مسموح لجميع اللبنانيين.. ممنوع على حزب الله
موقع قناة الميادين-
غسان سعود:
يحق لفئة من اللبنانيين أن تشتم وتهين وتعلّق المشانق باسم حرية الرأي والتعبير، في ما لا يمكن لفئة أخرى أن تنظم تظاهرة سلمية.
يُفترض بكلِّ من شاهد فيديو التطاول على محامي حزب الله في قصر عدل بيروت أن يعيد مشاهدة الفيديو مرة ثانية وثالثة، متخيّلاً نفسه أحد مناصري حزب الله، ثم لا بدّ من تكرار الأمر نفسه مع فيديو التطاول على القاضي حبيب مزهر من قبل المجموعة السياسية التي تدعي أنها مجموعة نسائية قلبها على الحقيقة، من دون أدنى مبالاة منها بمعرفة اليونيفيل بدخول نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، وبما قام به وزير العدل يومها أشرف ريفي، وجميع القضاة المحسوبين على قوى 14 آذار، الذين أصروا على احتجاز الباخرة وإفراغ حمولتها. وليتخيّل المشاهد نفسه هنا أيضاً أنَّه مناصر لحزب الله، يشاهد عبر هاتفه، مرة تلو الأخرى، هذا الاعتداء الوقح على أكبر قضاة الطائفة الشّيعية في قصر العدل ألف مرة.
وقبل هذه وتلك، لا بدّ من أن يتخيّل المشاهد القاضي طارق البيطار يرفض الاعتراف بكلِّ الآليات القانونية التي تحكم العلاقة بين المحقق والشهود والمتهمين، أو بين المحقق وشهود الزور، أو بين المحقّق وكلّ التسييس الممنهج للتحقيق، ليتباهى في المقابل بالاستفزاز وبقدرته على الاستهزاء بالقوانين، ثم لا بدّ من استذكار حجّ قوى 14 آذار إلى جرود عرسال تضامناً مع “الثورة السورية”، واعتراف تيار المستقبل بتصدير حليب الأطفال والحفاضات إلى سوريا، تزامناً مع وصول باخرة نيترات الأمنيوم إلى بيروت وباخرة السلاح إلى مرفأ طرابلس، وتحويل القوات اللبنانية مهرجاناتها إلى مهرجانات لـ”الثورة” السورية، فضلاً عن كل الخطابات التحريضية على جارة لبنان منذ العام 2005، في وقت يستنفر وزير الداخلية اللبناني اليوم ضد مؤتمر هادئ للثورة البحرينية على مرأى من الجمهور نفسه الذي يرى أغرب وأبشع أنواع الكيل بمكيالين في كل صغيرة وكبيرة:
يحق لفئة من اللبنانيين أن تشتم وتهين وتعلّق المشانق باسم حرية الرأي والتعبير، في ما لا يمكن لفئة أخرى أن تنظم تظاهرة سلمية. يمكن لفئة أن تهدّد وتتوعد بالقضاء وتصدر الأحكام من دون محاكمات وتخترع شهود الزور، في ما لا يمكن لفئة أخرى أن تتقدَّم بدعوى قضائية بكلِّ بساطة وهدوء ضدّ من يسيء إليها ويشوّه سمعتها وغيره وغيره. يمكن لفئة أن تدعم ما تشاء وكما تشاء من ثورات، في ما لا يمكن لفئة أخرى أن تعقد مؤتمراً داعماً لثورة أخرى. يمكن لفئة أن تنحاز إلى طرف في الحرب اليمنية، في ما لا يمكن للفئة الأخرى أن تنحاز إلى الطرف الآخر في الحرب نفسها.
لو كان حزب الله قد خسر الحرب أمام “إسرائيل” في العام 2006، وخسر الحرب في سوريا، وانتصرت فصائل التكفيريين، وخسر الأكثرية النيابية في العام 2018، كان يمكن فهم أو تفهّم شعور البعض بفائض القوة والتمرجل على حزب الله وجمهوره والقاضي المحسوب عليه ومحاميه، لكن يصدف أن الوضع بالعكس تماماً؛ فالفريق الذي عجزت الآلة العسكرية الإسرائيلية والآلة العسكرية التكفيرية والآلة الإعلامية الأميركية عن سحقه، هو الفريق الَّذي يعتقد سهيل عبود وسمير جعجع و(…) نجيب ميقاتي اليوم أن بوسعه التمادي في استفزازه إلى ما لا نهاية.
من الواضح في هذا السّياق أنّ هناك من يلعب في القضاء اللعبة نفسها التي لعبها سابقاً في قوى الأمن الداخلي، إذ يمتلئ رأس رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود اليوم بأوهام مماثلة لتلك الأوهام التي ملأت رأس اللواء وسام الحسن في يوم الأيام.
ومن يطّلع على كيفية إدارة عبود غرفة العمليات القضائية ضد حزب الله، يجد تطابقاً كاملاً مع الإدارة السابقة لفرع المعلومات الذي طوى رئيسه الحالي خالد حمود صفحة استخدامه في تصفية الحسابات السياسية الداخلية ونقله إلى مكان مهنيّ آخر.
المشكلة الكبيرة هنا أنَّ رئيس مجلس القضاء الأعلى يعتقد أنه أذكى أو أقوى أو أكثر قدرةً ممن سبقه، ولا يحسب أي حساب للتداعيات الكبيرة المتوقعة لكلّ ما يفعله، فالحزب الذي ما زال يلتزم بالتفرج على الكمائن المختلفة التي تنصب له بأشكال مختلفة، لا الكمائن العسكرية فقط، والحزب الذي يرى بوضوح أنهم يريدون حرمانه من كلّ ما يحلّلونه لأنفسهم، من حق التظاهر، إلى حق الادعاء أمام القضاء على من يكذب عن سابق تصور وتصميم، إلى حق التضامن مع من يشاء من الثورات العربية، الحزب الذي يرى أنَّ الحرب عليه ليست عن طريق الآلة العسكرية أو الأمنية أو الجمعيات أو الاقتصاد والمال، إنما عبر القضاء اللبناني ممثلاً بسهيل عبود، لا يمكن أن يواصل التفرج أكثر فأكثر.
وإذا كان مطلب إقالة المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار بات أكثر جدية بعد كلِّ ما ثبت عن عدم قيامه بواجباته، لجهة التحقيق والادعاء على اليونيفيل، والغرفة الأمنية في مرفأ بيروت، وقضاة العجلة الذين أصروا على إفراغ النيترات من الباخرة بدل ترحيلها، والمدعي العام التمييزي سمير حمود الذي كان يعلم بخطر النيترات، وكان يمتلك الصلاحيات لإنقاذ بيروت منها، وطبعاً وزير العدل أشرف ريفي، الذي كان يمتلك أيضاً جميع الصلاحيات لإنقاذ بيروت، فإن المطلوب اليوم هو اجتماع مجلس الوزراء بسرعة، وعلى جدول أعماله بند وحيد أوحد: إقالة سهيل عبود من موقعه كرئيس لمجلس القضاء الأعلى، كتمهيد لتخيير طارق البيطار بين تقديم قرار ظني خلال سقف زمني واضح أو إقالته هو الآخر، وتعيين بديل منه جديّ وشجاع، وخصوصاً أنَّ تغيير البيطار من دون تغيير عبود يعني الدوران في حلقة مفرغة، لأن عبود قادر على تكرار المهزلة نفسها مع من سيخلف البيطار، ومشكلة البيطار تفصيل إذا ما قورنت بعبود الذي يغطي كل ارتكابات البيطار بدل حماية تحقيقه بسقف قانونيّ واضح.
ولا يفترض بإقالة سهيل عبود إلا أن تكون بداية طريق وأداء، يقول حزب الله بموجبه لمن خسروا جميع الحروب إنهم خسروا الحرب، وعليهم التصرف على هذا الأساس، وهو ما يفترض برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير داخليته أن يفهمانه أيضاً: هما في حكومة تحكمها معادلة انتصار حزب الله، لا القوات اللبنانية ووليد جنبلاط، وهما اليوم في موقعيهما بفضل حزب الله، لا بفضل أشرف ريفي أو نهاد المشنوق، ويمكن أن يفعلا ما يلزم لكفِّ شرّ السعودية عن اللبنانيين، لكن لا يمكنهما الاعتقاد بأن موازين القوى الداخلية والخارجية تسمح لهما بإعطاء السعودية في السلم ما عجزت عن أخذه في الحرب، لا في ملف المقاومة، ولا في ملف اليمن، ولا في ملف البحرين، أو غيرها من الملفات.
رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وفريقه، كما رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط وفريقه، تعلموا من جميع الدروس السابقة، واستخلصوا العبر في ما يخصّ أحجامهم وقدراتهم والعلاقة مع حزب الله، فيما تلتزم غالبية مجموعات المجتمع المدني بسقف سياسي في معارضتها لحزب الله لا تقفز فوقه، لمعرفتها بحجمها وقدراتها أيضاً، لكن يبدو أن هناك جيلاً جديداً من المراهقين السياسيين، وزراء وقضاء بشكل رئيسي، يريدون تسلية اللبنانيين بتجربة حظهم في إقناع جهات خارجية بأنهم أكثر أو أكبر مما يرونه حقيقة في المرآة إذا ما دقّقوا في الصورة أكثر.
يستطيع بعض هؤلاء أن يستفيد من فترة الأعياد لمزاحمة المهرجين الّذين يتنقّلون بين المدن في هذه الأيام، لكن ظروف الناس الصعبة، المعيشية والنفسية، ضاغطة جداً، ولا تسمح لحزب الله بالتراخي أكثر، وخصوصاً أنَّ بعض الأغبياء يفهمون الصبر جبناً، وابتسامة الاستهزاء ضعفاً.
ومع ذلك، يعلم الحزب أنَّهم يفعلون كلّ ما يفعلونه عن سابق تصور وتصميم، لجرّه إلى رد فعل، وهو ما سيحصل في نهاية المطاف طبعاً، لكنه لن يكون كما يتوقعون أبداً.