مدمنو العيش والتكسب بالاستعراضات السياسية.. لم ييأسوا بعد!
موقع العهد الإخباري-
ابرهيم صالح:
من بين كل المكونات السياسية تبدو “القوات اللبنانية ” محكومة ببذل جهود استثنائية شاقة لكي تبقي لنفسها حضورا ومكانا في واجهة المشهد السياسي والتطورات الدراماتيكية المتسارعة والمحتدمة منذ فترة على مسرحه. وذلك مآل طبيعي بفعل استشعار قيادتها بمعادلة فحواها انها توشك على الاحتجاب والغياب عن الانظار والفعل او على الاقل ستبقى على هامش هذا المشهد بعدما سبقها تسارع الاحداث مما جعلها عبارة عن قنبلة صوتية او دخانية ليس الا، وعليها ان تطلق بعض المواقف وتفتعل معارك دونكوشوتية قبل ان تعود مكرهة الى التواري الى خلفية الصورة.
ونسجل على هذا المنوال ما شهدته الايام القليلة الماضية من حراكين لافتين كان على هذا التنظيم السياسي ذو “الارومة” الميلشيوية ان تسلكهما على نحو بدا مفتعلا:
الاول كان حراكا من لون سياسي تجسد في “خلوة ” اعلن هذا الفريق ان نواب كتلته المسماة “كتلة الجمهورية القوية ” قد عقدتها تحت عنوان: “التحضير لاحتمالات المرحلة المقبلة والتفاعل مع مندرجاتها” وفي ختام هذه الخلوة ابدت الكتلة القواتية الحرص على الايحاء بانها ليست غائبة عن دائرة الحضور والتاثير وهي على غرار سلوكها المخالف دوما (كما في الجلسة الاخيرة لمجلس النواب في قصر الاونيسكو) قد اعدت “الخطة B ” وان الشروع في انفاذ بنودها ينتظر “ساعة الصفر” التي هي بعلم قيادة هذا الفريق.
وليس خافيا على الضالعين بالمسار التاريخي الملتبس والمتذبذب، ان هذا التنظيم يقصد من وراء اعطاء هذه الهالة المضخمة لاجتماع روتيني يمكن لاي كتلة نيابية ان تعقده امران الاول انه على اتم الاستعداد لكل الاحتمالات للموقف السياسي المحتدم وانه ثانيا بات جاهزا لاخذ “دوره الريادي المتقدم والاكيد” في الساحة المسيحية. وهو ما دأب هذا الفريق على “التبشير به والترويج له” منذ ما يقرب من العامين بناء على استنتاج لطالما سوقه هذا الفريق وفحواه ان رصيد “الفريق الخصم” اي التيار الوطني الحر ايل ولا ريب الى التآكل والانكماش وان ميدان تلك المنطقة بات متاحا امام جياد هذا الفريق يعدو فيها على مزاجه وراحته.
اما السلوك الثاني لهذا الفريق فقد تبدى في شكل استعراض قوة وعرض عضلات نفذه انصار هذا الفريق بشكل مفتعل على مدخلين من مداخل زحلة تحت عنوان “حماية المدينة من اية اعتداءات ورفض المساس بها وبامنها وكرامتها”.
المبرر المفتعل هو اشكالات محدودة سجلت بين عدد من ابناء محيط المدينة قصدوا محطات وقود في المدينة للتزود منها على غرار عشرات الحوادث والاشكالات المماثلة التي سجلت في الاونة الاخيرة في كل المناطق اللبنانية من اقصاها الى اقصاها بفعل ازمة فقدان وندرة المحروقات.
واللافت ان عرض العضلات هذا وتوسل “ابطاله” العنف والمخاشنة قد ادى في نهاية المطاف الى اشكالات واشتباكات بالايدي بين انصار هذا الفريق وبعض قاصدي المدينة من ابناء المناطق البقاعية المجاورة الذين تعودوا على زيارتها يوميا. وهي(الاشكالات) كادت ان تتطور الى ما لا تحمد عقباه خصوصا وان الطرف الثاني في الاشتباك هو من افراد ينتمون الى تيار “المستقبل” او محسوبين عليه ويلوذون به كانصار ومريدين.
ولاحقا بذلت قيادتي الطرفين جهودا جبارة بغية ضبط الاوضاع وانهاء التوتر واعادة الامور لسيرتها الاولى وتاليا ازالة التداعيات ، لاسيما وان هذا الاشكال كان الاول من نوعه بين انصار طرفين سياسيين باعدت بين قيادتيهما حسابات وارتباطات بالغة التعقيد ، ولم تفلح جهود واتصالات ومحاولات بذلت في الاعوام الخوالي بغية راب الصدع ، فاستمر الشقاق والتنافر بينهما خصوصا وان القوات نات بنفسها عن كل علاقة بالرئيس المكلف سعد الحريري ومحاولاته الرامية العودة الى رئاسة الحكومة .
وهكذا جربت القوات ان تنفذ “انتشارا” عسكريا يوحي بانها تقبض على زمام الاوضاع في زحلة على غرار ما فعلته في المناطق “الشرقية” ابان الاشهر الاولى من الحراك الشعبي.
وبناء على تصورات مسبقة لدى هذا الفريق الذي يؤكد يوميا انه دخل في سباق محموم مع الوقت منذ انطلاق حراك 17 تشرين الاول تحت عنوان ان “الفرصة” قد اتيحت امامه على مصراعيها لوراثة موقع الخصم الالد (اي التيار).
ولاثبات ذلك كان عليه ان يطلق وعده بالخطة B الاتي زمنها ولا ريب وفق الوعد اياه، وان يستكمل فصول ذلك بالحراك العنفي في عاصمة البقاع التاريخية ليؤكد ان الامرة فيها له دون سواه على نحو اعاد الى اذهان البعض تجربة مغامرة مماثلة نفذت في اواخر عقد السبعينات ومطالع عقد الثمانينات.
ومن البديهي ان في طيات لعبة قائد هذا الفريق سمير جعجع وفي طوايا تفكيره انه يقيم على ميزة سياسية تجعله حر الحركة خلافا لخصمه (البرتقالي) الذي يكابد للتو من اثار تجربة رئاسية صعبة وشاقة.
ولم يعد جديدا الاشارة الى ان “جعجع تعامل بشكل تآمري ومختلف منذ انطلاق الحراك اذ ما لبث ان نزل من سفينة حكومة الرئيس سعد الحريري بعد وقت قصير جدا على تبيان انها على وشك الغرق فسارع ووزراؤه قبل سواهم الى الاستقالة كمدخل اساسي للايحاء بانه يتخفف من اي علاقة بـ “الطبقة السياسية الحاكمة” المحاصرة بشبهات عدة واستطرادا اية مسؤوليات.
وبناء على هذا التوجه “المبرىء للذمة” الذي يعتقد جعجع انه كان السباق اليه ما لبث هذا الفريق ان رفع بالحاح مفتعل شعار الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة في محاولة واضحة لترسيخ قناعة فحواها انه في وضع يبيح له رفع عديد كتلته النيابية وانه استتباعا صار المؤهل ليحصل على اكثرية نيابية مسيحية وازنة طريقا لبلوغ قصر بعبدا.
ولاحقا ايضا سارع جعجع الى تصوير نفسه القوة الاحتياطية الضاربة للبطريركية المارونية التي سارعت الى طرح شعار الدعوة الى الحياد ثم التدويل وبدات على اساسهما حراكا متعرجا قبل ان تتيقن من الطريق الى كليهما بحكم المسدود.
ولا بد من التذكير ايضا بالاسلوب الاستعراضي الذي انتهجته القوات لتثبت انها تمتلك زمام الامور في الساحة المسيحية وان بامكانها ان تتصرف فيها تصرف المالك بملكه .
وعلى رغم ان التطورات كانت دوما تبعد ظل هذا الفريق عن مسرح الحدث لوقت طويل مما كان يفرض عليه ان يجترح المناسبات والمحطات ليعيد تسويق نفسه فاعلا فانه يبدو جليا انه لم ييأس بعد وهو سيحاول تكرار المحاولة.