محنة اللاجئين والمهاجرين ..مشكلة قارية أم أزمة عالمية
وكالة الأنباء القطرية:
تفاقمت ظاهرة الهجرة أو اللجوء في مناطق مختلفة من العالم ولكن لأسباب متباينة بينها السياسية او الامنية او الاقتصادية بحيث باتت قضية دولية تقض مضاجع العديد من الدول وتثير قلق الشعوب وتحفز العاملين في مجال حقوق الانسان من منظمات وهيئات مجتمع مدني على البحث عن أسباب تنامي هذه الظاهرة والعمل على ايجاد حلول لها .
الامم المتحدة من جانبها سرّعت مع منظماتها المتخصصة الى جانب دول أوروبية وعربية من وتيرة دق ناقوس الخطر من تفاقم أزمة الهجرة واللجوء التي باتت تؤرق المجتمع الدولي وتثير مخاوف الكثير من شعوب العالم لما تتركه مثل هذه الازمة من آثار خطيرة على تركيبتها الديموغرافية ونمط حياتها الاجتماعية ومستويات معيشة سكانها الاقتصادية الى جانب حياتها الثقافية وتقاليدها وعاداتها .
وفي هذا الصدد أطلقت الامم المتحدة في الايام القليلة الماضية عدة نداءات ودعوات لمختلف الدول للعمل معها على معالجة اسباب ووقف تداعيات هذه الظاهرة فيما قامت منظماتها بعقد الندوات والمؤتمرات لمناقشة الظاهرة اسبابها وسبل حلها في وقت كرست فيه هذه المنظمات جهودها وضاعفت من مساعيها للتخفيف من آثار الظاهرة سواء فيما يتعلق باللاجئين او المهاجرين عبر تقديم مختلف انواع المساعدات لهم لتمكينهم من العيش الكريم او إعادتهم الى اوطانهم الى جانب مساعدة الدول والشعوب المضيفة لهؤلاء اللاجئين على استيعاب ما يمكن استيعابه منهم .
وفي آخر مؤتمر نظمه الاتحاد الاوروبي يوصف دوله من بين أكثر الدول تضررا من انعكاسات هذه الظاهرة بالتعاون والتنسيق مع الامم المتحدة ومنظماتها المتخصصة بحضور عدد من مسؤولي الدول المصدرة للمهاجرين واللاجئين تقرر وضع أجندة عمل للحد من الظاهرة تمهيدا لمعالجة ما يمكن معالجته من اسبابها وتداعياتها .
ومن بين ما تقرر في هذا الشأن وضع آلية أمنية لضبط الحدود وتكثيف مراقبتها لمنع تسلل المهاجرين والعمل مع الدول الطاردة لحل المشاكل المسببة فيها للنزوح او اللجوء للخارج سواء عسكريا أو أمنيا أو سياسيا ثم اقرار خطة لاستيعاب البعض من هؤلاء اللاجئين الذين يخشى على حياتهم اذا أعيدوا الى بلادهم طالما استمرت اسباب لجوئهم .
وفي الوقت الذي تعتبر فيه دول الاتحاد إجمالا وتحديدا بلدان دول الجنوب الاوروبي كإيطاليا وفرنسا واسبانيا فضلا عن استراليا الاكثر تضررا جراء تفاقم هذه الظاهرة ظلت قارة افريقيا ومنطقة الشرق الاوسط وبعض دول جنوب شرق آسيا ودول الكاريبي وشمال القارة الامريكية الجنوبية من بين أكثر المناطق تصديرا للمهاجرين أو اللاجئين ولأسباب مختلفة .
وقد سعت دول الجنوب الاوروبي باعتبارها الاكثر تضررا من تدفق المهاجرين واللاجئين وخاصة الأفارقة الى اراضيها الى تقنين المشكلة ومواجهتها بعدة اساليب عملية منها التعاون والتنسيق مع دول العبور او الدول الطاردة بغية الحد من هذه الظاهرة ..لكنها في ذات الوقت وضعت تشريعات واسسا لتنظيم استضافة هؤلاء اللاجئين حسب نوعية المشكلة التي دفعتهم للهجرة واللجوء من دولهم الافريقية.
فالقارة الأفريقية من القارات المبتلاة بصورة تقليدية بمشاكل اللاجئين نتيجة كثرة وتعدد النزاعات العرقية والدينية والسياسية والحروب الاهلية الداخلية في العديد من دولها ولعل الكثير من هذه النزاعات والصراعات تعود في جذورها الى اختلافات عرقية وفروقات اجتماعية وفي الآونة الاخيرة نزاعات دينية ممتدة مما يؤدى إلى استمرارها والعجز عن الوصول إلى تسويات سياسية متكاملة ومقبولة ومستديمة لها .
وتُعدّ أفريقيا أكبر قارات العالم من حيث عدد اللاجئين حيث وصل العدد في مطلع الالفية الحالية إلى حوالى نصف عدد اللاجئين في العالم فيما تعتبر ظاهرة اللاجئين واحدة من الظواهر الرئيسية الناتجة عن الحروب الأهلية بسبب ما ينجم عن هذه الحروب من مخاطر جسيمة على حياة الأفراد في مناطق الصراع، وأيضا بسبب ما تؤدى إليه تلك الحروب من تدمير للموارد الاقتصادية في الدولة ….ولذلك أصبحت مشكلة اللاجئين في أفريقيا خصوصا وعلى الصعيد العالمي عموما واحدة من أبرز قضايا العلاقات الدولية في الفترة الحالية ولم يحدث قط أن استقطبت مشكلة اللاجئين مثل هذا الاهتمام على الساحة الدولية على نحو ما حدث في عقد التسعينيات.
كما تعتبر منطقة الشرق الاوسط / بوصفها من اكثر بؤر التوتر في العالم نتيجة صراعات سياسية وبعض حروب وأزمات داخلية / من بين المناطق التي تعاني من قضية اللجوء طاردة احيانا لللاجئين واحيانا اخرى مستقبِلة لهم مثلما والحال الان على صعيد النزاع الفلسطيني الاسرائيلي والحرب في سوريا وما تعرض له العراق في السنوات الاخيرة من حروب فضلا عن اليمن التي باتت من اشد الدول العربية تأثرا بمشكلة اللاجئين القادمين اليها .
ويتسم الاهتمام الدولي بهذه المشكلة بتعدد الأبعاد حيث تكتسب قضية اللاجئين أهميتها من الأبعاد الإنسانية التي تنطوي عليها بالإضافة إلى ما تمثله هذه القضية من خسارة فادحة للدول التي تعاني من الحرب الأهلية بسبب نزيف العقول الذى تتعرض له بسببها والناجم عن هروب المتعلمين والمثقفين إلى الخارج للنجاة بأنفسهم من الصراع، وبحثا عن مصادر رزق جديدة، بالإضافة إلى أن اللاجئين يمثلون تهديدا محتملا للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول المضيفة.
ويتضح الاهتمام الدولي بمشكلة اللاجئين في كثرة المنظمات الدولية العاملة في مجال إغاثة ومساعدة اللاجئين وأبرزها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومفوضية الأمم المتحدة العليا لشئون اللاجئين والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم /اليونسكو/ وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة /اليونيسيف/…. إلا أن المفوضية العليا لشئون اللاجئين تقوم بالعبء الأكبر في هذا الصدد …وفي الوقت نفسه فإن أهمية مشكلة اللاجئين في أفريقيا تنبع أيضا من كونها كاشفة للعديد من الظواهر والأزمات الأخرى وبالذات أزمة بناء الدولة في أفريقيا، حيث تربط بعض الدراسات بين نشوء مشكلة اللاجئين وبين أزمة بناء الدولة في أفريقيا فالدولة في القارة الأفريقية مازالت في مراحل البناء الأولية ومازالت تسعى إلى بناء قدراتها وتعزيز جدارتها وحقها في الحكم ويتمثل الفارق في عمليات بناء الدولة في أن بعض الدول اهتمت ببناء المؤسسات المركزية وتقويتها، في حين أن البعض الآخر كان حذرا للغاية في هذه العملية، وهو ما يرتبط إلى حد كبير بالميراث الاستعماري .
وتتبدى فداحة هذه المشكلة في أن اللاجئين يمثلون نسبة كبيرة من إجمالي سكان الدول التي فروا إليها، كما يمثلون نسبة عالية من حجم السكان في العديد من الدول التي فروا منها، وأبرزها رواندا وليبيريا بالإضافة إلى أن هناك الكثير من الدول مثل السودان وبوروندي والكونغو الديمقراطية وأثيوبيا وأنجولا واريتريا واخيرا الصومال وافريقيا الوسطى ومالي وساحل العاج … بل أن الدول المضيفة تضطر إلى تحمل أعباء تفوق قدرتها الحقيقية على استضافة وإعالة هؤلاء اللاجئين من أجل معالجة معاناتهم الإنسانية ولذلك، فإن الكثير من الدول كانت تعلن أنها لن تقبل دخول المزيد من اللاجئين إلى أراضيها بسبب عجزها عن استيعاب المزيد منهم، إلا أنها كانت تضطر إلى التراجع عن هذا الموقف، لأن ترك اللاجئين في العراء عند بوابات الحدود يعنى الموت المحقق لهم، وهي مسئولية لا تستطيع أي دولة أن تتحمل تبعاتها الأخلاقية والسياسية والقانونية .
ورغم ما تتحمله الدول المجاورة لسوريا من اعباء ومسؤوليات تجاه استضافة اللاجئين السوريين في ضوء ما اعلنته بالأمس مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن أعداد اللاجئين السوريين الى الدول المجاورة تجاوز حاليا الاربعة ملايين نسمة بينهم أكثر من مليون ومائة الف في لبنان وحده فإن قدرة هذه الدول على تأمين المتطلبات الاساسية لهؤلاء اللاجئين تتفاقم في حين لم تعد المنظمات الدولية المعنية تستطيع الايفاء بمستلزمات ضمان استمرار توفير الحياة الكريمة لهم او وقف تدفقهم الى الدول المجاورة.
من جانبه حذر برنامج الاغذية التابع للأمم المتحدة من ان نصف الشعب اليمني بات يعاني الان من الجوع…مشيرا الى انه سيزيد من معوناته الغذائية لهذا البلد بسبب تحمله تبعات استضافة اعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين اليه من دول الجوار في القرن الافريقي وخاصة من الصومال واثيوبيا واريتريا …وبدورها نبهت السلطات اليمنية الى انها لاتزال تواجه صعوبات وتحديات كبيرة أمنية واقتصادية جراء تدفق المئات من اللاجئين الصوماليين اليها عبر البحر حيث افاد مصدر يمني امني بأن نحو مائة وخمسين لاجئا صوماليا يصلون بمعدل شبه يومي الى سواحل بلاده حيث تقوم الاجهزة المعنية بإرسال هؤلاء بعد تجميعهم الى مخيمات ايواء في مديرية / ميفعة/ بمعية ممثل لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة .
وكانت مفوضية اللاجئين قد اكدت في وقت سابق ان قوارب تهريب غير صالحة لنقل البشر وبحمولة اكثر من قدرتها على الاستيعاب من ثلاث الى اربع مرات تقوم بإيصال اللاجئين الصوماليين الى اليمن عبر البحر الاحمر وخليج عدن من ميناء /بوصاصو/ في الصومال …في حين تؤكد السلطات اليمنية انها استقبلت الالاف من اللاجئين الصوماليين خلال الاشهر الماضية في رحلات وصفتها بأنها محفوفة بالمخاطر.
وعلى خلفية هذه المشكلة التي يعاني منها اليمن يمكن القول إنه منذ اندلاع الصراع في الصومال عام 1991 يقوم اليمن بمنح الصوماليين الذين يصلون الى أراضيه وضع اللاجئ منذ الوهلة الأولى للصوماليين الذين يفرون من الصراعات وانعدام الأمن في بلادهم. ومع ذلك، لا يوجد في اليمن تشريع وطني خاص باللجوء و كذا نظام لجوء لمعالجة القضايا المتعلقة باللاجئين وطالبي اللجوء في البلاد وعليه تقوم المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأجراء المقابلات الخاصة بتحديد وضع اللاجئ مع طالبي اللجوء من غير الصوماليين.
وحتى نهاية شهر أكتوبر 2012م بلغ عدد اللاجئين الذين تعترف بهم الحكومة اليمنية 234.358 لاجئاً، ويُشكل الصوماليون الغالبية العظمى من اللاجئين في اليمن (223.732)حيث يعيشون في وضع لجوء طويل الأمد ويتألف اللاجئون من غير الصوماليين بشكل رئيسي من لاجئين أثيوبيين (5.103) وعراقيين (3.919)، وأريتيريين (994).
ويحصل الصوماليون على الاعتراف بصفة اللجوء منذ الوهلة الأولى لوصولهم والذي يمكنهم من الحصول على الوثائق اللازمة ويمنحهم حرية نسبية في التنقل، وقد وصل 27.350 شخصاً من الصوماليين إلى اليمن في 2011 نزل غالبيتهم في شاطئ خليج عدن حيث يتم استقبالهم هناك في شبكة مراكز الاستقبال التي أسستها المفوضية بشكلٍ جيد على طول الساحل ومن ثم نقلهم إلى مخيم خرز للاجئين، بينما يواصل الكثير منهم رحلتهم إلى المناطق الحضرية.
ويعيش في مخيم خرز للاجئين بمحافظة لحج جنوب البلاد قرابة 20 ألف لاجئ، غير أن غالبية اللاجئين في اليمن يعيشون في المدن الرئيسية لاسيما في صنعاء وعدن وقد أسفرت الاضطرابات السياسية التي اندلعت في اليمن مطلع العام 2011 إلى جانب الأوضاع الأمنية الهشة والتدهور الاقتصادي في كل أنحاء البلاد عن الكثير من المصاعب وزيادة الضعف بين أوساط الكثير من اللاجئين و خاصة أولئك الذين يقطنون في المناطق الحضرية. و قد عانى كثير من اللاجئين الذين كانوا يعتمدون على أنفسهم في الكسب من انعدام الفرص المدرة للدخل بفعل هذه الاضطرابات، فيما اضطر بعض اللاجئين إلى الهرب من أماكن القتال.
وقد أقرت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهجرة المختلطة بأنه في الوقت الذي يُشكل فيه اللاجئون وطالبو اللجوء نسبة صغيرةً الى حد ما من حجم حركة تنقل الاشخاص عالمياً إلا أنهم يتنقلون بشكل متزايد من دولة إلى أخرى ومن قارة الى اخرى مع الاشخاص الاخرين الذين تُكون اسباب تنقلهم مختلفة وقد لا تكون متعلقة بالحماية وفي أغلب الأحيان تكون هذه التنقلات غير منتظمة إذ أنها تتم من دون وجود الوثائق المطلوبة وعادة ما تتطلب وجود مهربين. وغالباً ما يعرض الأشخاص الذين يتنقلون بهذه الطريقة حياتهم للخطر، حيث يُضطرون إلى السفر في ظروف غير إنسانية وقد يتعرضون للاستغلال وسوء المعاملة، وتعتبر الدول مثل هذه التنقلات تهديداً لسيادتها وأمنها ولقد أصبح من الضروري قيام المجتمع الدولي بمعالجة هذه الظاهرة بطريقة اكثر إحكاماً وشمولية. وبهذا الخصوص، قامت المفوضية بوضع خطة عمل مكونة من 10 نقاط لضمان توفير الحماية الخاصة بالهجرة المختلطة.
وتصف هذه الخطة على وجه التحديد الخطوات التي يجب اتخاذها من أجل وضع أنظمة دخول تكون قادرة على تحديد الواصلين الجدد الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية وتوفر حلولاً متنوعة ومناسبة لهم، إلى جانب الحلول الخاصة بالمجموعات الأخرى المنخرطة في التنقلات المختلطة.
وتدرك المفوضية تماماً أن ثمة حاجة إلى ضمان ألا تؤدي عملية تقديم اللجوء وتوفير الحماية للاجئين والأشخاص الآخرين من ذوي العلاقة إلى مضاعفة الصعوبات التي تواجهها الدول في التحكم بمسألة وصول وإقامة الأجانب وفي مواجهة تدفق اللاجئين والمهاجرين.