متى ينضم العرب إلى نادي الأقوياء؟
جريدة البناء اللبنانية-
د. علي أكرم زعيتر:
هناك من يحاول إيهامنا بأنّ الليبرالية الغربية هي الأمل الوحيد المتبقي لحلّ مشاكل أمتنا العربية والإسلامية. ليبرالية غربية تسمح بممارسة الشعائر والطقوس الدينية في المساجد والكنائس، لكن دون أن يكون للدين أيّ دور ريادي في المجتمع، أو تحديد سياسة الدولة، تماماً كما هو الحال في الغرب.
ففي الغرب، بإمكانك أن تعبد ما شئت، وأن تمارس قناعاتك الدينية على أكمل وجه، ولكن شريطة أن لا يسيل لعابك أمام كرسي الحكم. دعنا نحكمك، وافعل ما يحلو لك. استمتع بوقتك. لن ندعك تشعر بوجودنا حتى. هذا هو المنطق السائد هناك. وهذا بالضبط ما يحلم الغربيون بتصديره لنا، وفرضه علينا.
لتدرك ما نقول، عليك أن تقرأ كتاب ”نهاية التاريخ“ لفرنسيس فوكوياما. ففي هذا الكتاب الذي صدر مطلع تسعينيات القرن الماضي، والذي عُدّ آنذاك بمثابة إعلان رسمي عن انتصار النسق الحضاري الليبرالي الغربي على النسق الشرقي الاشتراكي، كلام واضح حول حتمية انتصار هذا النسق في أي مواجهة قد يخوضها مستقبلاً مع الأنساق الأخرى.
لقد كتبت الحضارة الليبرالية الغربية نهاية التاريخ بيديها. وعلى كلّ من يعارض توجهاتها أن يبادر إلى تصحيح موقفه قبل أن يغادره التاريخ. التاريخ كعقارب الساعة تماماً، يدور دون توقف، وهو لا ينتظر أحد. فإما أن تلحق به، وإما أن يغادرك وتبقى حيث أنت. وبما أنّ نهايته كتبت بأيادٍ غربية. فإذن على من يقف في وجه الغرب أن يعلم أنّ خروجه من السياق التاريخي مسألة وقت ليس إلا.
هذا بالضبط ما حاول فرنسيس فوكوياما إيهامنا به، وهذا ما يحاول بعض اللبنانيين والعرب المتأثرين بالنزعة الليبرالية إيهامنا به، فهل نجحوا؟!
من يسمع أحاديث النخب والمثقفين داخل الأروقة العامة والخاصة، ومن ينصت لحديث الشارع، يدرك أنّ حجم الهزيمة النفسية التي تعرّض لها المواطن العربي كبيرة للغاية، ولا مجال للتعافي منها إلا في حالتين:
1 ـ إذا تمكن من هزيمة المشروع الغربي الاستعماري في المنطقة العربية، وهنا نعني تحديداً الهزيمة السياسية والعسكرية، وهذا أمر مستبعد حالياً نظراً لحالة الضعف التي تعتري البنية السياسية والعسكرية العربية.
2 ـ ملاقاة روسيا والصين وإيران وسائر القوى المناوئة للمشروع الغربي في العالم، وإقامة ما يشبه التحالف السياسي والعسكري مع هذه الدول الثلاث.
3 ـ التعلم من التجربة الصينية في مجال النهوض الاقتصادي والعمراني. فبالرغم من أنّ الصين ليست دولةً ليبرالية، فقد نجحت في تشييد امبراطورية صناعية ومالية وسياسية وعسكرية موازية للغرب. ما يفنّد المزاعم الغربية التي تقول بأنه ما من مجال أمام العرب للنهوض بواقعهم السياسي والاقتصادي ما لم يُحدثوا قطيعةً بين حاضرهم وماضيهم، ويتبنوا الفكر الليبرالي الغريب عنهم بغثّه وسمينه.
4 ـ اللعب على هامش التناقضات الروسية والغربية، واستغلال حالة الصراع الدائر حاليّاً في أوكرانيا، لكن ليس على قاعدة الوقوف على التلّ ريثما تنتهي المعركة، ومن ثم مصافحة المنتصر، أو حتى الإبقاء على علاقات طيبة مع الطرفين المتصارعين، وإنما من خلال ابتزاز الطرف الغربي وفرض شروطنا القاسية عليه من بوابة احتياجاته النفطية والغازية.
ندرك تماماً، أنّ تجربة العرب مع هذا النوع من اللعب على الهوامش ليست مشجعة، لا سيما على مستوى استعمال النفط كسلاح للضغط، نظراً لما كان من أمر الملك فيصل آل سعود الذي اغتيل في سبعينيات القرن الماضي لمجرد أنه قطع الإمدادات النفطية عن الغرب إبّان حرب الـ 1973. ولكن بالمجمل، فإنّ النهوض بالواقع العربي يحتاج إلى شيء من الجرأة، وإلى الاستعداد للتضحية بالنفس. فمن دون قائد شجاع ومحنَّك لا يمكن أن تقوم للعرب قائمة.
إذن ما أخذ العرب بأسباب نهوضهم، وإذا ما نحُّوا خلافاتهم جانباً، وإذا ما أعملوا مبدأ التنمية المستدامة، وحرصوا على تأمين مداخيل مالية، بعيداً عن تجارة النفط الخام، وإذا ما أدركوا أخيراً أنّ الثروة النفطية لا يمكن أن تدوم إلى ما لا نهاية، وبالتالي عليهم أن يستغلوا المداخيل التي يوفرها لهم استخراج وبيع النفط حالياً ويشرعوا في بناء معامل ومصانع واقتصادات قوية بعيداً عن العائدات النفطية. وإذا ما شخصوا عدوّهم جيداً، وتوقفوا عن اختراع أعداء وهميّين كما هو الحال مع إيران، وتجاهلِ الأعداء الحقيقيّين كما هو الحال الكيان الصهيوني، وإذا ما سلموا أخيراً بأنّ الرهان على أميركا والغرب رهان خاسر، وإذا ما استمعوا للنصائح التي يسديها لهم قادة محور المقاومة، فإنّ احتمال تحوّلهم من مجرد دول استهلاكية غير مؤثرة إلى رقم صعب يُحسب له ألف حساب في نادي الأقوياء أمر وارد بقوة.