مساعدات صندوق النقد للبنان مرهونة بالترسيم البحري
موقع قناة الميادين-
ريما فرح:
إذا ما صحّ ذلك، وهو ما يؤكّده أغلب المتابعين، فإنه يعدّ أمراً خطراً يستدعي من لبنان إنهاء المفاوضات فوراً من دون أدنى تردد.
رغم عصف الأزمة الاقتصادية التي زاد على مآسيها العصف المناخي الجليدي الذي يضرب لبنان، ووسط غبار الترشيحات للانتخابات النيابية المرتقبة في أيار/مايو المقبل، فإن صواعق ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني التي تضمنها اقتراح الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، وورطة لبنان بالتراجع عن الخطّ 29 إلى الخطّ 23، تنتظر من ينزع فتائل تفجيرها التي ستشظي الساحة السياسية اللبنانية، نظراً إلى اختلاف المواقف وغياب الإجماع الوطني على موقف موحّد منها.
اقتراح هوكشتاين الّذي حملته السفيرة الأميركية بكتاب خطي إلى الرؤساء الثلاثة (ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي) ظلّ طيّ الكتمان، ولم يصارح أحدٌ من هؤلاء الشعب بما تضمنه، وهذا أقل حقوقه في أن يكون على بينة مما يجري بشأن مصير ثرواته السيادية.
إنَّ ما رشح أو ما تم تسريبه لماماً، يكشف أن لبنان سينال الخطّ 23 في البلوك 9 و10، ثم يتعرّج عند البلوك 8 إلى خط “هوف”، ما يضع حقل قانا في خانة الحقل المشترك مع “إسرائيل”، ويعطي الأخيرة معظم البلوك 8. هذا الأمر، إذا ما صحّ، وهو ما باتت تؤكده غالبية المتابعين، يعدّ أمراً خطِراً يستدعي من لبنان إنهاء المفاوضات فوراً من دون أدنى تردد أو حسابات.
لكن من الَّذي سيجرؤ من المسؤولين الرسميين على القول للأميركيين: إنَّ وساطتكم مردودة إذا كانت على هذه الشاكلة، وقد قررنا عند هذه المبادرة إنهاء المفاوضات؟ هل هو رئيس الجمهورية منفرداً، والذي أعطته المادة 52 من الدستور صلاحية التفاوض بالمعاهدات الدولية؟ في الأساس، من أقنع الرئيس بالتخلي عن الخط 29 الذي رسمه تقنيو الجيش اللبناني، واعتماد الخط 23 كخط للتفاوض؟ ثم من أقنع الرئيس قبل ذلك بالامتناع عن التوقيع على تعديل المرسوم 6433؟
لم يتمكّن لبنان إلى اليوم من عقد اجتماع واحد للجنة التي شكَّلها رئيس الجمهورية، واكتفى الأخير بلقاءين يتيمين للجنة مصغّرة من تقنيين لم يعرف إلى الآن على أيِّ أساس اختيروا، فهل يستطيع حسم ما هو مقبول ومرفوض في هذا الاقتراح؟
وثمة سؤال يطرح نفسه: لو تمسّك لبنان بالخطّ 29 كأساس للتفاوض، هل كان لهوكشتاين أن ينزل باقتراحه إلى ما دون الخط 23؟
ما بات مطلوباً اليوم هو التفتيش عن انتحاري يُلقى على أكتافه حمل رفض المقترح الأميركي. اللجنة المصغرة أكثر عجزاً من القيام بدور كهذا، فهل يُعاد الملف إلى مجلس الوزراء ليقرر بالإجماع ما يجب تقريره؟ وأيّ إجماع في ظل العجز عن تشكيل لجنة منه، وسط ركاكة موقف حكومة ورئيسها، هما أعجز من أن يأخذا قراراً على مستوى تأمين رغيف لجائع؟
وحده حزب الله الذي رفض، وضمناً حركة أمل، مشاركة ممثل عنه في اللجنة التي شكلها رئيس الجمهورية، عبّر بموقف حاسم على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، الذي اعتبر أن هوكشتاين يؤدي دور الثعلب في قسمة الجبنة: “سيبقى الغاز مدفوناً في مياهنا إلى أن نستطيع منع الإسرائيلي من مد يده على قطرة ماء من مياهنا”.
لكن هل سيكون مستحيلاً فعلاً على الإسرائيلي مدّ يده إلى مياهنا في التوقيت الحالي بالذات، بعد كل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة جراء حرب أوكرانيا وتداعياتها، والتعثر الذي يصيب مفاوضات فيينا، وحادثة أربيل، وحاجة الولايات المتحدة، ومعها القارة الأوروبية، إلى البحث عن بدائل للنفط والغاز الروسي أو أنّه سيستغلّ انشغال هذا العالم لتسريع خطاه نحو استغلال ما يمكن استغلاله من حقول جنوب وشمال الخط 23، بعدما أتاح له اقتراح هوكشتاين فرصة العبث بالخطوط والحقول والبلوكات بالوقت الضائع وبدء الاستثمار، إلى أن يخرج من فانوس لبنان المارد المنشغل اليوم بإخضاع واقعة الترسيم للعبة الكسب الشعبي عشية الانتخابات؟
ثمة قائل إنّ قرار لبنان يخرج بالنهاية من مجلس النواب، لكن السؤال الذي يطرح: بأيّ حال وبأية صيغة سيصل الاقتراح الى البرلمان؟ وما هي المدة الفاصلة عن لحظة الوصول إلى مجلس يلفظ أنفاس ولايته الحالية ويستعدّ لولاية جديدة قد تولد وقد لا تولد تبعاً لمصير الانتخابات؟
إنَّ مصير الانتخابات معلّق بين ضغوط دولية من المجتمع الدولي بدأت تتلاشى بسبب عاملين أساسيين؛ أولهما محلي، ومردّه إلى التخبّط الَّذي يصيب قواه التغييرية من مجتمع مدني قدمّ له هذا المجتمع الدعم المطلق ورعاه بأشفار العيون، ولكنه يراه أمام ناظريه مفلساً يتخبّط في انقساماته وشهواته المفتوحة (أين منها شهوات الطبقة السياسية “الفاسدة”!)، والعامل الآخر دوليّ، إذ أشاح المجتمع الدولي اهتمامه عن محليات اللبنانيين إلى أزماته الخصبة المتوالدة التي تنجب كل يومٍ مولودات ذات احتياجات متفاقمة جراء أزمة أوكرانيا.
وإذا وصل الاقتراح على شكل مشروع من الحكومة إلى مجلس النواب، وما لم يحظَ بالأكثرية ورُفض، هل سنفتح باباً جديداً للتفاوض؟ ومن سيفاوض من؟ وكم من الوقت سيستغرق ذلك؟ إنها لعبة مقامرة ما بعدها مقامرة.
لبنان ليس بخير. لا بالأمس، ولا اليوم، ولا في المستقبل المنظور. البعض يهمس: لبنان متروك لمصيره. ولهذا البعض هوائيات تلتقط شارات دقيقة كتلك التي كان الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط يلتقطها في زمن الحضن السوري، بمعنى أنها تصيب، نظراً إلى مصادرها الموثوقة أو قل تلك المنغمسة في التخطيط للأحداث.
تشير تلك الهوائيات إلى أن أياماً صعبة تنتظر اللبنانيين، فالولايات المتحدة، واستتباعاً المجتمع الأوروبي، لن يفرجوا عن مساعدات صندوق النقد الدولي قبل إخضاع لبنان لقبول الترسيم البحري والسير به كما قدمته الولايات المتحدة الأميركية عبر وساطتها، والمساعدات تلك موصولة ومشروطة بخطّة إصلاحية مالية تعبّر عنها موازنة واضحة ببنودها الإصلاحية، وبخطّة تعافٍ تلتزم كلّ معايير الشفافية والواقعية العلمية.
وبما أنَّ موازنة “كيف ما كان” التي أقرّتها الحكومة “تهريبة” ورمتها في أروقة مجلس النواب لم تنل رضا صندوق النقد، وبما أنَّ اقتراح الترسيم الأميركي قُدم ليكون مرفوضاً لبنانياً أو ليكون اقتراح إذعان، فإنَّ لبنان سينتظر طويلاً رمقاً يبلل به عطشه، وسينهش الفقر والجوع شعبه أكثر، وهو الذي يعيش أقسى درجات البرودة بفعل موجة صقيع هي الأشد منذ 20 عاماً، وسط انعدام التدفئة مع الانقطاع المستمر للكهرباء وجنون أسعار المحروقات، ثم يحدثونك بعد عن انتخابات أو تمديد!