محمد بن زايد: المُلك عقيم!
موقع الخنادق-
مريم السبلاني:
بعد أقل من 24 ساعة على إعلان خبر وفاته، وبمراسم متواضعة على خلاف نظرائه من رؤساء الدول الخليجية على وجه الخصوص، شُيّع رئيس الامارات خليفة بن زايد آل نهيان إلى مثواه الأخير في مدافن البطين بأبوظبي، بعد اقصاء دام لأكثر من 7 سنوات عقب تعرضه لجلطة دماغية، تولى فيها أخوه محمد بن زايد مقاليد الحكم من خلف الكواليس، والذي انتخبه المجلس الأعلى للاتحاد الإماراتي بعد الوفاة مباشرة رئيساً للدولة.
يُنسب للخليفة العباسي هارون الرشيد قوله لابنه المأمون: “يا بني المُلك عقيم ولو نازعتني أنت على الحكم لأخذت الذي فيه عيناك”. ولعل هذه أولى الحوادث البارزة عندما نكون بصدد الحديث عما دار في أروقة القصر الرئاسي الاماراتي بالأمس القريب.
حيث أثارت مراسم الدفن -والتي غاب عنها رؤساء الدول- بلبلة في الأوساط الشعبية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شكك كثيرون بالرواية الصادرة عن الديوان ووكالة الأنباء الرسمية، متسائلين عن توقيت الوفاة والدفن. من جهته اعتبر المعارض الإماراتي عبدالله الطويل، في تغريدة له على موقع تويتر أنه “ربما نحتاج لأن نسأل أين جثمان الشيخ خليفة!… مراسم التشييع والصلاة والدفن لم ترتق بمكانة رئيس دولة، وكأن الأمر مقصود لإخفائه عن الشعب وهو ميت كما أخفوه في حياته اهانة ما بعدها إهانة”. فيما استغرب المعارض حمد الشامسي، نشر صور التشييع في النهار مع أن الدفن قد جرى -حسب الإعلان- أثناء ساعات الليل، مشيراً في تغريدة له إلى انه “بعد ساعات من دفن والدنا الشيخ خليفة بن زايد، يقوم هذا الحساب التابع لجهاز الامن بنشر أول صور يقول انها من الصلاة الدفن عليه، الملاحظة ان الصور في النهار مع أن الدفن كان ليلاً”.
أما عن السبب في ذلك، فقد أرجعه المغرد الشهير “بوغانم” -والذي كان أوّل من نشر قبل أيام خبر وفاة الشيخ خليفة-، حيث أكد “تكتّم السلطات على الأمر لترتيبٍ معيّن لديها بشأن الحكم”، متابعاً “هناك معلومة غريبة تفيد بأن الصلاة على جثمان الشيخ خليفة بن زايد كانت من عدة أيام وليس اليوم؛ وهذا سبب عدم حضور حكام الامارات للصلاة عليه”.
محمد بن زايد: اليد التي تحرك الماريونيت الإماراتية
لم يكن محمد زايد أحد أولياء العهد التقليديين، بل كان مشروعه للوصول إلى سدة الحكم يحتاج -بنظره- إلى تثبيت قواعد أساسية بدأ بالعمل عليها منذ توليه رئاسة أركان القوات المسلحة الإماراتية عام 1991، حينما أقنع والده بتحويل 4 مليارات دولار إلى خزينة الولايات المتحدة للمساعدة على دفع تكاليف الحرب في العراق، ليتسلّم بعد عامين رئيساً لأركان القوات المسلحة ثم ولياً لعهد إمارة أبو ظبي في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2004، ونائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية بعد عام واحد.
حافظ بن زايد على قربه المدروس من الولايات المتحدة، ما جعله محط اهتمام المسؤولين في البيت الأبيض، ومن بينهم الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي وصفه بـ “القائد الأكثر دهاء في الخليج”، في مذكراته التي نشرت تحت عنوان “أرض الميعاد” والتي وصلت مبيعاتها إلى نحو 890 ألف نسخة في الولايات المتحدة وكندا خلال الـ 24 ساعة الأولى. وعلى الرغم من المخاوف التي أثارتها رغبة بن زايد بشراء “معدات عسكرية، مطلع التسعينات، بعد الغزو العراقي للكويت، من بينها صواريخ هلفاير وهليكوبترات أباتشي و “أف 16” إلا ان مساعد وزير الخارجية الأميركي آنذاك ريتشارد كلاك، وصف بن زايد بـ “الشريك الواعد وهو لن يعتدي على أميركا”، حسب صحيفة بلومبيرغ الأميركية.
طيلة السنوات الماضية، لفّ الغموض دائرة القرار في الدولة، خاصة لناحية إدارة الشركات والاستثمارات المالية الضخمة التي يمتلكها خليفة بن زايد، وكثُرت التساؤلات عن “الإصرار على إعادة انتخابه رغم وضعه الصحي الصعب؟ ومَن صاحب القوة الحقيقية وراء العرش؟ وفي الوقت الذي يُعتبر فيه ولي العهد محمد بن زايد الحاكم الفعلي للدولة، فلماذا لم يتم الاعتراف به رسمياً من قبل بقية الأسرة الحاكمة؟ وهل هذه العشيرة الممتدة كلها سعيدة لرؤية ثروة خليفة الشخصية بالكامل (التي يُقدر بأنها تتجاوز 18 مليار دولار) تخرج من يديه بهذه الطريقة؟”، حسب موقع “ساراواك ريبورت” (sarawakreport) الماليزي.
حيث كشف الموقع في تقرير نشره في 7 آب/أغسطس عام 2020 عن “الكيفية التي ظلّ ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد وأخوه الشيخ منصور “ينهبان” بها ثروة أخيهما الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات”. وحسب الموقع فإن أخاه الأصغر غير الشقيق منصور ومحمد بن زايد كانا يستوليان على ممتلكات خليفة، تحت ذريعة إصابته بعجز عقلي، في حين تم الكشف لاحقاً ان الاخوين قد قدما وثيقة مؤرخة في الأول من يونيو/حزيران 2015- ذات أهمية قصوى، يزعمان بها ان الشيخ خليفة قد سلّم السيطرة المطلقة على جميع ثروته وممتلكاته إلى “لجنة” يسيطر عليها الشيخ منصور سيطرة كاملة، ليتبين لاحقاً أن التوقيع ليس للشيخ خليفة نفسه كما هو موثّق، بل توقيع ولي العهد القوي الشيخ محمد بن زايد”، حسب ما كشف موقع “ساراواك ريبورت”، والذي اعتبر انه “عندما يتولى محمد بن زايد منصب حاكم أبو ظبي ورئيس الإمارات، فسيسيطر على كل ثروة الشيخ خليفة بدلاً من توزيعها على أبنائه وعائلته”.
طموح إقليمي مبني على رمال متحركة
على صعيد السياسة الخارجية، فقد كان لمحمد بن زايد رأي مغاير لأسلافه، واتخذت مساراً أكثر تطرفاً لناحية الموقف من الاخوان المسلمين وما كان يعتبره “الإسلام السياسي”، متخوّفاً من ان تصل تحركات ما سمي بـ “الربيع العربي” إلى عقر داره، حيث دعم الانقلاب على الرئيس المصري الاخواني محمد مرسي، ثم وقف مع خليفته عبد الفتاح السيسي. إضافة لدعم خليفة حفتر في ليبيا، والمشاركة في تحجيم قطر بعد اتهامها بتمويل الإرهاب، إلى جانب التورط بحرب اليمن ورعايته الاحتلال الإسرائيلي لجزر سقطرى وميون، والمشاركة بشكل أساسي في التسبب بمجزرة إنسانية، جعل بلاده ترزح تحت القصف اليمني مرات عدة طيلة 7 سنوات.
عام 2007، وخلال لقاء جمع مساعد وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس، وعدد من المسؤولين الأميركيين مع بن زايد، قال الأخير ان “المزيد من الديمقراطية في المنطقة ستؤدي على المدى القصير إلى تمكين الإخوان المسلمين وحماس وحزب الله”.
من جهة أخرى، لم يرَ بن زايد حرجاً في التوقيع على اتفاقية التطبيع مع كيان الاحتلال، واستقبال بلاده مسؤولين إسرائيليين، والمشاركة في مناورات عسكرية مشتركة حتى في الوقت الذي كانت فيه “إسرائيل” تصعّد من اعتداءاتها ضد الفلسطينيين. ثم الاحتفال مؤخراً بيوم النكبة الذي أسماه “يوم الاستقلال الإسرائيلي”.
وعن الحقبة القادمة التي ستشهدها الإمارات في عهد محمد بن زايد، يلخّصها محلل الشرق الأوسط في ستراتفور وورلدفيو، رايان بوهل، بالقول “وظيفيًا لن يكون هناك تغيراً كبيراً.. كان محمد بن زايد يدير العرض منذ البداية تقريباً”.