بالمظاهرات أمام نقابة الصحافة.
ومن سوء طالع النظام، أن تجري مظاهرات “جمعة الأرض والعرض” متزامنة مع عملية الإقتراع لانتخاب نائب عن محافظة الدقهلية مكان النائب المطرود توفيق عكاشه إثر لقائه السفير الإسرائيلي في منزله، ما سيعرقل دعاية السلطة السياسية بانتظام شرعيتها وحرصها على حسن صورتها داخليا وخارجياً، كما أنّه من جانبه، اختار الرئيس أنّ يقوم بجولة تفقدية لبعض المشاريع خارج العاصمة مطالباً في تصريحات له بالإضاءة على إنجازات الحكومة في اعتراف ضمني بالإمتعاض الشعبي الكبير الذي يتركه تعامل الحكومة مع الحوادث الأمنية والسياسية الداخلية والخارجية.
وبانتظار تبلور الموقف من اتفاقية التنازل عن الجزيرتين إن بطلب المجلس النيابي الإتفاقية لمناقشتها والتي لم يفصح عنها للعلن، أو بمجاراة النظام للشارع خوفاً من ازدياد نقمته وذلك بالسير نحو الإستفتاء الشعبي بعد فترة معقولة يكون النظام قد استعاد بعضاً من شعبيته جراء التنازل عن “أرض مصرية”، حيث بدأ النظام باستخدام أساليب قديمة من عهد النظام المخلوع وتسييره مظاهرات مضادة للمعترضين على إعادة الجزيرتين للسعودية، تبقى الدعوات التي أطلقت للتظاهر في عيد تحرير سيناء في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، مؤشراً لوجهة معارضي النظام والتوجهات الشعبية المُرْهَقُة اقتصادياً ومعيشياً، وإذا ما حصلت وفاق حجمها التوقعات فإنّ حاجز الخوف عند الناس سوف يتحوّل إلى إنذار للنظام المصري بضرورة ابدال آليات خطابه ومعاملته للجمهور والقطاعات الشعبية المعترضة، وتكون قضية “الحقوق والحرية والعدالة الإجتماعية” شعار الثورة المصرية قد أوقدته من جديد قضية التنازل عن جزيرتي صنافير وتيران..