ماذا يجري في العالم : أوباما وعبقرية الحروب البديلة الشريرة
مهما اختلفنا، أو اتفقنا مع باراك أوباما، فلا بد لنا من أن نسجل له هذا النجاح النسبي والمؤقت، حتى الآن على الأقل وبانتظار اجتراح وسائل مضادة، في تسويق فكرة الحروب البديلة، والجيل الرابع من الحروب اللا متناظرة أو غير المتماثلة الAsymmetric War، التي تحدث عنها مسهباً ومفصلاً العميد والبروفيسور في معهد الدراسات الأمريكي “ماكس مانورينغ” Max Manwaring ، وهي تعني بالملخص انتفاء الحاجة لخوض الحروب التقليدية بالدبابات والطائرات، وحين يصعب خوض الحروب التقليدية يتم اللجوء للحروب البديلة وتفجير المجتمعات وإنهاك الأنظمة من الداخل والمتاجرة بلعبة الثورات والتغيير والديمقراطية التي صارت بعبعاً حقيقياً يلوح به الأمريكان ضد كل نظام أو بلد يحاول أن “يلعب بذيله” معهم. والدليل على ذلك أنهم لم يهدوا حتى الآن ولا أية مشيخة خليجية من “إياهم” تنضوي تحت عباءتهم، بالديمقراطية، رغم أن هذه المشيخات الديناصورية تعيش عملياً، ومقارنة مع أي مجتمع في التيبيت، بالعصور الحجرية، حيث لا وجود لأي نوع من الدساتير والقوانين.
صفق كثيرون، حين أعلن أوباما عن برامجه “السلمية”، والتي نال بموجبها جائزة نوبل للسلام، لكن لم يكن أحد يدري أو يعلم ما في جعبة هذا “الحاوي” الكيني الأصل، من “Tricks”، وألعاب وخدع بصرية سياسية تصبح فيها الحروب الدموية التدميرية، و”تحرير” البلدان، وإخضاعها للسلطان الأمريكي، وإلحاقها بالقطيع الأطلسي، “ربيعاً”، و”ثورة” في أوكرانيا وسوريا ومصر. إنها الحرب العالمية الثالثة المستمرة منذ ثلاث سنوات، بنفس الأدوات والمضامين والسيناريوهات، والتي تشن اليوم على دول عدة في العالم، لتفتيتها، وشرذمتها وإنهاكها، وتم إعطاؤها اسماً مفبركاً ومزيفاً هو “الربيع العربي”، و”الثورات”، وهناك منظمات دولية، وجماعات سياسية، مؤسسات بحثية، وفيالق جرارة من الكتاب والصحفيين و”المستكتبين” المياومين، والنجوم المجتمعية في الفن والموسيقى والأعمال والفضائيات جاهزة للتصفيق،لـ، ولترويج لـ، وتسويق الخدع البصرية السياسية الشيطانية تلك.
وحين طرح “حمامة السلام” الأمريكية الجديدة “أوباما” برامجه “السلمية” كالانسحاب من العراق وأفغانستان، وإغلاق سجن “غوانتانامو باي” ، كان، ببساطة، يعد العدة لاستئناف الحروب لكن بطرق جديدة وبديلة، فاستمرت الحرب على نحو أشرس وأكثر ضراوة في العراق وأفغانستان رغم أن الانسحاب من أفغانستان لم يستكمل بعد، فيما تم تجنيد والزج بكل “معتقلي” غوانتانامو، المطلق سراحهم، في الحروب الدائرة في العراق ومصر وسوريا، وليبيا، وتونس، والجزائر المرشحة بقوة اليوم لحرب جديدة.
وحين حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يتصدى لاستراتيجية الرعب والدمار الأمريكية هذه ضربوه في عمق خاصرته الأوكرانية، قائلين له حرفياً: “إنك ليس استثناء يا مستر بوتين”. ويتم تهديد روسيا اليوم بقطع شرايين الاقتصاد والقوة الروسية عبر قطع إمدادات وضخ الغاز الروسي لأوروبا، وطرد روسيا من مجموعة الثمانية الكبار، وإعادة الحلم الإمبراطوري الروسي إلى المربع الأول والصفر. وهذا الكلام لا يعني ضعف وانهيار وتراجع المحور الروسي المقاوم للهيمنة الأمريكية قدر ما يعني استمرار القوة الأمريكية وامتلاكها للكثير من أوراق الضغط إن على الصعيدين المحلي والدولي، وبما يــُلزم المحور الروسي، وحلفاؤه، العمل على استنباط وسائل وأدوات رد وأوراق ضغط تثني الولايات المتحدة عن سياساتها الهمجية. إن حالة الاستعصاء، والعجز الروسي الواضح ومراوحة الملف السوري الدامي في مكانه، دون ظهور أية بوادر لتراجع أمريكي واضح، هو أحد تجليات هذه الحالة والاستراتيجية الأمريكية الماضية بعناد وثبات. صحيح أن القيصر الروسي استطاع أن يقول “لا”، قوية وجارحة ومهينة للإدارة الأمريكية ووتوجيه لكمة موجعة للقطبية الواحدة، وهذا شيء مهم وتحول استراتيجي بارز، ولكن الأهم هو ما بعد، وكيف تترجم هذه الـ”لا” إلى أدوات ضغط تضع حداً لـ، وتمنع الولايات المتحدة من التمادي في سياستها. صحيح أن روسيا ومعسكرها قد تمتلك وسائل وأدوات تصد عسكري للمشروع بشقه العسكري المباشر، لكن الحرب لم تعد عسكرية صرفة، والسؤال: “ما هي الأدوات والسبل للتصدي لها في شقها الناعم وغير المباشر أو اللا متماثل كما أسماه البروفيسور “وارينغ”؟ (تصورا الصدف الغريبة أن اسم هذا البروفيسور يعني المولع بالقتال).
مخطئ جداً من يظن أن الولايات المتحدة انكفأت وتراجعت وهزمت وباتت عاجزة كما يروج البعض، فتغيير التكتيكات والأدوات لا يعني الهزيمة أو التخلي عن عمق وجوهر الاستراتيجيات وهو الحرب والعدوان. وكم أهزأ وأسخر من أولئك المحللين الاستراتيجيين (هكذا يسمونهم ومن دون مزح)، الذين يسرحون ويمرحون على الشاشات ويطنطنون قائلين بأن الولايات المتحدة تنسحب وضعفت. الولايات المتحدة، وعلينا التسليم بعبقريتها الشيطانية، تخوض، اليوم، حرباً كونية شرسة، في المنطقة، منذ ثلاث سنوات، من دون ان تطلق رصاصة واحدة، أو تخسر جندياً واحداً في ميادين القتال، ولا داعي لذلك عملياً طالما ان هناك شعوباً، ومجموعات، وأفراداً، جاهزة لتقاتل بعضهاً بعضهاً، وتتقاتل، ويدمر بعضها الآخر، في أخبث استغلال للتناقضات المجتمعية والمذهبية والقبلية، وهذا ينسحب حتى على الأصدقاء التاريخيين “السعوديين”، حين فكروا بالتمادي والذهاب للصين واليابان والخروج من تحت العباءة الأمريكية فشـُطر مجلس التعاون، ذراد السعودية الإقليمية القوية، إلى نصفين، ولوّحوا لهم بـ”الشقيق القطري”، وبإشعال حروب القبائل المتناحرة في مشيخات الخليج الفارسي، ففهم آل سعود الرسالة، واستكانوا.
من هنا، والقول الفصل، وهنا عقدة النجار، لم يعد الرد، أبداً، على هذه الحروب غير التقليدية، بالوسائل التقليدية، مجدياً على أية حال، وما لم يتم استنباط وسائل رد “لا متماثلة”، وغير متناظرة، وغير تقليدية لمواجهة الخبث السياسي الأمريكي، فـ”انسوا”، والحروب البديلة الأمريكية ستشن على الجميع، وستستمر إلى ما لا نهاية في سوريا، والقوقاز، والقرم، وأوكرانيا، والسودان، ومصر وحتى في قلب المارد الصيني، التي، وما إن ستطالب بديونها التريليونية من الأمريكان، فسيتم إخراج ملفها من أدراج مكتب الـUnder-Secretary ، لشؤون الشرق الأقصى، وهناك سيناريو “ثوري” جاهز ومماثل في إقليم “جينغيانغ” ذي الأقلية الأيغورية المسلمة، التي تريد “الحرية” و”الديمقراطية”، و”الانفصال”، و”مالو” كما قال القرضاوي، فهي شعارات وعناوين برّاقة، وجاهزة للتداول والاستعمال، واستنفار وإلهاب غرائز الجهاديين “الثوار” من بالي، وحتى مضارب أمير المؤمنين (رئيس لجنة القدس ورجاء ممنوع السخرية)، في الدار البيضاء….
تلفزيون ليفانت