مستوى معيشة اللبنانيين بين التقشف وتغيير النمط
من الواضح انه في ظل تصاعد الازمة الاجتماعية باتت حياة 90% من الشعب اللبناني صعبة، وان استطاعت فئة منهم الصمود لغاية الآن لأنها خفَّضت السلَّة الإستهلاكية البيتية الى نسبة 25% من تلك التي اعتادت عليها سابقا، واختلف نمط حياة اللبنانيين واستغنى الكثيرون عن الخادمة الأجنبية، ولم تعُد المائدة عامرة يُرمى نصفها، وباتت “العزائم” على قدر أهل العزم رغم قلتها اساسا في زمن الكورونا.
في موضوع السلع ليس المؤسف فقط أن الكارثة الإقتصادية هي حصراً في السِلع المدعومة التي دخلت سوق المحسوبيات، ولا تهريبها الى الخارج مع مُلصق “مدعوم” هو المُصيبة الوحيدة، بل نوعية البضاعة التي بدأت تظهر على رفوف السوبرماركت، ويراها المستهلك للمرة الأولى، بعد أن باتت الماركات المعروفة نادرة الوجود، ويضطر المواطن اللبناني الى شراء ما هو أرخص سعراً، بصرف النظر عن النوعية وتركيبة المُنتج، حتى ولو كان زيتاً نباتياً “مُهدرجاً” بهدف الحفاظ على مدة صلاحيته لفترة أطول، والهيدروجين الذي في داخله من مُسببات الإصابة بالسرطان!
والمواطن اللبناني العادي، من الطبقتين الوسطى والفقيرة، بات الدولار بالنسبة اليه سلعة في بورصة، كما الذهب والفضَّة والبلاتين وأسهم النفط ، ويؤجِّل هذا المواطن الإستحقاقات الكبرى الى أجل غير مُسمَّى، بانتظار تراجع سعر صرف الدولار وضخّ نسبة من العملة الخضراء في السوق ، ووقف المُضاربات.
و”السوق السوداء” التي تنحر الشعب اللبناني، ليست حكراً على الصرافين سواء كانوا مُرخَّصين أو غير شرعيين، طالما أن بيع وشراء الدولار عملية بسيطة، تحصل بين البائع والشاري في كل طابور، أمام المصارف والصرافين والسوبرماركت والفرن وفي البناية الواحدة بين الجار وجاره، والسوق السوداء هي في كل تاجرٍ فاجر يرفع أسعاره بشحطة قلم ولا من حسيب ولا رقيب !
ربما لم يُفلِس في لبنان الا قلة من التجار، ولا أُقفِلت سوبرماركت واحدة، والمؤسسات التابعة لمجموعات عالمية هي التي أعلنت إنهاء أعمالها في لبنان، لأنها تبيع سلعاً باتت من الكماليات بالنسبة لمُستهلكٍ مُنهَك بالكاد يشتري لقمة خبز، إضافة الى ضمور أنشطة المصارف نتيجة انهيار ثقة المُودعين، وأموال اللبنانيين إن وُجِدت، فهي في البيوت، بين الخزنة والخزانة وتحت الوسادة والفراش، بانتظار انتهاء أقذر لعبة على الإقتصاد اللبناني، إسمها حرب “الجيل الرابع” التي أعلنها دونالد ترامب على لبنان تماماً كما فنزويلا، عقوبات وحصار وتقييد دخول العملة الخضراء، مروراً بالدور الإقليمي اللعين للنيل من صلابة الموقف اللبناني من العدو الإسرائيلي وعمليات التطبيع، ووصولاً الى أدوات الداخل من سياسيين وإعلاميين وتُجار ذمم وقُطَّاع طرق ولكن، حذارِ الإنفجار الشعبي الحقيقي إن حصل…