مصر و«حزب الله» ينهيان سنوات الجفاء
صحيفة السفير اللبنانية ـ
إيلي الفرزلي:
مع كل يوم يمر تتقلص القضايا الخلافية بين مصر و»حزب الله». جبل الجليد وصل إلى ذروة نموه في 28 كانون الثاني 2011 عندما أُعلن عن فرار سامي شهاب من السجون المصرية. كل ما حصل بعد ذلك، صب في خانة تذويب الجليد. اليوم لم يعد الجليد جبلاً، صار مستنقعاً فيه بعض من الجليد الذي لا يؤثّر بقاؤه في العلاقة التي صارت مبنية على أسس يصفها أطرافها بالمتينة والثابتة.
بعد أن تبلورت العلاقة بين الحزب ومصر، صار بالامكان إحصاء خمس أولويات مصرية تشكل قواسم مشتركة مع «حزب الله»:
ــ الحفاظ على أمن لبنان ودعم جيشه.
ــ مكافحة الإرهاب التكفيري في البلدين وفي المنطقة.
ــ نشر الاعتدال في البيئة السنية ومواجهة التطرف من خلال البعثات الأزهرية، بالإضافة إلى إعادة تعزيز دور دار الفتوى.
ــ التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية (ينصح «حزب الله» كل من يلتقيه من الفصائل الفلسطينية بتعزيز العلاقة مع مصر).
ــ ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة السورية ومؤسساتها وجيشها، والتأكيد على الحل السياسي ومواجهة التنظيمات التكفيرية فيها.
بالرغم من أن توطيد العلاقة المصرية مع «حزب الله» لا يمكن فصله عن التحسن الذي تشهده العلاقة مع إيران، بعد أن وصلت إلى أسوأ درجاتها عندما وصفت طهران ثورة «30 يونيو» بالانقلاب، إلا ان الحزب استطاع أن يرسم خطوط علاقة مستقرة مع الجانب المصري، تصب في النهاية في خدمة العلاقة المصرية ـ الإيرانية، برغم عدم قدرة المصريين على التحرر من الاعتبارات السعودية في المدى المنظور، وخصوصا الاقتصادية الضامنة للاقتصاد المصري.
منذ وصل «الإخوان المسلمون» إلى السلطة في مصر، هلل الإيرانيون لهم انطلاقاً من مبدئية تأييدهم الإسلام السياسي، لكن سرعان ما تبين أن هذا التأييد مغلوب بالعاطفة. «حزب الله» لم يخرج من عباءة الترحيب الإيراني لكنه ظل أكثر حذراً. تبين أن الحزب لم يكن مخطئاً.
ذهب الرئيس محمد مرسي إلى إيران مشاركاً في قمة عدم الانحياز، وقدم مقاربة لم تراع الحد الأدنى من اللباقة بين الدول. توسع الشرخ عند زيارة الرئيس أحمدي نجاد لمصر وإعداد استقبال لا يليق به كرئيس. وتراكمت الملفات التي تباعد بينهما حتى استقبل استاد القاهرة مهرجان «سوريا الثورة»، الذي وجد فيه الحزب القشة التي يمكن أن تقصم ظهر البعير.
في وقت لاحق، فضّل الحزب عدم الانجرار وراء الانفعال الإيراني في مواجهة ثورة «30 يونيو». اكتفى بالمراقبة، وتابع حملة النظام الجديد على الإخوان في الداخل والخارج. حركة المناقلات التي أجراها السيسي لعدد من السفراء، طالت تحديداً السفير المصري في لبنان أشرف حمدي الذي استبدل بالسفير محمد بدر الدين زايد. وللمناسبة، يتردد أن تقارير كثيرة وصلت إلى الرئاسة المصرية تتهمه «بتحويل السفارة إلى مقر للأخوان المسلمين».
بعد الثورة، كان الخيار المصري الأول الانفتاح على كل القوى السياسية اللبنانية بعدما كانت تقتصر أيام حسني مبارك على «14 آذار». في ذلك الوقت كان للقطيعة مع الحزب ثلاثة عناوين كبرى: عدوان تموز 2006، حيث اتهمت مصر «حزب الله» بشن حرب غير مبررة وغير محسوبة العواقب. عدوان إسرائيل على غزة 2008، حيث دعا الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله مصر للتدخل عسكريا لمصلحة القطاع، ما اعتبرته القاهرة تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية.. وأخيراً إلقاء القبض على خلية تابعة لـ«حزب الله» في مصر عام 2010، واتهامها بالتخابر والتخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية وتهريب الأسلحة إلى حركة «حماس» عبر الحدود المصرية.
تلك الملفات، صارت من الماضي، لكن الخلاف لم يسقط نهائياً. قضية هرب سامي شهاب لا تزال النقطة الأكثر استفزازاً للمصريين، بالرغم من تأكيدات الحزب أنه ليس مسؤولاً عن إطلاق سراحه. مع ذلك، قرر الطرفان ترك الملف لسياقه القضائي، حيث لا يزال القضاء المصري ينظر في القضية كجزء مما يعرف بقضية «الهروب الكبير»، والتي يحاكم فيها الرئيس محمد مرسي أيضاً.
القضايا الخلافية والملاحظات المتبادلة ليست بسيطة، لكن مصلحة الطرفين تقضي اليوم بتنحيتها جانباً. العلاقة المصرية ـ السعودية تثير حساسية إيران كما «حزب الله». وبالرغم من تفهم الحزب للأزمة المالية المصرية ولكون السعودية كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالنظام الجديد، الذي كان يشهد عزلة دولية في حينه، فهو ينصح من يلتقيهم من المصريين بالتخفيف من حدة هذه العلاقة، التي ينظر لها في بعض الأوساط بأنها علاقة تبعية.
بالنسبة للمصريين، لا تتخطى العلاقة الامتنان للسعودية على مواقفها الداعمة لمصر. في القاهرة، ثمة دائماً من يذكر بأن النظرة الاستراتيجية المصرية للحرب السورية لا تتطابق مع الموقف السعودي. يستشهد هؤلاء باجتماع الجامعة العربية في أيلول 2013، حيث ضغط عدد من الدول لتأييد ضرب سوريا، بحجة استعمالها للأسلحة الكيمائية. كان وزير الخارجية نبيل فهمي حاسماً في رفض أي ضربة لأي دولة عربية، وهو ما أدى عملياً إلى اكتفاء الجامعة بالإشارة إلى التشديد على ضرورة أن يكون أي عمل في إطار الشرعية الدولية، وبالتالي ربط الموقف بقرار من مجلس الأمن.