محاكاة بين أحداث البرازيل وهجوم الكابيتول
صحيفة البعث السورية-
ريا خوري:
شهدت البرازيل العديد من الأحداث الساخنة في الآونة الأخيرة، فقد اقتحم أنصار الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو العديد من المراكز والمباني الحكومية في العاصمة برازيليا ما تسبب في أضرار جسيمة في الممتلكات، وأعاد إلى ذاكرتنا عملية اقتحام مبنى الكابيتول في العاصمة الأمريكية واشنطن.
إذا كان التاريخ يعيد نفسه، فإن أوضح صورة لهذه العودة يمكن أن تتطابق مع البرازيل، بعد أسبوع واحد فقط من تنصيب الرئيس لولا دا سيلفا للمرة الثالثة، خلال نحو عشرين عاماً، عبر هجوم لأنصار الرئيس السابق جايير بولسونارو على القصر الرئاسي بالذات، ومقرّي الكونغرس والمحكمة العليا البرازيلية في العاصمة برازيليا، بالتزامن مع ذكرى هجوم أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على مبني الكابيتول، يوم الـ 6 كانون الثاني عام 2021..
الملاحظ تماماً تشابه السيناريوهات التي جرت، وتجري في كثير من دول العالم، لكن ليس إلى أدق التفاصيل الأساسية كما في الهجوم على إدارات ومؤسسات وهيئات السلطة البرازيلية العائدة للتو إلى أحضان الديمقراطية بعد فترة طويلة من حكم اليمين الشعبوي المتطرف بقيادة جايير بولسونارو منذ شهر تشرين الأول عام 2018، وما حدث في العاصمة الأمريكية واشنطن مطلع عام 2021 إثر الخسارة الكبير لممثل اليمين الشعبوي المتطرف لدى الجمهوريين الأمريكيين الرئيس السابق دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر تشرين الثاني 2020، ثم ذهاب أنصاره للهجوم على مبنى الكابيتول.
الجدير بالذكر أن جايير بولسونارو استنسخ تقريباً كل شيء فعله قدوته الرئيس دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، لجهة عدم اعترافه بالهزيمة في الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس المنتخب لولا دا سيلفا، كما يبدو أن عملية الاستنساخ جاءت حتى في طريقة التصريحات التي أطلقها بولسونارو والتعامل مع أنصاره، فالتصريحات كانت غامضة وغير واضحة، بحيث يتمكن أنصاره من فهم أنها دعوة للانقلاب على النظام، ولكن يمكنه لاحقاً التهرّب من المسؤولية والتنصل من الاستحقاقات والتبعات بدعوى أنه لم يقل ذلك أبداً.
الجدير بالذكر أنّ هناك فوارق شاسعة شهدتها البرازيل خلال فترتي حكم الرئيس لولا دا سيلفا، بين أعوام 2003 و2010، خلال عهد بولسونارو، فقد كان حكم دا سيلفا ناجحاً لأنه تمكّن من وضع العديد من الحلول لحالة التضخم الهائل في البلاد الذي ورثه عن سلفه الرئيس فرناندو كاردوزو من 2000% في أواسط تسعينيات القرن العشرين الماضي إلى أقل من 10% مع نهاية تلك الولاية عام 2010 من خلال برنامج مدروس بإحكام سمح له بتحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية هائلة، وتقليص عدد الفقراء والمحتاجين في البلاد من مئة مليون فقير إلى خمسين مليوناً، ناهيك عن التقدم الصناعي والاقتصادي الكبير، وتالياً تمكن من ضم البرازيل إلى مجموعة “بريكس”، وتكريس البرازيل عضواً فاعلاً وقوياً في الساحة الدولية.
في المقابل، وخلال فترة حكم بولسونارو تزايد عدد ملايين الفقراء والمحتاجين أكثر مما كان عليه الحال قبل ولاية دا سيلفا الأولى، وأصبحت خمسة في المئة من الطبقة الاجتماعية الحاكمة والمتنفذة تسيطر على نحو خمس وتسعون في المئة من مقدرات، وطاقات البلاد التي عادت إلى العزلة الدولية من جديد .
لقد تعرّض دا سيلفا وأنصاره من حزب العمال البرازيلي للاضطهاد والقمع، بعد أن تم تشويه صورته المشرقة، واتهامه بنهب ثروات البلاد وبالفساد، وزجه في السجن إلى أن تمت مراجعة ملفه وتبرئته في نهاية المطاف.
اليوم وبعد الأحداث الساخنة التي شهدتها البلاد، خاصة السيناريو الذي تم إعداده بشكلٍ مسبق، والهجوم على مقرات السلطة، ومؤسساتها وإداراتها وهيئاتها في البرازيل، من المؤكد أن ظاهرة صعود وتمدد اليمين الشوفيني المتطرف وأيديولوجياته الشعبوية القائمة على التمييز العنصري والتفوق العرقي يمكن أن تشكّل تهديداً حقيقياً لكل أشكال الديمقراطيات في العالم، من حيث استعدادها لاستخدام العنف والقتل وكل وسائل القمع والإجرام من أجل السلطة وحكم البلاد ونهب الخيرات، وإخضاع المجتمعات بالقوة العسكرية والعقائدية لرؤاها الظلامية.